الإدارة التربوية : صعوبات واكراهات استكمال مسلسل اللامركزية واللاتمركز 2/2

الاختلالات و الاكراهات المعيقة لتطبيق توصيات الميثاق والرؤية الإستراتيجية

انطلاقا من واقع الأكاديميات الحالية وتشخيصا لقدراتها ونشاطها وصعوباتها لوحظ
إن تطبيق اللامركزية على المستوى الجهوي ظل معاقا بالبنيات القائمة التي لم يقع تشخيصها بالكامل , وخاصة تقويم خبرات الفاعلين علاوة على أن القطائع المكرسة بين الفاعلين في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية يجعل التنسيق عملية صعبة تحتاج إلى مخططات طويلة لإنجاح عمل الهيئات الإدارية . كما أن تنافر أجهزة الوزارة وتعددها وانتشارها الكثيف وما يتطلبه ذالك من اطر و مسؤولين ومن تكاليف متزايدة افرز مراكز التأثير والمقاومة ضدا على مبدأ اندماج نظام التربية والتكوين في مجموعة . (–محمد بردوزي – نفس المرجع السابق ص 95).
ورغم تلكؤ القطاعات الحكومية الأخرى في تنسيق الجهود الرامية لترسخ نظام اللامركزية التربوية , فقد قامت الوزارة الوصية باستصدار عدد من النصوص القانونية والمذكرات الوزارية لترسيخ نهج اللامركزية اللاتمركز لكن هذا المجهود التشريعي والتنظيمي لم يواكبه مجهود مواز على مستوى إرساء وتفعيل آليات التدبير الإداري والتربوي, كما لم يوازه أي مجهود تنسيقي بين قطاع التربية والتكوين والقطاعات الحكومية الأخرى. مما افرز بعض مظاهر الاختلال من أهمها :
عدم الملاءمة بين البنيات الإدارية الحالية للوزارة واختصاصاتها الجديدة , فرغم وضع هندسة جديدة للهياكل المركزية انسجاما مع نهج اللامركزية و اللاتمركز فان إرساء هذه الهياكل لم تستحضر كل المهام والوظائف التي يتعين علة المركز القيام بها لمواكبة تجربة الأكاديميات .
التباين الملحوظ بين الهيكلة المحدثة على مستوى مختلف الأكاديميات ومصالحها الإقليمية وانعكاساته السلبية فيما يخص تاطير جميع المجالات المخولة للأكاديميات بل إن العلاقة بين الأكاديميات ومصالحها الإقليمية أدى إلى نوع من الازدواجية في التعامل مع هذه المصالح خصوصا فيما يتعلق بتوزيع وإعادة انتشار الموارد البشرية .
ارتفاع عدد أعضاء المجالس الإدارية للأكاديميات وتباين تمثيليتهم خاصة بالنسبة لممثلي القطاعات الحكومية. حيث إن تعدد وتنوع تركيبة المجالس الإدارية لأكاديميات ساهم في التأثير على التجانس المفترض داخل هذه الأجهزة التقريرية
عدم الانخراط الفعلي لمختلف فعاليات المجالس الإدارية للأكاديميات.خاصة ممثلي الجماعات المحلية الذين يعتبرون طرفا رئيسيا في قضايا التربية والتكوين , ولكن وجودهم لا يعكس دورهم الأساسي بالنهوض بمنظومة التربية والتكوين .وبالنسبة لأعضاء اللجان التقنية الدائمة للأكاديميات فلا يزال عملهم يعرف تعثرات ومردوديتهم غير مقنعة رغم ما لهذه اللجان التقنية من ادوار مهمة لترسيخ نهج اللامركزية وتوطيد تجربة الأكاديميات
تعدد المجالس المحدثة على مستوى المؤسسات التعليمية وتداخل اختصاصاتها وعدم التجانس بين مكوناتها وتأثير هذه الوضعية على التدبير العادي للمؤسسة
محدودية مبادرات الشراكة وعدم تغطيتها لكل المجالات وخاصة من لدن الجماعات المحلية .وان اقتصار ميزانيات الأكاديميات على إعانات الدولة حال دون الرقي إلى مستوى تنمية قدراتها التدبير ية وتحقيق أهداف الإصلاح على الصعيد الجهوي .
