الباحث يونس بلفلاح ، أستاذ باحث بجامعة باريس – إست كريتاي «باريس 12» : المغرب لديه إمكانات كبيرة ليصبح اقتصاداً ناشئاً : ارتفع إلى المركز 53 في تصنيف ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي

يونس بلفلاح: أستاذ باحث بجامعة باريس – إست كريتاي «باريس 12» ، مؤسس ومدير ميد فوكيس ، مؤسسة فكرية في باريس متخصصة في الجغرافيا السياسية للبحر الأبيض المتوسط. مستشار في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، وقد نشر كتبًا عن الحكامة والأداء وإدارة المخاطر، وهو أيضًا كاتب عمود وكاتب تحريري في العديد من وسائل الإعلام الفرنسية والعربية والإنجليزية..

 

قيل الكثير اليوم في المغرب حول «نموذج التنمية الجديد» منذ الخطاب الملكي. وتعيين وزير الداخلية السابق وسفير المغرب الحالي في باريس شكيب بن موسى على رأس هذه اللجنة الخاصة لنموذج التنمية الجديد. ما رأيك في هذه المبادرة لإيجاد نموذج جديد لتطوير المغرب، هل عجز النموذج الحالي على أداء دوره؟

يأتي تعيين هذه اللجنة بعد فشل نموذج التنمية في المغرب. تعاني البلاد من معدل بطالة يتجاوز 10٪ يتركز بشكل خاص بين الشباب، والاختلافات الاجتماعية الكبيرة بين العالمين الحضري والريفي وبين مناطق المملكة، ثلاث مناطق فقط تمتلك ثلثي ثروة البلد. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن المغرب من تحسين ترتيبه في مؤشر التنمية البشرية (المركز 123)، الأمر الذي يتطلب إصلاحات في أنظمة التعليم والتعليم والصحة.

تعتبر الإدارة في المغرب عقبة أمام التنمية، وأثار الخطاب الملكي في 14 أكتوبر 2016، في افتتاح البرلمان، صعوبات الإدارة باعتبارها عقبة أمام التنمية. كيف ترى هذا الموقف؟هل تعتقد أن هناك إرادة سياسية لإصلاح الإدارة؟

تلعب الإدارة العامة دورًا مهمًا للغاية في الأداء الاقتصادي، لأنها تساهم في تحسين مناخ الأعمال وجاذبية الاستثمار الأجنبي المباشر وتجسيد الثقة بين الخدمات العامة والمواطن. إن التحدي الكبير الذي يواجه الإدارة المغربية هو مكافحة الفساد، الذي يتطلب قدراً كبيراً من العمل فيما يتعلق بالحكم من أجل تحديد وتوضيح مسؤوليات الدولة كصاحب أسهم ورائد واستراتيجي-صاحب رؤية ومراقب مالي- منظم. وبالمثل، فإن الفصل بين السلطات واستقلالها عنصر أساسي لنجاح آليات الحكم من خلال المساءلة وشفافية المعلومات. يحتل المغرب المرتبة 73 في الترتيب الدولي للشفافية، وهو ما يفسر تأخر الإدارة المغربية. يضاف إلى ذلك الحاجة إلى وضع نظام الجدارة والتحفيز لموظفي الخدمة المدنية والعلاقة مع مشروع الجهوية المتقدمة من أجل زيادة اللامركزية وتقريب الخدمات. علاوة على ذلك، يركز دستور عام 2011 بشكل كبير على الجهاز الإداري ومبادئ الحكم والمساءلة وتقييم برامج الأنشطة.

ألا تجد اليوم أن مشكلة نموذج التنمية مرتبطة بعدم التوافق بين الماكرو اقتصادي والميكرو اقتصاد؟
ألا تعتقد أن جزءًا كبيرًا من السكان غير قادر على الاستفادة من هذه البنية من أجل تطوير أنشطة اقتصادية على المستوى المحلي؟

المغرب له العديد من المزايا. لقد حقق إنجازات اقتصادية مثيرة للاهتمام على مدار العشرين عامًا الماضية من حيث بناء البنية التحتية ومشاريع البنية الأساسية مثل ميناء طنجة، وإنشاء محطة القطار السريع، وتعزيز شبكات الطرق السريعة، والمعدات و تحديث المدن الكبرى مثل: الدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة وأكادير. في هذه المرحلة، نما الناتج المحلي الإجمالي للمغرب من 41.6 مليار دولار في عام 1999 إلى 121.4 مليار دولار في عام 2019.
حققت البلاد دفعة نوعية من حيث جاذبية الاستثمارات الأجنبية، وارتفع المغرب إلى المركز 53 في تصنيف ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي. في هذا السياق، زود المغرب اقتصاده باستراتيجيات قطاعية مثل خطة المغرب الأخضر وخطة ازير، ورؤية 2020 للسياحة … مما عزز قدرته التنافسية. وعلى العكس من ذلك، فإن تأثير هذه الخطط والمشروعات على المواطن لا يزال ضعيفًا، وهذا يتطلب إصلاح قانون العمل والحد الأدنى للأجور، وفرض ضرائب جديدة واستثمار في رأس المال البشري.

