البرلمان يصادق على تنظيم مهنة الطب الشرعي

عرفت أروقة مجلس النواب نشاطا تشريعيا كثيفا، مساء أول أمس الأربعاء، بعقده لجلستين تشريعيتين أشرف عليهما رئيس مجلس النواب حبيب المالكي، حيث تمت المصادقة بالإجماع على مقترح قانون وخمسة مشاريع قوانين همت تقنين مجال الطب الشرعي ومدونة المحاكم المالية والتقييم البيئي وترسيخ الحدود الإقليمية البحرية للمملكة، وإعلان منطقة اقتصادية بحرية بعمق 200 ميل بحري في الشواطئ المغربية.
وهكذا صادق المجلس، خلال الجلسة التشريعية الأولى، على مقترح قانون يرمي إلى تغيير وتتميم المادة 202 من القانون رقم 31.08 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.03 بتاريخ 14 من ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011) القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
وينصب هذا المقترح على تعديل المادة 202 من القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، وذلك عن طريق إسناد الاختصاص النوعي في المنازعات الاستهلاكية بين المورد والمستهلك حصريا إلى المحكمة الابتدائية لموطن أومحل إقامة المستهلك، أو إلى محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب للضرر باختيار من الأخير.
كما صادق المجلس على قانون يتعلق بتنظيم ممارسة مهام الطب الشرعي، الذي يتوخى توحيد ممارسة مهام الطب الشرعي بالمغرب، والرفع من مستوى العاملين بهذا المجال، بغية تشجيع الإقبال على هذا التخصص بالجامعات المغربية، من خلال استقطاب الأطباء الداخليين وتحفيزهم ماديا ومعنويا للولوج إليه، وتحسين ظروف تكوينهم وتوفير آفاق مهنية محفزة لهم. وقدم المشروع، باسم الحكومة، وزير العدل محمد بنعبد القادر، والذي اعتبر المشروع مهما ويسد الخصاص التشريعي في المجال الحيوي والمهم، وأكد الوزير أن تنظيم مجال الطب الشرعي يدخل في إطار إصلاح شامل لمنظومة العدالة المغربية، وأن الطب الشرعي يلعب دورا علميا كبيرا في فك طلاسم الجرائم الخطيرة خاصة القتل والتسميم والاعتداء الجنسي، وأفاد بأن المشروع يسير وفق المعايير الدولية ولأول مرة، حيث لم يخضع قطاع الطب الشرعي بالمغرب لأي إطار تشريعي قانوني، وكشف أن من مميزات القانون الجديد إقرار استقلالية الطبيب الشرعي وحمايته قانونيا أثناء ممارسة مهامه، وكذلك إلزامه بكتمان السر المهني والتحلي بالصدق والتجرد والحيادية، كما أشار أيضا إلى مراجعة أتعاب الأطباء الشرعيين والرفع منها نظر لحساسية الأعباء التي يتحملونها كمساعدين للمنظومة القضائية.
وتدخلت النائبة الاشتراكية أمينة الطالبي باسم فرق الأغلبية لمناقشة مشروع القانون رقم: 77.17 المتعلق بتنظيم ممارسة مهنة الطب الشرعي، حيث أكدت أنه يأتي بعد فراغ تشريعي وتنظيمي داخل المملكة، إذ أن ممارسة مهنة الطب الشرعي كانت مجرد نشاط مهني قائم بذاته دون خضوعه لأي إطار تشريعي أو تنظيمي خاص به، كما أن الجزء الأكبر من التشريحات الطبية التي كان يُؤمر بها من طرف القضاء كان يمارسها أطباء غير متخصصين أو غير معترف لهم بأي تخصص في هذا المجال، بل ينتمون إلى أطباء القطاع العام، ناهيك عن أن عددهم لا يتجاوز إلى اليوم 13 طبيبا شرعيا، لذلك جاء هذا المشروع لسد هذا الفراغ ولوضع الإطار القانوني ومواكبة الترسانة القانونية والحقوقية لتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وتطوير آليات العدالة الجنائية، وهو من المهن المساعدة للقضاء، الذي يحظى بأهمية بالغة. وكشفت أمينة الطالبي أن  المشروع جاء تلبية لمطالب توصيات هيئات الإنصاف والمصالحة بعد الصعوبات التي صادفتها في تحديد هوية المختفين، والمتوفين، والمقابر الجماعية، وكذلك تلبية لمطالب المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إخراج إطار تشريعي، وانسجاما مع المواثيق الدولية ذات الصلة بالموضوع في مقدمتها دليل الأمم المتحدة للتقصي والتوثيق الفعالين في الجرائم المتعلقة بالتعذيب أو غير ذلك من دروب المعاملة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة وكذا التشريعات والتجارب المقارنة.
