الاسر المغربية بين غلاء التعليم الخصوصي واكراهات التعليم العمومي زيادات سنوية في كلفة التدريس والنقل , واستفادة مهولة من مصاريف التأمين

 

شريحة مهمة من الاسر المغربية فضلت تسجيل أبنائها بالتعليم الخصوصي، وأسباب اختيارها للمدرسة الخصوصية مختلفة من اسرة لأسرة ومن اب لآخر إلا انها تعتمد على الوضع المالي المريح لكل هذه الاسر او لأغلبها على الاقل.
وهناك فئة قصدت هذا النوع من المدارس هروبا من المدارس العمومية التي اتضح لها أنها اصبحت تعاني من عدة نقائص اثرث بشكل ملموس على المردودية العامة لها وعلى منتوجها التربوي. مجموعة من هؤلاء في حديثهم مع الجريدة انهم كلهم خريجو المدرسة العمومية ,كل واحد منهم له محطته التي توقف فيها عن الدراسة والتحق بمجال الشغل والبحث عن تكوين الذات وتأسيس عائلة يشرف عليها, اليوم وكانوا جميعهم يمنون النفس بمسار دراسي موفق بنفس الطريقة أو أفضل لأبنائهم وبناتهم انطلاقا من المدرسة العمومية ,الا ان ما وصلت اليه هذه الاخيرة من تدهور في المردودية جعلهم يلجؤون بدون تردد الى المدرسة الخصوصية ,رغم ما تكلفه من أعباء مادية كبيرة.
العديد من المواطنين عبروا للجريدة انه منذ اكثر من عقد من الزمن والمدرسة العمومية في تراجع لعدة عوامل اهمها عدم توفير العدد الكافي من الاطر التربوية والادارية واغلاق مراكز التكوين, الشئ الذي تولد عنه نقص في الموارد البشرية, وبالتالي خصاص يتزايد كل موسم دراسي يزيد من خلاله عدد المتمدرسين,الى ان فاق عددهم السبعة ملايين, في حين ما زالت فيه الوزارة متمسكة بعدد الاطر التربوية التي كانت تدرس خمسة ملايين متمدرس, بل منهم من قضى نحبه ومنهم من احيل على التعاقد ومنهم من انفصل على التعليم عن طريق المغادرة الطوعية وشريحة مهم فظلت التقاعد النسبي وهجر الوظيفة العمومية نهائيا ولو في سن مبكرة ان استوفت الشروط المطلوبة والملزمة لذلك في غياب أي مبادرة . هذه المعضلة التي تفاقمت وتولدت عليها مشاكل جمة اضطرت معها الاكاديميات الجهوية بعد موافقة الوزارة الوصية على نهج وسلك سلوكات غير تربوية لتدبير الشأن التربوي مثل ضم الاقسام حتى اصبحنا نجد عدد التلاميذ في العديد من المدن فاق الخمسين وبمناطق اخرى تعدى الستين, ولم تقف الاجراءات والسلوكات البعيدة كل البعد عن اجواء الدراسة والتلقين بل تعدى ذلك الى حذف بعض المواد من مستويات كمادة الفلسفة والترجمة والقضاء على عملية التفويج بالمواد العلمية ونقص بعض الساعات من مواد مثل الفرنسية الرياضيات .كل هذه السلوكات نهجتها الوزارة السابقة والاكاديميات الجهوية لهدف واحد هو توزيع عدد التلاميذ على ما هو موجود ومتوفر لها من الاطر التربوية حتى وان كان نصيب بعضهم في بعض المناطق الى السبعين تلميذا.
وتساءل بعض الآباء,الذين اختاروا التعليم الخصوصي والذين فضلوا الحديث لجريدة الاتحاد الاشتراكي .كيف يمكن والحالة هذه ان يكون المنتوج التعليمي سليم وفق التطلعات المرتقبة والانتظارات الكبيرة والآمال غير المحدودة, وعلى العكس يعرف تعليمنا انحطاطا كبيرا خول لنا احتلال المراتب المتدنية في التصنيف العالمي وراء وخلف اصغر الدول وأفقرها وفي مناطق وعرة المسالك العالمية, وخلف اصغر الدول وأفقرها . هذا بالإضافة الى البنيات التحتية التي وصلت الى حالة التدهور في العديد من المؤسسات التعليمية العمومية بل منها من لم تخضع لأية اصلاحات منذ بنائها قبل وبعد الاستقلال مباشرة في الستينات من القرن الماضي او اكثر وحتى التي يتم تشييدها مؤخرا, كثيرا ما تجد احد مرافقها معطلا او بدون كهرباء او ماء او بعيدة ولا وسيلة نقل تقربها من الاحياء السكنية وهناك مؤسسات موجودة فقط على الاوراق او التي لم تنته منها الاشغال وهكذا…. يضيف المتحدثون :نحن مسؤولون عن ابنائنا ومن باب تقدير هذه المسؤولية لابد من بحث عن حل لضمان تعليم يتوافق والحياة العامة التي تتطور يوما بعد يوم ومن خلاله نفتح لفلذات اكبادنا افاقا مطمئنة لمستقبل واعد فلم نجد بديلا غير خيار التعليم الخصوصي, نحن مضطرون اذن حتى وان كان لنا موقف من عدة امور بهذا النوع من التعليم.
اذن حسب ما صرحت به هذه المجموعة من الاباء والامهات واولياء الامور, فإن التعليم الخصوصي هو الملاذ الوحيد لهم, لكن هل هذا النوع من التعليم يخلو من مشاكل؟ وهل جل المؤسسات الخصوصية تسيير وفق دفتر التحملات وتوفي بالغرض؟ وهل هي الوصفة الشافية لعلل التعليم العمومي؟
كما هو معلوم ومعروف, فقد غزا التعليم الخصوصي المدن الكبرى والمتوسطة وحتى الصغرى وبعض القرى لكن الدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة واكادير وفاس ومكناس واسفي ,تبقى من ابرز المواقع التي تغلغل بها ,وتعتبر عمالة مقاطعة عين الشق بالدار البيضاء اكبر العمالات التي يسيطر عليها هذا النوع من التعليم حيث لا تتعدى المؤسسات العمومية بالمستويات الثلاثة 45 مؤسسة, في حين تعدى عدد المؤسسات الخصوصية 190 او اكثر.
