البحث عن المصابيح للخروج من الأقفاص : قراءة في رواية «أقفاص» لـحسن إمامي

 

أقفاص حسن إمامي مصابيح برؤية تفك إشكالية الزمن الأسود من رؤية روائي، له مايريد.
انتابتني فكرة جميلة، مفادها أن رواية (أقفاص) ل(حسن إمامي) قد تقرأ بأفكار رواية أخرى، ولما لا، خاصة أن صاحبنا له خط منسجم ورؤية للعالم منسجمة وواضحة.
حسن إمامي يكتب عن التحرر، يبحث عن الحرية من زاوية تهمه كثيرا، خط متفائل لحياة أفضل عبر عنها بلغات متعددة، أشار في أقفاص أنه لحسن حظ السارد، أن العهد الجديد متميز، يمكن للأهل زيارته، كما يمكن أن تتحول المتابعة إلى قضية ومحاكمة، اعتراف ضمني بالاعتقال السياسي، تشكل بوادر الحرية، هي إشارات تظهر بصيغ مختلفة، ها هو يعود بمصابيحه ليخفي معالم القهر والتظلم وحياة العبث.
المصابيح كما يقول هي: (أظن أن المصابيح التي نبحث عنها يجب أن تكون لعقولنا كمجتمع مازال يؤمن بمثل هذه الأفكار المظلمة التي يغيب عنها نور العقل والعلم)، في صفحة الغلاف الاخيرة من رواية (صرخة المصابيح•) 2015. قال عنها، صرخة لأنها تكشف عن قفص آخر من أقفاص اعتقال العقل.
وعليه فالاعتقال لاينبغي أن نفهم منه أنه اعتقال مكاني، يهم السجن وإنهاء الحرية وإيقاف التنقل والاستفادة من رفاه حياة طبيعية بكل المواصفات، حياة كما هي متداولة في المواثيق الدولية التي تعني أن كل إنسان ينبغي أن ينعم بالعيش في حياة بعيدة عن الاضطهاد والتظلم والعذاب وما وراء ذلك.
إن الروائي يربط الأقفاص إضافة إلى ذلك، بمنطق العلم والعقل. إن الجهل، في نظره، والتضبيب عن قيم الحياة باسأليب الجهل، هي أقصى أقفال الاعتقال وأدنس حياة الأقفاص.
فالتحرر في نظره ينبغي أن يتم انطلاقا من تحرير العقل والرفع من قيمة العلم لتكون الحياة سليمة حرة طليقة وإلا كان العكس.
بناء عليه يمكننا اعتبار رواية صرخة المصابيح هي حل آخر بصيغة أخرى للخروج من متاهة أقفاص بكل ألوانها. وبالتالي فإن عالم الرواية عند (حسن إمامي) ينبغي أن يُقرأ ككلية عامة، أي لا يمكن عزل رواية عن أخرى، وإلا غابت الرؤيا، ونكون بذلك قد ظلمنا الرجل.
الكتابة الروائية عند حسن إمامي هي خط متماسك وتصور منسجم، كله يصب في المصابيح العامة التي تحرر الانسان من كل أقفاص الجهل و أقفال الظلم، سعيا منه إلى إنتاج حياة سليمة، تبدأ من الورق وتتحول إلى الواقع.
أقفاص بوجوه متنوعة:
أقفاص حسن إمامي وجدلية الذاتي والموضوعي في البحث عن مكامن الدّاء في تجربة أقل ما يقال عنها أنها مُرّة بكل المقاييس.
عنوان هذا الجزء طويل نوعا ما لكنه ضروري، لن نغيب أي مكون منه، نظرا لعمق الإشكالات المعمقة المطروحة في هذه الكتابة. تجربة تخفي أسرار المناضل المغربي الذي مر من ثلاث تجارب مهمة، تجربة الحلقة وحياة (أوطيم) وصراع فصائلها، ومعانقة المرأة بصفتها المرافق المهم، بعطرها، بنضالها، بجنسها وبمساهمتها في حياة انتقالية مهمة في حياة مريرة وصعبة، أولا لقوة النضال، ولاشتغال الممارسة السياسية الصعبة في حصار تام ومتابعة خانقة لمخزن لن يسمح للمناضلين بالخروج من جُبّهم لقوة ما يحملونه من سلاح نضالي حقيقي، ثم تجربة المعتقل بكل همومه و بما يلاحقه من موت بطيء و بأشكال متنوعة، تجربة ترافقها متابعة حية تحييها فعاليات حية تساهم من خارج القفص الاعتقالي لمساعدة المناضل على التحرر ومتابعة مشروعه الحي، ثم التجربة الثالثة، ربما هي الأقوى على أساس أن المناضل يصبح مسؤولا على برنامج سياسي حي وحقيقي، قلت مسؤول لأن المسؤولية تتعدى الذات لتصل إلى مراقبة مجتمعية كبيرة.