وشددت الطالبي على أن الظرفية الراهنة التي تناقش فيها مشاريع قوانين كهذه، باعتبارها لحظة دستورية حاسمة، ترسم الخطوط العريضة لمواصلة البناء الديمقراطي والمؤسساتي والحقوقي ببلادنا، والذي يحثنا جميعا على بذل المزيد من المجهودات لإرجاع ثقة المواطنات والمواطنين المغاربة في عمل المؤسسات القضائية. وقالت إن الأغلبية الحكومية تعتبر أن الطب الشرعي يبقى من بين أهم الوسائل العلمية والتقنية التي من شأنها أن تساهم في إجلاء الحقيقة وكشف ملابسات الجرائم وجمع الأدلة المتعلقة بها بغية تقديم مرتكبيها إلى المحاكمة، وبالتالي استرجاع حقوق المتضررين، وبذلك نستطيع أن نرفع من ثقة المواطن في محاكمنا وقضائنا. وحيت، باسم الأغلبية، الوزير على النفس التشاركي في صياغة هذا المشروع وتجويده بإشراك جميع المعنيين به، وكذا استجابته لمجموعة من التعديلات التي تقدم بها النواب البرلمانيون في لجنة العدل والتشريع، معارضة وأغلبية، وصولا  إلى لحظة التصويت عليه بالإجماع داخل اللجنة. ويسعى القانون، حسب النائبة، إلى تحديد الجهات الطبية المخول لها ممارسة هذه المهام عن طريق تحديد المقصود بالطبيب الشرعي وتحديد اختصاصاته وحقوقه وواجباته. كما حدد أيضا كيفيات انتداب الطبيب الشرعي والجهة المنتدبة له، بالإضافة إلى تنظيم العلاقة بين هذه الأطراف، وتحديد معايير إنجاز تقارير التشريح الطبي وفقا لما هو متعارف عليه دوليا، كما خول مشروع هذا القانون للأطباء المتخصصين في الطب الشرعي استثناء التسجيل المباشر بجداول الخبراء القضائيين بمحاكم الاستئناف بغية توفير الأطر البشرية المؤهلة والمتخصصة لتكون في خدمة العدالة. وشددت على  إحداث وحدات للطب الشرعي بالمستشفيات الجامعية والجهوية والإقليمية يمارس بها الأطباء مختلف مهام الطب الشرعي.
كما وضع مشروع هذا القانون مقتضيات قانونية كفيلة بإعطاء مصداقية أكبر للشواهد والخبرات الطبية التي تعرض على القضاء في إطار النزاعات التي يبت فيها، مما سيساهم في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة. وجاء في المشروع أيضا تحديده للحالات التي يتعين على السلطة القضائية المختصة الأمر بإجراء تشريح طبي بخصوصها، وهي الوفاة الناتجة عن الاعتداء الجسدي أو الجنسي، الوفاة الناتجة عن التسمم، والوفاة التي تقع في أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية أو الاحتفاظ أوالاعتقال أو بمؤسسات تنفيذ العقوبة، أو التدابير الوقائية أو مراكز الإيداع، والوفاة الناتجة عن الشك في حالات التعذيب، وكذا الوفاة الناتجة عن الانتحار أو عند الشك فيه. وفي إطار تنظيم هذه المهنة، نص المشروع على أنه يمنع ممارسة الطب الشرعي أومزاولة أحد مهامه المحددة في هذا القانون دون أن يكون مخولا له ذلك، ويعتبر منتحلا لصفة ينظمها القانون، بل يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي، وهو ما يعتبر حماية لفئة الأطباء الشرعيين من أي تطاول على اختصاصهم.
لهذا كله، ختمت بالقول، “نركز على جودة التكوين الذي سيتلقاه العاملون بالمكاتب الجماعية لحفظ الصحة وبالمرافق الصحية لقطاع وزارة الصحة، إذ لا يجب أن يقتصر تكوينهم على ما هو نظري، بل يجب أن يتعداه ليصل إلى التطبيق العملي بالمستشفيات والمراكز الخاصة بهذا الغرض، حتى نتفادى الأخطاء في تقديم التقارير والخبرات، وبالتالي ضمان حقوق المتقاضين وعائلات الضحايا.”


الكاتب : مكتب الرباط: محمد الطالبي

  

بتاريخ : 24/01/2020