والواقع ان التعليم الخصوصي في اغلب هذه المدن يكاد بصبح «موضة» او وسيلة للتباهي عند بعض الأسر بل التباهي والتفاخر في اسماء المؤسسات وما تؤديه هذه الاسر وطبعا هذه الظاهرة هي في صالح ارباب هذه المؤسسات.
لنقترب أكثر من التعليم الخصوصي ومعاناة العديد من الاسر المغربية التي فضلت هذا القطاع مرغمة او لاعتبارات اخرى.
إن منظومتنا التعليمية الحالية ومنظومة الامتحانات كانت ورقة رابحة لقطاع التعليم الخاص, فاعتماد المنظومة على نظام الفروض والامتحانات الاشهادية بكل من السادس ابتدائي والثالثة اعدادي والجهوي بالاولى بكالوريا والوطني بالثابنة باكالوريا خدم بشكل كبير مصالح التعليم الخصوصي وبشكل كبير الثانوي الاعدادي وبشكل اكبر الثانوي التاهيلي.
فنظام الفروض يعني المراقبة المستمرة ونحن نعرف أن هذا النظام هو وسيلة الانتقال من مستوى دراسي لاخر باستتناء المستويات التي تختتم بالامتحانات الاشهادية,نجد ان النقط المسلمة من التعليم الخصوصي تكون اكثر سخاء من تلك التي تسلم من طرف اساتذة التعليم العمومي ,حتى وان كانت اغلبية الاساتذة الذين يدرسون بالتعليم الخصوصي هم اصلا الذين يدرسون بالتعليم العمومي, وقد اكدت هذه المسألة النتائج المحصل عليها كنقط الامتحانات الجهوية ,حيث نجد في نهاية الدروس الابتدائية نقط المراقبة تصل الى ما بين 8 و9 على 10 ونقط الامتحان اقل من المعدل ونفس الامر يتكرر في امتحانات الدروس الاعدادية وفي الامتحان الوطني للسنة الثانية بكالوريا, ومن اجل هذا نجد العديد من التلاميذ يلحون على ابائهم للانتقال الى اسماء معينة لمؤسسات تعليمية خصوصية تمنح النقط بسخاء حاتمي, وهذه الشريحة من التلاميذ «تعول» على سخاء اساتذة هذه المؤسسات للرفع من نقط الامتحان وبالتالي الحصول على معدل يضمن لهم الحصول على شهادتهم.
هذا لا يعني أن جل تلاميذ وتلميذات التعليم الخصوصي هم بهذه الصفة,كما أن هذا لا يعني ان جميع المؤسسات الخصوصية تتلاعب بنقط المراقبة المستمرة ,إلا ان مصاعب التعليم الخصوصي لا تنحصر فيما سبق ذكره فاللجوء اليوم الى التعليم الخصوصي لم يعد بالأمر الهين, ولم يعد مباحا لاي كان على الاقل من الناحية المادية واضحت مؤسسات التعليم الخصوصي تضخ ارباحا خيالية في حساباتها البنكية, علما حسب التتبع الشخصي للعديد من المؤسسات الخاصة, ان واجبات التسجيل فقط تتكفل بأغلب مصاريف الموسم الدراسي والتي تكون جد مكلفة وتصعب على ذوي الدخل المتوسط ,فبالاحرى الدخل العادي او الهزيل, هذا بالاضافة الى واجبات التأمين والتي اصبحت اليوم حديث المتتبعين وقد تطرقت لها العديد من صفحات التواصل الاجتماعي منددة بارتفاع تسعيرتها لدى التعليم الخصوصي ومطالبة وزارة التربية الوطنية بفتح تحقيق مدقق في هذا الموضوع. علما ان تأمين التلميذ بالمدرسة العمومية لا يتعدى 10 دراهم فقط ,ومع ذلك هناك اصوات تنادي بفتح تحقيق حول الشركة المتعاقدة مع الوزارة والتي هي في ملكية احد وزراء حكومة العثماني. اذن لماذا تغيب المراقبة والمحاسبة على التأمين المدرسي بالتعليم الخصوصي الذي يجني ارباب هذه المؤسسات من ورائه اموالا طائلة خصوصا وان اغلب المصابين عن طريق الحوادث تتكفل بهم عائلاتهم بعد نقلهم الى مصحات خصوصية. وتؤكد بعض المصادر المقربة من هذا القطاع الخاص, أن هناك مؤسسات لا تؤمن كل العدد المسجل لديها وتكتفي بتأمين ثلث او ربع العدد, متاكدين من ان الحوادث لن تصل ابدا حد عدد المؤمنين, وبالتالي يبقى مدخول استخلاص واجبات التامين كلها ارباحا صافية. ومن بين واجبات التسجيل واجب الإطعام, ففي هذه الحالة لابد من استئجار المكان الذي سيسجلس فيه هذا التلميذ لحظة تناوله وجبته والمحدد في العديد من المؤسسات ب150 درهما شهريا, بالاضافة الى مصاريف النقل الذي تزداد سنة في اغلب المؤسسات بحجة ارتفاع اسعار المحروقات او ارتفاع اجرة السائق والمرافقة له او ببعد المسافة بين المؤسسة والبيت. اما واجب الدراسة الشهري فهو مبالغ فيه في العديد من المؤسسات مع الزيادة خصوصا اذا كانت نتائج الموسم الدراسي السابق مميزة , حيث يوهمون الاسر ان المقاعد محدودة الاقبال كثيرا ويبقى الامر المحير و غير المفهوم والذي سبق وتطرقنا اليه في بداية كل موسم دراسي هو عندما يقصد الاب او الام احدى المؤسسات الخصوصية لاول مرة وتريد تسجيل احد ابنائها بمستوى معين بعد ما كان يدرس اما في مؤسسة خصوصية اخرى او تريد ان تنقله من التعليم العمومي الى التعليم الخصوصي, فلا مناقشة قبل اجراء امتحانات او اختبار او خبرة او تشريح لدماغ الطفل او التلميذ وهو ما يعرف «بالطيست» الا ان هذه العملية هي مؤدى عنها وتتراوح ما بين 200 درهم الى 600درهم وقد يصل عدد التلاميذ الذين سيخضعون لهذه التجربة المكونين للقسم الواحد ,مع الاشارة إلى ان ثمن «الطيست» لايحسب من ضمن واجبات التسجيل ولا ترد لكل من لا يحالفه الحظ في الاختيار, كما ان من اشرف على هذه العملية هو استاذ بهذه المؤسسة ,وقد لا يتقاضى أي سنتيم عن اشرافه لهذه العملية بحجة ام ذلك ضمن عمله العادي الذي يتقاضى عنه اجره شهريا

