استطلاع : أولاد عمران .. مرتع للاستهتار وإقصاء للأرض والإنسان

هل قدر جماعة اولاد عمران أن تعيش في ظل سوء التسيير على مختلف الاصعدة؟ هل قدرها أن ترقد تحت ركام من الاهمال والتهميش؟ هل قدرها أن تتراجع إلى الوراء تنمويا دون حسيب ولا رقيب؟
هذه الاسئلة طرحتها وأنا أعود اليها مرة ثانية قصد إنجاز استطلاع حول أوضاعها.. وجدتها تغيرت كثيرا ولكن الى الوراء.. جماعة شارعها الوحيد عنوان للتردي الفاضح…

 

مايشبه السوق؟

بقدر ما يبكيك حالها بقدر ما يضحك بعض الصباغة الزرقاء والبيضاء التي أخذوا يطلون بها الاحجار الملتصقة بالطوار المليء بالأتربة والقاذورات ولوحة مطبوعة على باب مقر الجماعة الترابية.. قال مرافقي: «إنه الضحك على الذقون..».
كان ذلك اليوم يصادف السوق الاسبوعي اختلط كل شيء دون ترتيب، صحيح ان غالبية الاسواق في البادية لا تختلف وجد متخلفة وعشوائية، غير ان ما رأيته في سوق ولاد عمران يندى له الجبين حقا.. وهو عنوان حقيقي بأن مسؤولي الجماعة الترابية غير مبالين بالبلاد والعباد..
الدواب والبهائم مختلطة بالسلع في مشهد مقرف، واختلط الحابل بالنابل ، ولا يحتاج الامر ان تستمع لشهادات لأن الصور وحدها تعبر عن نفسها.. التعمق في هذا السوق/ المزبلة يزداد سوءا حين تقترب من محل بيع الدجاج والمجزرة.. روائح كريهة تخنق الأنفاس..
باعة دجاج يختلط لديهم الدجاج الحي بالمذبوح وسط وساخة كبيرة وهم مزدحمون فيه كما لو انهم داخل علبة سردين.. لأن الجماعة لم توفر مكانا تتوفر فيه الشروط الصحية، بل الاخطر من ذلك انها لم توفر الماء لهؤلاء .. حين ولجنا هذا المكان وعلم الباعة بأننا صحافيون أخذ كل واحد يصرخ ويندد بالوضع غير الصحي في هذا السوق..
قال أحدهم: «ها أنت ترى كيف نضطر لوضع الدجاج المذبوح على الارض.. في غياب مرافق صحية.. بل لا وجود للماء ونضطر لشراء برميل صغير ب 20 درهما، ونضطر لشراء عدد كبير من البراميل لنتمكن من غسل وترييش الدجاج.. ماذا سيتبقى لنا من الربح؟ ».
وضع بئيس حقا يعيشه هذا السوق.. اما المجزرة فهي «المصيبة» الكبرى، الدماء والروث والروائح الكريهة والحشرات والكلاب.. مصدر حقيقي لكل الأمراض ومرتع لجحافل من الذباب والناموس.. تساءلت، ما دور ذلك الصهريج المطل على السوق إن لم يزود السوق بالماء؟
المياه العادمة تخترق الأزقة

فررنا من السوق بسرعة بعدما تحولت ألبستنا الى أسمال اعتلاها الغبار.. اخترقنا ازقة هذا المركز الصغير وشاهدنا المياه العادمة تشكل جداول سوداء وسط هذه الازقة.. طرحت سؤالا هل بالفعل تتوفر هذه المنطقة على مجلس جماعي يسير شؤونها؟! الا يمر المسؤولون من هذه الأزقة.. وما دور سلطات الوصاية؟.
قال لي العضو الجماعي الوحيد الذي يشكل المعارضة داخل هذا المجلس الاتحادي مصطفى البطاش.. «لا حياة لمن تنادي.. مئات الشكايات، بل وصل الامر الى وكيل الملك ولجن البحث والتحري لكن لا شيء تغير..»
تألمت كثيرا من هول ما يتحمله من هم.. سلمني عشرات الشكايات التي وجهها لمختلف الجهات حول التجاوزات الفادحة التي يرتكبها مسيرو المجلس في «غياب» دور فاعل من السلطات المحلية.. واعترف انني لم استطع تصفح مئات الشكايات التي وجهها هذا الرجل وكذا الجمعية العمرانية.. رتب ذلك في عشرات الملفات هي تشريح حقيقي لحالة هذه الجماعة..تشريح لواقع مرير لمنطقة كان بالإمكان أن ترقى الى مدينة صغيرة متحضرة.. لكن العبث كان هو المسيطر على تدبير شؤونها.
مستوصف بئيس ووضع صحي مترد