ذلك ما جعل السارد يطرح على لسال إحدى شخصياته في الصفحة 84/85، قائلا: (دَخَلَا إلى النقاش الصعب الذي يخط الطريق السيار والمُعبّد للتاريخ، بدآ في تقويم المرحلة والتجربة السياسية الجديدة للكتلة ولليسار.). بمعنى أن المرحلة الجديدة هي قوية وصعبة، قد عبر عنها بشكل مباشر عندما قال: (لماذا ضحينا بحياتنا في كهوف منسية؟)، أو بصورة أخرى عندما قال: (الكل يلومنا على عدم الاستمرار في التضحية والمواقف المحتجة ضد النظام وضد سياسته)، ص 83.
تجربة الحياة في الكتابة عميقة، هي ليست أفكارا عبارة عن سيرة ذاتية، بقدر ماهي تقويمات مرحلة عاشها جيل بكامله بلغة موحدة، وبنظرة متشابهة هدفها الحرية وطرح سؤال حول مفهوم السجن وعدم ربطه بالمعتقل، بل حدد مساعيه في مجالات متنوعة، لذلك سماه أقفاصا ولم يقل قفصا أو تجربة اعتقالا أو ما شابه ذلك.
السجن والمعتقل عند حسن إمامي له مشارب متنوعة وأبواب متعددة، بدأها بالاختلاف وتجاوز لغة الدوغمائية والحلقية المريضة، زاد عليها فكرة التعصب الفكري والحزبي الضيق، بعدها أضاف إشكالية الحصار المخزني الخائف من قوى التحرر، ثم تحول إلى المعتقل كتجربة أخرى تمثل شكلا آخر من أشكال الأقفاص، فتحول إلى القفص الحقيقي هو ما بعد تجربة الاعتقال.
بدأ بحصار العائلة الذي مثلته نادية بمضايقتها لحرية زوجها المناضل الذي يحمل مشروعا مجتمعيا وآخر سياسيا، بعدم قدرتها على مسايرته، فتحول الموضوع إلى طلاق، ثم انتقل إلى السجن الأهم، هو سجن أصعب، حدّ من مشروعه، جاء على صيغة سؤال: لماذا لم يتابع المناضل نشاطه في فضح أساليب النظام وتعرية استبداديته؟ هي كلها أقفاص وسجون ورؤيا الحصار والانكسارية في برامج طموحة هدفها إنساني محض، مشروع ظل الروائي وفيا له في طرحه على طول كتابته، لأنه لم يتوقف هنا في تحديد الأطروحة المهمة في حياته كمبدع، بل سار على خطى كتابات أخرى ليكشف عن أقفاصه و يوضح الدور الذي ينبغي أن يشرق لتتم الحياة، فجاء برواية أخرى سماها (صرخة المصابيح)، ليجعل المصابيح محصورة في النور والعقل ومقاومة الجهل، وعبْرها تنكسر الأقفاص وتنتهي حياة الاستبداد والحصار ولغة القهر المعروفة في حوار المخزن مع الفعاليات الحية في مجتمعنا المنخور.
رواية اقفاص هي كتابة الصرخة والكشف عن المستور بصيغة ذكية. لم تسِرْ على خطى كتابات المعتقل المعروفة ك(كان وأخواتها) لعبد القادر الشاوي أو غيرها من الكتابات. هي رواية إعادة النظر في الذات وطرح السؤال لتحديد الأقفاص الحقيقية، مساهمة منها في البديل القادم بصيغ متعددة الوجوه.
تجربة تحترم لعدة أسباب، على رأسها البساطة في طرح الإشكالات، وبلغة أقفاصها، إضافة أنها جاءت صيغة للتأمل في حياتنا الممتدة من تجارب متنوعة، ابتدأت من الحرم الجامعي، وانتقلت إلى المعتقل ثم أخيرا تصارع المناضل مع عدة قيم بحثا عن قفص حقيقي منه تكسَّر القيود وتظهر الحرية كمطلب موضوعي في وسط أقل ما نقول عنه أنه مستلب وضائع.


الكاتب : الناقد سعيد فرحاوي

  

بتاريخ : 21/09/2017