ازداد حضورها قوة في السنوات الأخيرة .. ظاهرة «دَارتْ».. للتخفيف من وطأة «أوجاع» المتطلبات اليومية

يحار المواطن في كيفية تدبير قوته اليومي، بالأحرى مصاريف الدواء والفراش واللباس والكراء والماء والكهرباء ولوازم الدراسة والخدمات الأساسية والمختلفة و»كارني مول الحانوت»، وليس غريبا في كل الأحوال أن يسجل المرء تجذر بعض ابتكارات ذوي الدخل المحدود في مواجهة ضعف الوسائل المتاحة، ومنها ظاهرة «دَارتْ» المتفرخة بين الأوساط الشعبية، والواضح أن السبب وراء انتشار هذه الظاهرة الشعبية يعود إلى وضعية البؤس وغلاء المعيشة وتنامي مظاهر الفقر والهشاشة والراتب الهزيل والدخل المحدود وقلة فرص الشغل، أو هكذا أجمع الكثيرون في أجوبتهم.
وبديهيا – في خضم هذه الظروف الصعبة – أن تنتعش ظاهرة «دَارتْ» بتزايد عدد الملتجئين إلى هذا النوع من الحلول لتحسين أوضاعهم ولو مؤقتا، كما لا غرابة في انتعاش مؤسسات «السلف» على خلفية العدد الهائل من الأشخاص الذين تصعب عليهم الاستفادة من القروض البنكية ويودون «خلق» وسائل للبيع والشراء، وحرف يدوية وتعاونيات، أو بناء/ترميم بيت أو تجهيزه، أو ما يصطلح عليه ب «البطالة المقنعة» لغاية الصراع من أجل البقاء في مواجهة قساوة العيش ومصاريف الحياة والأسرة، ويمكن لظاهرة «دَارتْ» أن تجر إلى الإشارة لموضوع القروض والسلفات الصغرى التي ترتفع من أسبوع لآخر، مما يدل على حجم «العائشين «بالحلول الترقيعية والأزمات المؤجلة.
وعندما لا تكون «دَارتْ» حلا لجميع المشاكل المالية ومعضلات الفقر، فإنها تبقى حلا مؤقتا ل «الأزمة» فقط، والعديد من المشاركين في هذه الطريقة، يوجهون ما يأخذونه من أموال إلى مظاهر و»كماليات»، أو لغاية تحقيق مكاسب وهمية، وما أكثرهم الذين بذروا حصة جمعية «دَارتْ»، فعجزوا عن الوفاء بردها، والأسباب غالبا ما تكون بفعل إما صرف الأموال في متطلبات أثقل من قدرة الكاهل، أو في العربدة والقمار ورهانات حمقاء وأدوات تجميل وأساور ذهب، ويمكن التعرف على أناس لا يتجاوز راتبهم الشهري ما يكفي لأسبوع واحد فيعمدون إلى المشاركة في جمعية «دَارتْ» دون ضمانات.
ومن جهة أخرى، قد تختلف أهداف المواطن تجاه مبلغ المشاركة في جمعية «دَارتْ»، إذ هناك من يشارك فيها لغاية علاجية أو ترميم مسكن أو تجهيز منزل أو اقتناء «فراش الصالون» أو تسوية «كريدي» أو «مجموع كراء» فتصبح دورة جمعية «دَارتْ» دوامة أسبوعية أو نصف شهرية أو شهرية (حسب الاتفاق)، وكم منهم الذين أضافوا «دَارتْ» إلى قروض أخرى، فانقلبت حياتهم إلى جحيم وكوابيس ومشاكل عائلية.
وجمعية «دَارتْ» كشكل من «اقتصاد اجتماعي غير منظم»، لاتزال الوسيلة الاجتماعية التي تجمع بين التوفير وحل المشاكل الظرفية بالنسبة للطبقات الكادحة أو المتوسطة التي لا يمكنها الاستفادة من القروض التقليدية، ولو أنها في كل الأحوال تعتبر مجرد وسيلة لتأجيل الأزمة إلى أجل آخر عن طريق العيش ب «الكريدي»، ولا تحل المشاكل الأساسية، بل تكتفي أحيانا كثيرة بحلول عابرة وبما يحفظ الكرامة في حدود الدنيا، أي أنها قد تعالج الأعراض لكنها لن تعالج جوهر المشكل طالما هي لأجل «قضاء غرض اليوم وغدا يحن لله» باعتبار «دَارتْ» تشكل فقط الملجأ المتاح للعديد من الناس بغاية «التحايل» على ضعف/ندرة المدخول، واليقين أنه كلما تصاعدت الأسعار أيضا ازدادت كرامة المواطن هبوطا.
وكم من امرأة رغبت في البحث عن «استقلال مالي»، فشاركت مع مجموعة من النساء في جمعية «دَارتْ» دون إذن من زوجها ليتسبب ذلك في عدة مشاكل وحالات طلاق، وهناك رجال إذا لم يتقدموا بأنفسهم للمشاركة دفعوا بزوجاتهم لذلك، وعندما «تتورط» الزوجة، يلجأ الزوج إلى التملص على طريقة النعامة، ورغم ذلك، فإن بعض المتتبعين لألوان الاقتصاد الاجتماعي أكدوا أن جمعية «دَارتْ» ساهمت بشكل ملموس في تطوير حياة الكثير من المغاربة والمغربيات، وساعدتهم اقتصاديا واجتماعيا.
والعديد من المشاركين في العملية لجؤوا إلى «دَارتْ» لعوامل دينية تجعلهم يتفادون القروض البنكية ، إلا أنه ما عسى المواطن أن يفعل أمام صعوبة الحياة المؤثثة بالفوارق الطبقية؟ ثم ألا يقول القول المأثور «إن الفقر يقود إلى الكفر»؟ وربما من زاوية «الدرهم الأبيض ينفع في اليوم الأسود»، انتشرت عملية «دَارْتْ» بين الأوساط الشعبية، ذلك حين أضحى «لكريدي» و«التوفير» و«التويزة» جزءا من ثقافة المجتمع لدى عموم ذوي الدخل المحدود، أمام مرأى من أولئك الذين لا يخجلون من الاغتناء على حساب تفقير فئات شعبية واسعة.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 22/06/2018