البرد الشديد والثلوج.. صراع من أجل البقاء في مرتفعات الجبال

 

تسببت موجة البرد التي تعرفها بلادنا في معاناة آلاف السكان خلف المسالك الوعرة على امتداد جغرافية إقليم ميدلت، سيما المتواجدة منها على ارتفاع ما بين 1400 و2070 مترا عن سطح البحر. يتحدث السكان الذين التقتهم «الاتحاد الاشتراكي» عن بشاعة العزلة بمناطق أغبالو، بومية، تقاجوين، إيتزر، تونفيت، أنمزي، سيدي يحيى أوسعد، أكديم، سيدي يحيى أويوسف، آيت سعدلي، آيت مرزوك، تمالوت، أغدو، أنفكو، تيرغيست، تغدوين، آيت بوعربي، إمتشيمن، إملشيل، وغيرها من المداشر التي ليس سهلا الوصول إليها أو الخروج منها، رغم محاولات بعض السكان للتزود بحاجياتهم المعيشية والغذائية الضرورية والفحم وحطب التدفئة، في حين تتسبب الوضعية في فتح الباب لشبح الموت الذي يأخذ في التجول بين الحوامل والرضع.
وبتونفيت وضواحيها، لا حديث بين الساكنة سوى عن غياب أية مقاربة تنموية تساعد على فك العزلة، حيث ترتفع نداءات عموم الفاعلين الجمعويين بخصوص معاناة القرى التابعة لجماعات تونفيت وأكوديم وأنمزي، مثلا بسبب كثافة الثلوج وانقطاع الكهرباء والطرق وشبكة الاتصال ونفاذ المواد الغذائية، وعلف المواشي، علما أن مستوى الثلوج يصل إلى المترين.
وبإيتزر، ما تزال المباني المهترئة بـ»القصر» على حالتها الهشة، منذ أن انهارت بسبب الأمطار والثلوج وبقيت النداءات المتكررة للمجتمع المدني والحقوقي والإعلامي مستمرة منذ عام 2005، وهي تطالب بإعادة إعمار هذا الحي المنكوب، حتى أن الوضع خلق إجماعا لدى الرأي العام بتحميل المسؤولية الكاملة للمتاجرين في مآسي المنكوبين.
وبآيت حنيني، تظل الأجواء الباردة وأشباح الثلوج تنسج طوقا مشددا حول العديد من الدواوير، رغم استغاثة السكان بالمسؤولين على الصعيدين الإقليمي والوطني، إذ يظل السكان في انتظار أي مسؤول يمكنه الوقوف عن كثب على حياة المنطقة التي تئن تحت وطأة انعدام شروط الحياة، وغياب أبسط ضروريات العيش.
أما بومية، فتعيش بدورها في قلب الأجواء الباردة، ومن الأعراف والتقاليد هنا أن السكان يستعدون لاستقبال فصل البرد بتوفير ميزانية مهمة لاقتناء حطب التدفئة في ما يشبه «استعدادات عسكرية لحرب محتملة»، ولم يعد غريبا أن يلجأ العديد من المواطنين للاشتغال مثلا في ضيعات التفاح لتوفير بعض المال من أجل اقتناء حطب التدفئة.
وقد أكد أحد المتتبعين لـ «الاتحاد الاشتراكي» مصادفته لمواطنين يشترون كيلوغرامات من الحطب يوميا على خلفية عدم قدرتهم على شراء الكثير منه بسبب غلاء هذه المادة التي ارتفع ثمنها عكس باقي الأوقات العادية، مع ضرورة الإشارة إلى عشرات المواشي التي نفقت العام الماضي، بسبب التساقطات الثلجية وعدم استطاعتها مقاومة موجة البرد القارس، حيث لم يجد أصحابها ولا رعاتها أي حل من الوسائل المتاحة لإنقاذها من النفوق والتجمد تحت أكوام الثلوج.
ويجمع المتتبعون من نشطاء العمل الجمعوي على أن غالبية الأسر بالإقليم لا تستطيع توفير حتى حطب التدفئة أو حتى إمكانية شرائه، وغالبا ما يتم توقيف كل من يتم العثور بحوزته على قطع من الحطب اليابس، ويتم تخييره ما بين أداء الغرامة أو الحبس بدعوى محاربة المخالفات الغابوية، في حين لا يخفى على أي مراقب ما تقوم به المافيات والمضاربين والمهربين الذين يعيثون في أشجار وأرز الغابة فسادا، ويستغلون حاجة البؤساء إلى الحطب فيعمدون إلى رفع سعره، إذ بقدر ما يشتد «انخفاض الحرارة» يعرف ثمن الحطب المزيد من «الارتفاع».
ويتساءل الفاعلون الجمعويون عن مآل ما سمي ب «مشروع التنمية القروية التشاركي للأطلس المتوسط الأوسط» الذي يهدف، في توجهاته، إلى تقليص الفوارق الجهوية وتحسين دخل الساكنة القروية المحيطة بالغابات، والأوضاع الاقتصادية للمرأة القروية، والبنيات التحتية والسوسيو اقتصادية.
ويشدد هؤلاء الجمعويون على أن العزلة وبرودة الطقس، فضلا عن هزالة الخدمات الأساسية وضعف البنيات التحتية، كلها عوامل تساهم في معاناة المرأة القروية، وخاصة النساء الحوامل اللواتي ينتظرن من ينتشلهن من آلام المخاض والوضع، مما يضع التحدي المغربي لـ «تقليص نسب وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة» على المحك. ذلك أن ما تشهده المنطقة، يقول هؤلاء الفاعلون، يثبت العكس، وليس أدل على ذلك حين من استمرار فقدان عدد من الحوامل لأجنتهن، بسبب تعذر نقلهن إلى المستشفى، أو مفارقتهن الحياة جراء انعدام وسائل النقل وغياب المرافق الصحية وبعدها عن المناطق المعزولة، وكم تكبر الصدمة أمام مشهد نساء حوامل محمَّلات على أكتاف السكان عبر الثلوج والوديان والمنحدرات الخطيرة.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 18/01/2019