التخييم بالمغرب‮ ‬1918‮- ‬2018‮ .. ‬مئة سنة من التأطير التربوي‮ ‬والثقافي‮ ‬للناشئة والشباب

تضطلع المخيمات الصيفية،‮ ‬باعتبارها فضاءات تربوية منظمة،‮ ‬بدور هام في‮ ‬التأطير التربوي‮ ‬والثقافي‮ ‬للناشئة والشباب،‮ ‬فهي‮ ‬وسيلة فعالة من حيث مساهمتها في‮ ‬صقل شخصية المستفيدين من خدماتها،وتدريبهم على تحمل المسؤولية وترسيخ قيم التطوع والمبادرة والتعاون،‮ ‬وإكسابهم مهارات متعددة على أسس تربوية وبيداغوجية مدروسة‮.‬
وتعتبر تجربة التخييم بالمغرب قديمة داخل النسيج الاجتماعي‮ ‬الوطني،‮ ‬حيث اتخذت في‮ ‬البداية أشكالا مختلفة من خلال خرجات النزاهة والاحتفال بالمناسبات الربيعية والصيفية لفائدة الحرفيين وتلاميذ الكتاتيب القرآنية والمدراس العمومية والحرة‮. ‬ثم تطورت لتظهر تجارب تأطيرية وتنشيطية وترفيهية على شكل مخيمات منظمة شاطئية أوجبلية لفترات زمنية مختلفة،‮ ‬كان أولها في‮ ‬سنة‮ ‬1918‮ ‬بتنظيم من اتحاد نساء فرنسا تحت إشراف زوجة المقيم العام للحماية الفرنسية ليوطي،‮ ‬ليتواصل تطور القطاع عبر مراحل حتى اليوم‮.‬
ومنذ ذلك الحين،‮ ‬شكل مجال التخييم بالمغرب الذي‮ ‬يحتفل هذه السنة بالذكرى المئوية لنشأته،‮ ‬محط اهتمام عمومي‮ ‬بتحسين مردوديته وتجويد خدماته،‮ ‬وتطويره على مستوى التنظيم والتدبير والتغطية المجالية والجهوية‮.‬
وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬يقول السيد عبد الرحمان أجباري‮ ‬رئيس مصلحة المخيمات بوزارة الشباب والرياضة،‮ ‬في‮ ‬حديث لوكالة المغرب العربي‮ ‬للأنباء،‮ ‬إن برنامج التخييم في‮ ‬المغرب اليوم،‮ ‬أصبح‮ ‬ينبني‮ ‬على التدبير التشاركي‮ ‬بين الوزارة الوصية حاملة المشروع،‮ ‬وباقي‮ ‬الشركاء في‮ ‬القطاعات العمومية بمشاركة نسيج جمعوي‮ ‬مهم‮.‬
وتفعيلا للمقاربة التشاركية مع النسيج الجمعوي‮ ‬الذي‮ ‬يشهد اليوم توسعا ملحوظا،‮ ‬أوضح السيد أجباري‮ ‬أن الوزارة حاولت أن تتمحور حول مخاطب رسمي‮ ‬وحيد وهو الجامعة الوطنية للمخيمات باعتبارها هيئة جمعوية‮ ‬،‮ ‬انطلقت في‮ ‬البداية في‮ ‬إطار لجنة‮ (‬1983‮)‬،‮ ‬ثم هيئة وطنية للتخييم‮ (‬2005‮)‬،‮ ‬ثم جامعة وطنية للتخييم‮ (‬2011‮)‬،‮ ‬وذلك بهدف تنظيم القطاع،‮ ‬وتحفيز الحركة الجمعوية المرتبطة بمجال الطفولة والعمل التربوي‮ ‬على الصعيدين الإقليمي‮ ‬والجهوي‮.‬
وبلغة الأرقام،‮ ‬فإن أكثرمن‮ ‬85‮ ‬هيئة ما بين الجمعيات الوطنية والجهوية تؤطر على الصعيد الوطني‮ – ‬حسب المسؤول‮ – ‬عبر ما‮ ‬يناهز‮ ‬2230‮ ‬فرع تربوي‮ ‬يقوم بالحركة التنشيطية داخل الأقاليم والقرى والمداشر‮ . ‬هذا فضلا عن المؤسسات الاجتماعية الأخرى،‮ ‬كمراكز حماية الطفولة،‮ ‬ومؤسسات الأعمال الاجتماعية لبعض القطاعات التي‮ ‬لها شراكة مع الوزارة وغيرها‮ .‬
