الكتابة عملية تحرر جميلة، تتيح لنا الولوج دواخل الذات لاكتشاف المحظور والمختفي وتسمح لنا بالانفلات من رقابة الانتماء واستثمار عوالم أخرى. الكتابة بهذا المعنى احتراق، وجع كامن في الصدر، حرية انجذاب وتحرر كما قلت سابقا وبرائحة الذوق نشمّ النصوص الجميلة التي تلج شغاف القلب،
(عرينا عل لكتاف/ ماشي عل العيب/ درنا ب وجه لوصيه و لكتاب ..ص90)
عتبة الدخول إلى ديوان الزجال سعيد الأمين تبدأ من العنوان :» رتاج لعمر» على صيغة مضاف ومضاف إليه، يتماس مع الدلالة اللغوية الرتاج هو الباب الكبير أو العظيم وقيل الباب المغلق وبه بابٌ صغير، والإيحاء جليّ في لوحة الديوان..
هي مجموعة من الحجم المتوسط تضم 11 نصا زجليا بعناوين : لبياض ولحسيفة وعلى باب لحكاية ومريكب لحلام …
البوابة هي لبياض والنهاية هي لفتيلة، معززة بلوحات تشكيلية باليد بالأبيض والأسود للفنان ع. الرحمان الامين، وهذه هي المجموعة الأولى للشاعر، وله مشاركات متعددة في الملتقيات والأماسي الزجلية محليا ووطنيا ويعمل تقنيا في شركة.
ألفنا في النصوص الزجلية أن تكون أو تأتي كتاباتها عادية وهذه المرة تأتي وتنشرُ بخط كاليغرافي وبتصميم لمحمد لعروسي ليكتمل الإنجاز والهدف العام .
ألاحظ أن العناوين جاءت مفردة، مضاف ومضاف إليه نكرات والباقي معرفة بالإضافة، وأشير الى أن لا علاقة رمزية تجمع العناوين وهي في مجملها جمل إسمية، 2 مركب من حرف جر و1 مركب فعلي: ملي جات النوبة، بمعنى أنها ثابتة ولها أبعاد سكونية تتخذ من الذات من جهة والمتلقي مادة للوصف والسخرية، والحوار ملاذا لتحقيق مجموعة من المضمرات والصيغ الدلالية..
ألفنا أن تكون البدايات دائما تمتح من ملمح أولي لا محيد عنه وكأنها خصوصية تهمّ الجميع: الحلم والحب والحياة .
بالحلم، يحلم الشاعر تحقيق عوالمه البديلة وبالحب التغيير وبالحياة طرح البديل:
كَلت شلا وباقي بزّاف../ ما ضْرا يا سفينة لعمر/ فيك ما تسعفيني../ تسكَطر كلامي/ من جعبة الروح ..قصيدة لفتيلة ص98.
نكتشف طرحه للقول والفعل المقترن بالحكاية وقد جعل احدى قصائده على باب الحكاية:
بدم لخديعة / تنقشت حكاية/ ب حروف مصدية /على محراب لعمر/.. ص5
ومع تكالب وتآلب المصائب والوزيعة: ترادفت الطعنات / ف رحبة لوزيعة/ والكسدة هزيله/ عاكزة عل الوقوف / هاذ المرفودة مونتها رهج /حرافها يضبر/ قبرها مكروف: ص6
في ص 86 حكاية / ك حلمة لغريب/ ف قبور النسيان/ ك حدج لفراق/ ف الشربة عل الريق /..
كيف يكون عيبي مع كثرة احلامي ص25
يسقط حلم من حلم بشدة الألم تتوارد الصور الشعرية المرتجة القوية
نشرع دفف الروح ونعتق الكلمة ب اللي فيا ص3
ندير ف الجهد جهدين/ ونوبات نكَول مناقصْ/ تانا هاذ الكَطران/ شْرابوجيّفْني .. ص16
صراع الذات مع الذات، ضد عوالم ومنابع الشرّ التي لا تفتأ تسكنه وتسكن الإنسان والآتي صعب ورهانه كذلك
يا اللي بارود فراقك في الصدر يلعلعْ ص17
نلمس أيضا حضور تيمة البعد والفراق والشوق والشكوى والألم وحضور الصورة الشعرية(كمرة فكعانة، تنخصيص مزاكل، ف الصدر يلعلع..)، وحضور المعجم اللغوي القديم : السروية، سعد السعود، ظفار الميت ،..
أستطيع أن أقول أن هناك قلقا ظاهرا في النصوص، قلق الذات من الذات، وقلق لذاته وللآخرين ويمكن تصورها بتمثلات متعددة، يمكن أن نختزلها في مفردات دالة عليها ( من كَلب مرمد تمرميد، يا جودة مني مكلوعة ،) واش يدي واللا يكدي؟، واش يلْهي واللا يدْهي؟ واش يْبلي واللا يجلي؟ ص26 ، ف سعد السعود يعود ركَادي مرعود ص :27
كما نقف على الانجرار العشقي بالوصف وإشراقات وهاجة تتوخى البعد الجمالي والتقابل الضدّي، يخلق بها دهشة لدى المتلقي ساعيا إلى خرق تآلفات بين ضدين عن طريق التقطيع والتداعي، والبحث عن مفارقات وعلاقات تضادية متنافرة ومحاورة الذات والآخر يقول :
نكَول يلا كتاب/ وجاد الله ب العفو/ ما زال من عين لمحنة / نركَب عل لهلال/ ويلا كانت القسمة حدها تنكاد لكليب…
بحثا عما يسعفه : سعد السعود التبروري الكَلب المرمد، السروية… ويكفي أن يكون الخط الكاليغرافي بطابعه المغربي يضفي تميزا جماليا لديوان الزجال سعيد الأمين وللزجل المغربي عامة ويعطيه تميزه وسحره الآخاذ.
أخيرا، الشاعر سعيد الأمين صوتٌ طموحٌ يخترق بلغته الهشاشة والتصدع ليرسم عالما مشيدا بدرجة توتره، يشيّد عالمه بلغته الخاصة، عالما معماريا متشابكا مع متخيله وصورة قوية لواقعه ومرجعيته وثقافته المتعددة .

هامش:

ديوان « رتاج لعمر» الزجال سعيد الأمين الطبعة الاولى، دار القرويين الدار البيضاء 2018.