العودة الى التعليم العمومي من بوابة طلب الادماج

شريحة مهمة من الاسر التي فضلت التعليم الخصوصي على التعليم العمومي, وبعد ان انهكتا التكلفة الباهظة الخاصة بالتعليم الخصوصي قررت العودة الى التعليم العمومي في جميع المستويات, ابتدائي اعدادي تأهيلي وان كانت الوثيرة مرتفعة بالثانوي التأهيلي والإعدادي وفي جميع الشعب, حيث عرفت المديريات الاقليمية عبر التراب الوطني وعلى الخصوص مصلحة التخطيط «ازدحاما» قبل العطلة المدرسية وبعدها مباشرة ,بل عرفت العديد من المديريات كثافة غير متوقعة لطالبي العودة الى التعليم العمومي عن طريق بوابة الإدماج ,مما تسبب لها في عدة مشاكل تنظيمية خاصة بالمديريات التي لم توفر العدد الكافي من الموظفين بهذه المصلحة ,الشئ الذي تسبب في تأخير تسليم رخصة الالتحاق بالمؤسسة المعنية ,مما يتولد عنه احتجاج الامهات والآباء يصل حد أن يفقد بعض الاباء أعصابهم حين يطلب منهم التنقل الى المؤسسة المطلوبة والحصول على موافقة مكتوبة من مديرها .
هذه العملية هي في غاية الصعوبة بل قد تكون تعجيزية ,لان أي مدير هو تابع للمديرية ومصلحة التخطيط هي الادرى ببنية كل مؤسسة, وكم عدد الاقسام بها وكم عدد التلاميذ بكل قسم.
فحتى العودة الى التعليم العمومي لم تعد بالسهولة حتى وان كان هذا حق لكل مواطن.
وتجدر الاشارة الا ان حجة 40 تلميذا في القسم اصبحت العملة المتداولة عند جل المديرين, فإذا طلب احد الاباء مقعدا باي مؤسسة يكون الجواب الوزير حصاد هو الذي امرنا بجعل 40 تلميذا في القسم سير عند الوزير الذي امرنا بذلك نعم الوزير حدد عدد التلاميذ ولم يحدد عدد الاقسام .


الكاتب : محمد تامر

  

بتاريخ : 20/09/2017