وبخصوص التدبير الجهوي‮ ‬لبرنامج التخييم،‮ ‬يقول السيد أجباري،‮ ‬أنه لأول مرة،‮ ‬و تماشيا مع توجهات الدولة التي‮ ‬تراهن على الجهوية،‮ ‬باعتبارها رافعة للتنمية والأدوار التشاركية على مستوى المجتمع المدني‮ ‬والجماعة الترابية،‮ ‬راهنت الوزارة هذه السنة على أن‮ ‬يكون تدبير ملف الجمعيات المحلية جهويا،‮ ‬عبر إحداث لجان جهوية تعمل على استقبال هذه الملفات على الصعيد الوطني‮(‬أزيد من‮ ‬360‮ ‬ملفا‮ )‬،‮ ‬وذلك تفعيلا لخدمة القرب في‮ ‬مواكبة الجمعيات‮.‬
وحول الإكراهات التي‮ ‬تواجهها عملية التدبير الجهوي‮ ‬على مستوى تحديد مخصصات الجمعيات وتوطين المقاعد الخاصة بها بمراكز التخييم،‮ ‬يقول رئيس مصلحة المخيمات،‮ “‬إن العملية تتم وفق معايير محددة وشفافة‮ ‬،‮ ‬لكن هذه التجربة ستعرف إكراها‮ ‬،‮ ‬لأن عملية التأسيس للجهوية على مستوى تدبير التخييم بالمغرب كشكل راق،‮ ‬سيحتاج بالتأكيد إلى وقت‮”.‬
وفيما‮ ‬يخص التتبع التربوي‮ ‬داخل فضاءات التخييم،‮ ‬والحكامة على مستوى البرامج،‮ ‬أوضح المسؤول أن هناك فريقا رسميا مكونا من أطر محترفة تتولى هذه المهمة مع تسجيل تميز جديد هذه السنة‮ ‬يتمثل من جهة،‮ ‬في‮ ‬وجود ميثاق المخيم الذي‮ ‬يعد بمثابة مرجع في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬بالإضافة إلى دفترالتعاقد التربوي‮ ‬الموقع مؤخرا بين كل من الوزارة الوصية والجامعة الوطنية للتخييم وممثلي‮ ‬الجمعيات المستفيدة؛ والذي‮ ‬يتضمن تعهدات الوزارة على مستوى الخدمات والفضاءات والتأطير المركزي،‮ ‬والتزامات الجمعيات فيما‮ ‬يخص التدبير البيداغوجي‮ ‬والمشروع التنشيطي‮ ‬وغيرها من التدابير الرامية إلى تهييئ الظروف اللازمة للأطفال واليافعين لقضاء عطلتهم التربوية في‮ ‬ظروف ملائمة‮.‬
وحول إشكال تدني‮ ‬مستوى تكوين الأطر والبرامج التربوية في‮ ‬بعض المخيمات،‮ ‬يرى السيد أجباري‮ ‬أن ذلك راجع إلى انعكاس المجتمع والمدرسة،‮ ‬بحيث لا‮ ‬يمكن‮ – ‬برأيه‮ – ‬فصل التخييم عما‮ ‬يعتري‮ ‬المدرسة والاسرة،‮ ‬وما‮ ‬يعتري‮ ‬مؤسسات التنشئة الاجتماعية،‮ ‬داعيا في‮ ‬مثل هذه الحالات إلى دعم هذه الأطر التي‮ ‬تشتغل في‮ ‬مجال تطوعي،‮ ‬بالتكوين والتأهيل في‮ ‬أفق تجويد مستواها من أجل عطاء أفضل،‮ ‬وتوسيع دائرة الأطر المواطنة المهتمة بالميدان التربوي‮ .‬
ويكمن جديد هذه السنة على مستوى الخدمات،‮ ‬في‮ ‬رهان الوزارة الوصية على تجديد نظام التغذية،‮ ‬باعتماد نظام المتعهد في‮ ‬جميع فضاءات التخييم،‮ ‬والذي‮ “‬لن‮ ‬يخلو طبعا من صعوبات‮” ‬،‮ ‬كما‮ ‬يقول السيد أجباري،‮ ‬لكنها تبقى،‮ ‬وفق رأيه،‮ “‬تجربة‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نؤسس لها‮ ‬،‮ ‬لأن عملية تدبير التغذية في‮ ‬المخيمات كانت تستهلك ما بين‮ ‬50‮ ‬إلى‮ ‬70‮ ‬في‮ ‬المائة من التدبير،‮ ‬واليوم نراهن على أن نوفر هذا الجهد والوقت لصالح التنشيط والتأطير التربوي‮” .‬
