إلياس خوري: نعاني كعرب ثقوبا في الذاكرة، لا يسدها إلا الأدب : الصحافة أغنت تجربتي الأدبية وقربتني من عوالم البسطاء

شكل اللقاء الذي احتضنته قاعة ابن رشد بالمعرض الدولي للكتاب والنشر، أول أمس الاربعاء 13 فبراير، فرصة للإنصات العميق لواحد من الكتاب المؤسسين لمسار الرواية العربية، الروائي والصحافي اللبناني إلياس خوري الذي حاوره الناقد المغربي الذي خبر دروب ومنعجرات الرواية العربية، الأستاذ عبد الفتاح الحجمري.
اللقاء حاول الإحاطة، عبر ساعة من الزمن، بهموم الصحافة والرواية العربيتين، ووضع المواطن العربي بعد رجات الربيع العربي والذي رأى بخصوص الروائي إلياس خوري، انه وضع ساهم في تفتيت فكرة المواطنة التي سيجها الخوف من وضع اللااستقرار ، داعيا الى النضال على كل الواجهات من أجل استعادة المواطنين العرب لحقوقهم وأولها المواطنة، تلك الحقوق التي تنتهك من طرف الأقليات الحاكمة أو فلول العسكر المتنفذين في دواليب السلطة بعد فشل الربيع العربي في الوفاء بوعوده تجاه المواطنين.
مُؤلِف «باب الشمس»، وفي حديثه عن تجربته الصحافية ، اعتبر أن كتاباته نابعة من إحساس بالواجب تجاه الآخر الصامت وغير المسموح له بالتعبير عن رأيه، وهو ما يحاول تمريره عبر مقالته الأسبوعية ، مشيرا الى أن ممارسته للصحافة كانت سابقة على الكتابة الأدبية، بل شكلت مختبرا ومحكا لصقل لغته وأسلوبه، وجعلته يقترب من حياة البسطاء ما جعله مسلحا، قبل الدخول الى غمار الكتابة الروائية، بعدة لغوية وتخييلية أغنت تجربته الابداعية.
وعبر صاحب «الجبل الصغير» وهو يتطرق لوضع الصحافة العربية ومنها الصحافة الثقافية بلبنان ، عن أسفه الشديد لهذا المآل الذي يهدد الصحافة بالموت، ناقلا تجربة الصحافة اللبنانية التي تعاني الجمود بل دخلت في حالة احتضار وموت إكلينيكي أدى إلى إغلاق أهم الصحف، بسبب إحجام الادباء عن الكتابة في صفحاتها ، وهم الذين ساهموا لعقود في ريادتها على الصعيد العربي، لافتا الى المسؤولية المشتركة في الوصول الى هذا الوضع والذي بدت ملامحه الاولى بانفصال الصحافة واغترابها عن بيئتها الثقافية وأعلامها.
ولم يفت الخوري وهو يسرد تجربته الروائية وعوالم بعض أعماله الروائية، الوقوف عند طقوس الكتابة ، موضحا أنه كاتب بالمحو والحذف، قبل أن يتحدث عن رأيه في علاقة الرواية والأدب بالتغيير، مشيرا في هذا الصدد الى أن الرواية لا تعبر بديلا عن الثورة، لأن الادب لم ولن يأخذ ناصية الفعل والممارسة رغم أنه يقوم بوظيفة المقاومة والممانعة ضد أوجه القبح والفساد داخل المجتمعات. فالكتابة حسب إلياس خوري» تغير نظرتنا للأشياء» كما أنها مرآة تعكس الواقع وتجعل الآخر البعيد يتعرف عليه ويتفاعل معه كما هو الحال في رواياته التي تطرقت الى الاوضاع في فلسطين وممارسات جيش الاحتلال الاسرائيلي، هو الذي خبر الكفاح المسلح في صفوف الفصائل الفلسطينية . وقدم خوري نماذج لهذا التأثير وهو تحويل روايته «باب الشمس» الى فيلم سينمائي من إنتاج القناة الألمانية «أرتي»، حيث ستكون للمشاهد الاوربي فرصة الاطلاع على ما يقع بالداخل الفلسطيني من ممارسات وحشية يرتكبها الاسرائيليون وأولها التهجير ، وبالتالي تصحيح بعض الصور والحقائق المغلوطة لديهم عن كنه هذا الصراع.
صاحب «الذاكرة المفقودة» و»أولاد الغيتو» أضاف أننا كعرب نعاني من ثقوب الذاكرة الكثيرة والتي يعمل الأدب على سدها عبر ما يمنحه التخييل من رئات للتنفس، معرجا على علاقته بالشاعر الكبير الراحل محمود درويش الذي اشتغل معه في مجلة «شؤون فلسطينية» قبل أن تتوطد صداقتهما العميقة ويؤسسا مجلة» الكرمل» ، ويستفيد من خبراته الفنية والفكرية ، واصفا موته بأنه شكل من أشكال «حياة أخرى» يحياها عبر الاسترجاع.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 15/02/2019