في الشارع الوحيد يقبع مستوصف صحي لا يحمل غير الاسم وبعدها لا شيء يذكر، وهو ما تؤكده الشكايات المتعددة للسكان، ومن ضمنها شكايات المجتمع المدني بالمنطقة. وهكذا نجد الجمعية العمرانية قد راسلت المسؤولين محليا واقليميا ووطنيا تنبه الى الوضع الصحي الكارثي الذي تعيشه المنطقة. وهو ما تأكد لنا ونحن نلج باب هذه البناية التي قيل إنها مستوصف.. نساء يحملن أطفالهن في انتظار الذي يأتي ولا يأتي، حتى وان لم يقلن شيئا فالمشهد وحده غني عن اي كلام، في بعض جدران هذا المستوصف علقت بعض الاعلانات والملصقات التي تتغنى بالصحة وبالخدمات المجانية وما الى ذلك من شعارات، والتي تبقى مجرد حبر معلق على الاوراق وبعدها لا اهتمام ولا صحة ولا هم يحزنون..
يقول مرافقي: «كثيرا ما وجهنا الشكايات الى المسؤولين عن الصحة على اختلاف مستوياتهم، فهناك نقص في الاطباء والممرضين.. وهناك معاناة حقيقية امام الاكتظاظ الذي يعرفه المستوصف حيث تفد اليه النساء خاصة يوم السوق الاسبوعي، نبهنا الى ضرورة الاهتمام بدار الولادة واستقبال النساء القادمات من مناطق بعيدة.. كانت أجوبة بعض المسؤولين مضحكة حين يقولون إن لدينا مستوصفا في كل جماعة وان مستشفى بالجديدة ووو.. أجوبة غير مقنعة، لأن الامر يتعلق بمنطقة يجب ان تلقى اهتماما صحيا حقيقيا، وامكانات الناس لا تسمح بالسفر الى الجديدة او اسفي او غيرهما.. مطلبنا مركز صحي متعدد الخدمات ومستشفى للولادة ودار الولادة وموظفون كثر حتى نتجنب حالة الانتظار في المستوصف البئيس ..»
يقول أحد الفاعلين الجمعويين:»إن الخدمات الصحية بالمنطقة تزداد ترديا يوما بعد يوم، ما يسمى المستوصف غير قادر على تلبية حاجيات المواطنين والمواطنات التابعين لجماعة اولاد عمران وجماعه كديه بني دغوغ وجماعه تامده، وامام هذه الوضعية فقد اضحى من اللازم التفكير في توسيع المركز الصحي وتعيين طاقم طبي كاف ،حيث يعاني من نقص كبير في الاطر العاملة من الاطباء والممرضين، الامر الذي ينعكس سلبا على المرضى الزائرين للمستوصف الصحي خصوصا يوم السوق الاسبوعي اربعاء اولاد عمران، بالإضافة الى المشاكل الكثيرة والمتنوعة التي تعاني منها أمهات الاطفال الصغار من الرضع حديثي الولادة القادمات من جميع الدوائر التابعة للجماعات المذكورة..» وأضاف:
«من أهم المشاكل عدم الاستفادة من عمليه التلقيح الضرورية للأطفال الصغار وحديثي الولادة الذين يحتاجون الى رعاية خاصه وليس طول انتظار، كما يعاني السكان من نقص في حصة الأدوية المخصصة في المركز الصحي من حيث الكمية والزيادة في مادة الانسولين، حيث يعاني مرضى السكري الويلات، أما الإسعافات الضرورية الموجهة للمواطنين والمواطنات فغير متوفرة. كل هذه العوامل أدت الى عدم الإستفادة من التدخلات الطبية، وخاصه النساء الحوامل والاطفال نتيجة الاكتظاظ الذي يعرفه مستوصف مركز اولاد عمران مما يتسبب في ضياع حقوق المرضى، اضافه الى إغلاق ابواب دار الولادة التابعةللجماعة، وكذا البعد الجغرافي ما بين المركز الصحي ولاد عمران وبين كل من مدينه سيدي بنور ومدينه الجديدة، والذي يقدر بحوالي 100 كيلومتر تقريبا، وكذلك من مستشفى اسفي والذي يقدر كذلك بحوالي 100 كيلو متر تقريبا ..».
غياب الإحساس بالمسؤولية