كما أشار إلى عمل الوزارة هذه السنة على توفير خدمة التأمين لفائدة أطفال المخيمات من خلال توفير تغطية صحية شاملة بما فيها المصحات عن قرب والتعويض على الأسنان والنظارات‮.‬
والى جانب دورها التربوي،‮ ‬تساهم المخيمات الصيفية بشكل كبير في‮ ‬تنشيط السياحة الداخلية،‮ ‬وخلق رواج اقتصادي‮ ‬واجتماعي‮ ‬بتوفير فرص شغل مرتبطة بأنشطتها‮ .‬
وفي‮ ‬هذا الصدد‮ ‬يقول السيد أجباري‮ ” ‬إن رصد حوالي‮ ‬7‮ ‬مليار سنتيم للتغذية من شأنه خلق حركية اقتصادية واجتماعية وتشغيل اليد العاملة‮”‬،‮ ‬مشيرا إلى أنه مثلا في‮ ‬منطقة الأطلس السنة الماضية،‮ ‬تم خلق ما‮ ‬يزيد عن‮ ‬40‮ ‬ألف‮ ‬يوم عمل،‮ ‬وأنه في‮ ‬ظرف‮ ‬72‮ ‬ساعة‮ ‬يتحرك‮ – ‬في‮ ‬بعض الأحيان‮- ‬أكثر من‮ ‬50‮ ‬ألف طفل عبر الحافلات والقطارات و”هذا عمل ليس من السهل تدبيره‮” ‬يقول المسؤول‮ .‬
من جانبه،‮ ‬اعتبر رئيس الجامعة الوطنية للتخييم السيد محمد القرطيطي‮ ‬في‮ ‬تصريح لوكالة المغرب العربي‮ ‬للأنباء،‮ ‬أن الحركة الجمعوية المغربية خرجت من رحم المقاومة‮ ‬،‮ ‬وشكلت درعا للمحافظة على الهوية والوجود الى درجة انها استطاعت أن تؤسس لها مدرسة للتنشيط والتأطير والتكوين،‮ ‬رغم كل أنواع الحصار والضغط،‮ ‬وجعلت من المخيمات جسرا رابطا بين الاجيال والثقافات ومشتلا لتعلم انماط الحوار والدفاع عن القيم والمبادئ خاصة التطوع والمواطنة‮.‬
وتابع أن مسار التخييم بالمغرب عرف تطورات وتراكمات‮ ‬غنية وايجابية تميزت بالنضج الفكري‮ ‬والتربوي‮ ‬والجمعوي‮ ‬،‮ ‬كانت لها انعكاسات في‮ ‬البناء المؤسساتي‮ ‬الجمعوي‮ ‬بالمغرب‮ ‬،‮ ‬ما‮ ‬يجعل”التجربة المغربية متفردة عن بقية دول العالم من حيث الاستفادة و التأطير والتغطية المجالية‮”.‬
وأضاف أن هذه السنة عرفت‮ “‬برمجة ما‮ ‬يقارب‮ ‬2254‮ ‬مكونا تربويا،‮ ‬وهو رقم استثنائي‮ ‬،‮ ‬وتمت تهيئة طاقة استفادة قد تصل الى ربع مليون مستفيد موزعة على مجالات الاطفال‮ ( ‬مخيمات قارة او حضرية‮ ) ‬وجامعات لليافعين والشباب ومسلسل التكوين وفعاليات نهاية الاسبوع وبرامج دعم القدرات والكفاءات‮ ‬،‮ ‬على مساحة زمنية‮ ‬غير مسبوقة،‮ ‬منها‮ ‬60‮ ‬يوما خلال الصيف و29‮ ‬يوما داخل عطل الخريف والشتاء والربيع،‮ ‬وحوالي‮ ‬150‮ ‬يوما موزعة على الجمعيات طيلة العام،‮ ‬وهذا برنامج في‮ ‬حد ذاته ثورة جمعوية‮ ‬غنية بالدلالات‮”.‬