للمغرب أيضًا وضعية الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوروبي، هل يستفيد من هذا الوضع على المستوى الاقتصادي؟ بالإضافة إلى اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة الأمريكية ومناطق أخرى؟

لقد طور المغرب علاقات متنوعة وتاريخية مع الاتحاد الأوروبي، والتي تجسدها اتفاقات ثنائية منذ استقلال المملكة..
في عام 2008، حصل المغرب على «وضع متقدم» من الاتحاد الأوروبي، والذي يمثل شراكة اقتصادية في العديد من أنشطة الاتحاد. هذه الشراكة غير مسبوقة أولاً بالنسبة لبلد غير أوروبي يستفيد من العديد من المزايا، باستثناء العضوية الكاملة في المؤسسات الأوروبية.على المستوى السياسي، يصر النظام الأساسي المتقدم على إقامة حوار سياسي واستراتيجي مع المغرب يتطلب إضفاء الطابع الديمقراطي على الحياة السياسية في المغرب وتغيير تشريعاته في مجال حقوق الإنسان والحكم المؤسسات.على المستوى الاقتصادي، تؤكد الحالة المتقدمة على التكامل الاقتصادي وتطوير البنية التحتية ومناخ الأعمال في المغرب. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يسهل التجارة الحرة بين المغرب والاتحاد الأوروبي ونقل الخبرات. وبالمثل، فإن التعاون بين الشريكين يهدف إلى الأمن، ومكافحة الإرهاب والهجرة.تقييم الوضع المتقدم مختلط. يلعب المغرب دورًا مهمًا جدًا للاتحاد الأوروبي في مكافحة الإرهاب وتنظيم تدفقات الهجرة. من الناحية السياسية ، هناك إصلاحات مؤسسية في المغرب تتعلق بالعدالة والحكم، مثل الدستور الجديد لعام 2011 الذي أعطى المزيد من المسؤوليات لرئيس الحكومة. من الناحية الاقتصادية، رغم المستوى العالي من التجارة، كون الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري والمالي الرئيسي للمغرب، فإن الأهداف الاقتصادية بين الطرفين بعيدة عن التحقيق. يجب على المغرب مراجعة مصالحه الاقتصادية في أوروبا ومراعاة التغييرات الإقليمية الجديدة. تتميز آفاق هذه العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي بالعقيدة الجديدة للدبلوماسية المغربية التي تتمحور حول المصالح القديمة للمملكة (فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وممالك الخليج) ومصالح المستقبل (روسيا والصين وأفريقيا). وبالمثل، فإن عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في عام 2017 بعد ثلاثة وثلاثين عامًا من الغياب يحولها إلى بلد يستقبل هجرة من جنوب الصحراء الكبرى، مما يستلزم تطوير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية للاستقبال و دعم المهاجرين عن طريق تسهيل الوصول إلى التعليم، والصحة العامة، والإسكان، وحتى ريادة الأعمال، والتي يمكن أن تسمح للهجرة أن تكون رصيدًا للتنمية المحلية والإقليمية.في الوقت نفسه، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات من حيث سياسته الخارجية، ونموذجه الاقتصادي، وصعود الشعوبية والاستقلال وعواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على التكامل الأوروبي.

ما الذي يفتقده المغرب اليوم ليصبح اقتصادًا ناشئًا في العالم؟ إنه القوة الخامسة بأفريقيا، ما الذي ينقصه ليحتل المقدمة بالقارة؟

في الواقع، يتمتع المغرب بإمكانيات كبيرة ليصبح اقتصادًا ناشئًا ويثبت نجاحه في إفريقيا،أن قدرات المغرب لعبت دورًا رئيسيًا في الاقتصاد الأفريقي. هناك ثلاثة شروط أساسية لتطور الاقتصادي وفقًا للتجارب الدولية: تعزيز المؤسسات والحكم الرشيد، والحفاظ على التماسك الاجتماعي وتوسيع الطبقة الوسطى، وأخيراً تحقيق معدل نمو التي تتجاوز 7 ٪ لمدة 10 سنوات متتالية.

هل يمكنك تقديم أحدث منشوراتك لقرائنا؟

لقد أتيحت لي الفرصة مؤخرًا لنشر كتب عن استراتيجيات التدويل والحكامة في المؤسسات العامة، وأنا بصدد الانتهاء من كتاب عن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والعالم العربي..


الكاتب : مقابلة أجراها في باريس يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 10/02/2020