هذه الاختلالات وغيرها والتي أمكن رصدها في مجال التسيير والتدبير ترجع في جانب كبير منها إلى عدم الملاءمة بين الإمكانات المادية والمالية والبشرية المرصودة وبين الأهداف والغايات المحددة في الوثيقتين الإصلاحيتين, فضلا عن حداثة تجربة اللامركزية و اللاتمركز التي لم تستثمر المكتسبات التي تم تحقيقها في مجال اللا تركيز, وإضافة إلى ذالك فان أسلوب الإشراك المعتمد في تدبير الشأن التربوي على المستوى الجهوي مازال دون مستوى التطلعات , كما أن مساهمة مختلف الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين لم تمكن بدورها من مواكبة الإصلاحات التي تعرفها المنظومة التربوية ,( استنتاجات صادرة من المنتدى الوطني للإصلاح 2005)
ورغم كل الصعوبات و الاكراهات في استكمال مسلسل اللامركزية و اللاتمركز فإن التوجه مؤسساتيا نحو اللامركزية و اللا تركيز الإداري ضروري لتأصيل ثقافة الإشراك في التسيير والتبليغ وتوسيع دائرتهما إقليميا و جهويا على أن تبقى الصلة قائمة ومستمرة مع الإدارة المركزية في جوانب تتعلق بالسياسة العامة للمسالة التعليمية لأن نظام اللامركزية يكون المسؤول الإداري فيه قريبا من مصدر المشكلات التعليمية في مختلف مظاهرها المادية والمالية والبشرية والاجتماعية والمعرفية.
4- تساؤلات واقتراحات
لقد راكمت الإدارة التربوية مركزيا و جهويا ومحليا مجموعة من المكتسبات والمرتكزات التي يجب تثبيتها وتدعيمها كما أن هناك اكراهات وصعوبات يجب تجاوزها والخروج باقتراحات عملية لتعزيز الجهوية المتقدمة وترسيخ اللامركزية الإدارية لتحفيز كل الفاعلين التربويين والشركاء ودفعهم للمشاركة في صياغة القرارات التربوية. فكيف نسعى إلى ذالك ؟:
1- لابد من تحديد وتوضيح مفهوم ومبادئ اللامركزية و اللاتمركز وذالك من خلال مساءلة الإدارة المركزية : هل اللامركزية هي نظام مندمج يحتفظ فيه المركز بتدبير دواليب النظام التربوي ومكوناته و الإبقاء على مركزة القرارات ، أم أن الأمر يتعلق بنهج لامركزي يتجه نحو إرساء المؤسسة العمومية بإمكانيات ومؤهلات وبنيات مستقلة .
في هذه الحالة يكون المركز موجها للسياسة العامة للقطاع أما التدبير والتسيير فمن مسؤوليات الجهة ومؤسساتها .
إذن لا بد من مراجعة الهيكلة الحالية للمصالح المركزية للوزارة بما يضمن تحقيق الترشيد والتبسيط والمرونة والجودة من خلال اعتماد سياسة القرب ومنح المزيد من الاختصاصات والوسائل إلى المصالح اللامركزية في الأكاديميات والمديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية.
2- مراجعة الهياكل الحالية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ومصالحها الإقليمية لتأهيلها قصد القيام بالمهام الجديدة التي سيتم تفويضها لها تدريجيا .
3- مراجعة و تحيين التشريعات والأنظمة الضرورية لمواكبة دينامية الإصلاح خصوصا على مستوى إرساء وتفعيل آليات التاطير والتدبير الإداري والتربوي , كما أن التصورات المنبثقة من الوثائق الإصلاحية لم تبلور بصفة دقيقة وواضحة على مستوى الهياكل التنظيمية مركزيا و جهويا ومحليا ,
4- وضع إطار تنظيمي خاص لتمكين الأكاديميات من تقديم خدماتها بغية تعزيز مواردها المالية وتنويعها تفعيلا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