ودعنا البناية البئيسة للمستوصف وبداخلها عشرات المرضى في حالة انتظار، لنعود الى الشارع الوحيد المؤثث بالأزبال والقاذورات.. اكتظاظ شديد واختلاط بين العربات المجرورة بالدواب والسيارات الفلاحية والشاحنات.. رجال الدرك واقفون يترقبون مخالفي قوانين السير قبل «القيام بالمتعين» في ظل الفوضى العارمة التي تسود الشارع / الواجهة..
بهذه الجماعة المسؤولون لا يسمحون بالمعارضة، ويواجهون كل من ينبههم الى الاختلالات التي يعرفها التدبير والتسيير، بل وصل الامر بهؤلاء، الرئيس وبعض نوابه ورئيس لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة، لأن يضيقوا على العضو الاتحادي مصطفى البطاش في دورات الجماعة العادية والاستثنائية ، حيث يقول في شكايات وجهها الى عدة جهات كوكيل الملك والديوان الملكي والوزارة الوصية ووالي الجهة والسلطات المحلية والاقليمية..» إنني أتعرض الى مضايقات من طرف المشار اليهم ، نظرا للشكايات التي تقدمت بها الى الجهات المسؤولة حول الاختلالات والخروقات والتجاوزات والتي اطالب فيها بحماية المال العام بهذه الجماعة.. وأن هذا الخوف قد تسبب لي في إعاقة بدنية ناهيك عن تشويه سمعتي وشرفي…»
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل الى تهميش الدائرة التي يمثلها من الاستفادة من أي مشروع انتقاما من الساكنة التي صوتت لصالح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية..
الامر قد يصل الى القضاء خصوصا ان الفرقة الوطنية للأبحاث القضائية التابعة للدرك الملكي قامت ببحث في المنطقة، حيث عاينت جميع المشاكل واطلعت على العديد من الملفات، لكن نتائج هذا البحث لم تظهر بعد.. هذه الفرقة الوطنية حلت بالمنطقة عندما احال عليها الوكيل العام للملك الشكاية التي تقدم بها المستشار الجماعي الاتحادي والتي اشار فيها الى الكثير من الاختلالات في تسيير وتدبير شؤون الجماعة..

طرق مهمشة
ودواوير معزولة

جلنا في العديد من المسالك الطرقية الرابطة بين هذه الدواوير ومركز اولاد عمران إذ وجدنا ان السكان يعانون الكثير خصوصا على مستوى المسالك الطرقية، حيث كثرة الحفر والضيق هو ما يعرقل الكثير من الاشياء ويتسبب في عدة متاعب سواء للسكان المتوجهين الى السوق الاسبوعي او المرضى المتوجهين الى المركز الصحي البئيس او التلاميذ والتلميذات المتوجهين الى الاعدادية بمركز اولاد عمران، حيث معاناتهم تستمر بشكل يومي في غياب اهتمام المسؤولين.
يقول مرافقي: «إن الجهات المسؤولة تتعمد عزل ساكنة هذه الدواوير والا ما معنى كل هذا الاهمال، ألا يفكرون في امرأة حامل، ألا يعرقلون دخول سيارة إسعاف، ألا يأبهون بسيارات الفلاحين وغيرهم ممن تتعرض الى اعطاب نتيجة هذه الحفر العميقة التي تخترق هذه المسالك ، وما ذنب التلميذات والتلاميذ المتوجهين الى الثانوية، والمواطن الذي يرغب في التبضع في السوق الاسبوعي؟».
وقال مواطن آخر صادفناه في طريقنا: «لن أكثر عليك بكاء، نحن مطالبنا بسيطة تتجلى فقط في إصلاح الطريق الرابطة بين طريق 20 الى دوار الشمامة البحاحرة ودوار ولاد الشيخ الى دوار الطبابشة، والطريق الرابطة بين مركز اولاد عمران طريق 20 الى الطريق الرابطة بين و اشبان المكرونات وبعض كيلومترات بالطريق 20 ، الطريق الرابطة بين دوار القدادرة والعمارنة..»
خرجنا من هذه المسالك سالمين وحمدنا الله ان سيارتنا لم تصب بأي عطب باستثناء الغبار الكثيف الذي اعتلاها والطمي الذي علق ببعض أجزائها..
مطالب مشروعة