5- مراجعة تركيبة المجالس الإدارية للأكاديميات ودوراتها واللجان التقنية المحدثة مع إعادة النظر في منهجيات العمل المتبعة.
6- تحديث و عقلنه وترشيد القدرات التدبير ية للمصالح المركزية و الجهوية و الإقليمية والمحلية .
7- استكمال العمليات المرتبطة بتفويض الاختصاصات في مجال تدبير الموارد البشرية للأكاديميات وكذا تفويت الممتلكات لهذه المؤسسات .
8-وضع برامج للتكوين و إعادة التكوين وجعله أداة تواكب مستجدات الإصلاح. خصوصا وان هناك ضعف في انخراط الفعاليات المكونة لآليات التاطير والتدبير إما بسبب عدم استيعاب آليات الاشتغال أو بسبب عدم معرفة حدود الاختصاصات المخولة لها .(اللجان التقنية – ممثلي الجماعات المحلية – ممثلي النقابات والجمعيات …….)
9- تدعيم أساليب الإشراك والتشارك من خلال :
-العمل على تفعيل ادوار ووظائف اللجان التقنية المحدثة على مستوى مجالس الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بغية جعلها منابر لتقديم الاقتراحات والمبادرات البناءة التي من شانها ترسيخ الصرح التربوي.
– تحصين وتفعيل وتوسيع اختصاصات مجالس المؤسسات التعليمية والعمل على جعلها أداة ناجعة وفعالة لخدمة المؤسسة .
– وضع إستراتيجية متكاملة للتواصل حول السياسة التربوية .
– تدعيم مبادرات الشراكة باعتبارها دعامة أساسية لإصلاح نظام التربية والتكوين مع كل الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين .
– تكليف القطاع الخاص بانجاز بعض الخدمات الاجتماعية والتربوية في إطار تقاسم المصلحة العامة.
– إلزام الأكاديميات بالانفتاح على المحيط الاجتماعي والاقتصادي والشروع في انجاز مشاريع مشتركة أو شراكات مع مؤسسات دولية تخدم التربية والتكوين وخاصة لصالح المؤسسات التربوية في العالم القروي .
وعلى العموم فان نهج اللامركزية و اللا تمركز هو مسار processus قابل للتطوير والتجديد باستمرار.كما أن تدبير المنظومة التربوية يحتاج إلى تبني نهج اللامركزية و اللاتمركز لكون هذا القطاع دو طبيعة اجتماعية يستلزم أن تكون العملية التعليمية مندمجة بقضايا ومشكلات المجتمع اليومية وهذه تحتاج إلى إشراك المجتمع المحلي في إصلاح المنظومة التعليمية , ففي تقرير سابق وضعته لجنة اليونيسكو الدولية الخاصة بالتربية للقرن الواحد والعشرين والذي صدر سنة 1996 بعنوان (التربية ذالك الكنز المكنون) أكد أن غياب المشاركة الفاعلة في جانب المجتمع التربوي كان احد أسباب الفشل في كثير من الخطط التربوية لذالك ينبغي الحرص على توسيع المشاركة على اكبر نطاق لتشمل كل مكونات المجتمع المدرسي والفاعلين والشركاء والآباء وفعاليات المجتمع المدني والجمعيات المختصة والهيئات النقابية والمنظمات غير الحكومية ,,,.. للاستفادة من معارفهم وخبراتهم واقتراحاتهم في عملية التحديث و الإصلاح التربوي لكونهم على تماس مباشر بمشاكل القطاع .
لكن ارساء النموذج التنظيمي اللامركزي (يحتاج الى تأهيل متعدد المستويات للإدارة العمومية كلها , والى اصلاح بنية الدولة ذاتها , الامر الذي يقتضي حربا ثقافية على لذة السلطة , وتغييرا تدريجيا في اساليب القيادة في التنظيمات الادارية وتفعيل اليات المراقبة والمحاسبة حتى تتغير بالفعل صورة الادارة لدى الافراد والجماعات في المجتمع ,

مدير ثانوية بالدشيرة الجهادية


الكاتب : ذ: محمد بادرة

  

بتاريخ : 18/04/2018