جماعة اولاد عمران تعاني الويلات في مختلف القطاعات، في البنيات التحتية، من طرق ومدارس وثانويات ودور الشباب والثقافة وكل المجالات التي تؤسس لكرامة المواطنين .. وليس بالضرورة ان نكرر ما سبق وأشرنا إليه في استطلاعات سابقة حيث كلما عدنا الى المنطقة وبدل ان نجد ان هناك تطورا وتقدما لا نجد إلا تراجعا ووضعا اكثر فظاعة مما سبق ولمسناه..وقد نحتاج الى مئات الصفحات من اجل ان نبين الوضع المأساوي الذي تعيشه هذه المنطقة..
لذلك سنورد بإيجاز مطالب السكان ممن التقينا بهم وسمعنا أنينهم حيث يطالبون بفتح مكتب للشيوخ والمقدمين من اجل استقبال المواطنين والمواطنات لقضاء أغراضهم كالوثائق الإدارية المنصوص عليها قانونا، للتخفيف من التماطل الذي يواجهونه يوميا بالمنطقة بحثا في كل حدب وصوب عن المقدم او الشيخ..
يطالبون، أيضا ، بتطبيق قرار جبائي يحدد بموجبه مبلغ الضرائب والرسوم والحقوق والواجبات المستحقة لفائدة ميزانيه جماعه اولاد عمران قرار رقم 1 بتاريخ 5 يناير 2018 واشهاره بالأماكن المخصصة له بالسوق الاسبوعي ، حتى يتعرف المواطنون والمواطنات على واجبات الاستخلاص الأسبوعية بالسوق بمركز ولاد عمران، كما يطالب السكان بالاستفادة من برنامج «تيسير» لجميع ساكنة الجماعات الثلاث : جماعه اولاد عمران، جماعه كديه بني دغوغ، جماعه تامدة، وبفتح تحقيق حول إصلاح المسالك الطرقية التابعة للجماعة.
ولابد من تطبيق كناش التحملات للماء الصالح للشرب في ما يخص تصفيته ومعالجته و الزيادة في الصبيب وكذا مراجعة تسعيرة الماء المرتفعة، لأن الماء ممزوج بالتراب وغير معالج والصهريج لا يخضع الى النظافة بالمركز.
وامام ما يعرفه الدقيق المدعم من تلاعب و عدم استفادة المستحقين، يطالب السكان بتشكيل لجنة محلية تشرف على توزعه بشكل شفاف ونزيه.

من حقنا أن نحلم

إن كان قدر جماعة أولاد عمران وغيرها من الجماعات الترابية في الجبال والقرى، أن تتحمل كل هذا الألم، وهذا التهميش، فإننا نخرج بنفسية مهزوزة ونحن نودعها.. نحرم حتى من ذلك الحلم الجميل الذي نريد ان يكون كنسمة ريح خفيف معطر بأريج الورد والياسمين.. حلم هو حق مشروع أن نرى بعد شهور او سنة، تغيرا ملموسا فيه احترام لكرامة الانسان وحقه في العيش كبقية الآدميين..
أولاد عمران هي عشق أبدي لساكنتها والتي تدرك ان وضعها اليوم لا تستحقه، لأنها تملك كل المؤهلات لتتحول الى قرية او مركز حضري و اعد.. وطبعا لن يتأتى ذلك الا بمسؤولين يؤمنون بمزاوجة المسؤولية بالمحاسبة.


الكاتب : إنجاز: محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 22/11/2018