وحول الآفاق المستقبلية لتطوير قطاع التخييم بالمغرب‮ ‬،‮ ‬يرى السيد القرطيطي‮ ‬أن الجامعة بمعية الوزارة وجميع الشركاء والجمعيات‮ “‬يسعون جميعهم جاهدين للوصول الى المغرب العميق‮ ‬،‮ ‬وإلى اطفال الهوامش والقرى والى كل الأطفال كانوا معاقين او أسوياء‮” ‬مشيرا إلى أن المرافعات اليوم تتجه نحو توسيع مجال الشراكات في‮ ‬هذا القطاع باعتباره مدخلا اساسيا لاستثمار وتدبير الزمان والقضاء أو الحد من العنف والظواهر المسيئة للمجتمع‮ ‬،‮ ‬عبر برامج التخييم للوصول الى تنشئة اجتماعية سليمة‮.‬
وخلص الى أن هناك طموحا جمعويا جماعيا لرفع عدد الأطفال المخيمين من‮ ‬150‮ ‬الف الى‮ ‬200‮ ‬الف على المدى القريب،‮ ‬منها‮ ‬50‮ ‬في‮ ‬المائة موجهة نحو العالم القروي‮ ‬وهوامش المدن‮ ‬،‮ ‬والى الرفع مان طقة الفضاءات لتوسيع خريطة الجامعات الى‮ ‬50‮ ‬الف مستفيد طيلة العام توازيها التكوين‮ ‬،‮ ‬وإيجاد مركب سوسيو تربوي‮ ‬متعدد الخدمات بكل جهة ترابية‮.‬

البرنامج الوطني‮ ‬ينطلق

تم،‮ ‬يوم الثلاثاء‮ ‬الماضي‮ ‬بمكناس،‮ ‬إعطاء ا نطلاقة البرنامج الوطني‮ ‬للتخييم صيف‮ ‬2018،‮ ‬تحت شعار‮ “‬المخيم الصيفي‮ .. ‬فضاء للتربية على المواطنة والسلوك المدني‮”.‬
ويتزامن إطلاق هذا البرنامج،‮ ‬المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس،‮ ‬مع الذكرى المائوية للمخيمات في‮ ‬المملكة،‮ ‬ويهم،‮ ‬حسب معطيات نشرت بالمناسبة،‮ ‬حوالي‮ ‬250‮ ‬ألف مستفيد على الصعيد الوطني‮.‬
وستشمل هذه الدورة الصيفية،‮ ‬التي‮ ‬تتضمن خمس مراحل تمتد من‮ ‬2‮ ‬يوليوز الجاري‮ ‬إلى‮ ‬25‮ ‬غشت المقبل،‮ ‬مخيمات صيفية للأطفال،‮ ‬وجامعات شبابية،‮ ‬وإقامات لغوية وإبداعية،‮ ‬و عدة أنشطة وتظاهرات أخرى‮.‬
وتم،‮ ‬بهذه المناسبة،‮ ‬جمع العشرات من الأطفال المستفيدين في‮ ‬محطة القطار مكناس كنقطة انطلاق للالتحاق بمختلف مراكز الاصطياف التابعة لمصلحة الشباب والرياضة بالأطلس المتوسط،‮ ‬والتي‮ ‬تعرف بطاقتها الاستيعابية الكبيرة‮.‬
وقال مدير الشباب والأطفال وشؤون المرأة بوزارة الشباب،‮ ‬عثمان‮ ‬غاير،‮ ‬في‮ ‬تصريح صحفي،‮ ‬إن برنامج صيف‮ ‬2018‮ ‬من‮ “‬العطلة للجميع‮” ‬يتميز باتخاذ عدة تدابير جديدة تهدف،‮ ‬على الخصوص،‮ ‬إلى تحسين ظروف الاستقبال والتغذية وضمان أمن الأطفال المستفيدين‮.‬
وأضاف أن هذه الدورة،‮ ‬التي‮ ‬تتزامن مع الاحتفال بالذكرى المائوية لهذا النشاط في‮ ‬المغرب،‮ ‬تتميز،‮ ‬على الخصوص،‮ ‬بتوسيع طاقة الاستقبال بمراكز الاصطياف وتحسين ظروف الاستقبال وجودة التغذية‮.‬
من جانبه،‮ ‬أشار حسن صابر،‮ ‬رئيس قسم الرياضة والشباب بالمديرية الإقليمية للشباب والرياضة بمكناس،‮ ‬في‮ ‬تصريح لوكالة المغرب العربي‮ ‬للأنباء،‮ ‬إلى أ ن جهة فاس-مكناس تتوفر وحدها على نسبة‮ ‬25‮ ‬في‮ ‬المائة من العرض الوطني،‮ ‬وتضم‮ ‬16‮ ‬مركزا للاستقبال،‮ ‬مضيفا أنه تم بذل جهود كبيرة لتنظيم هذه العملية بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية‮.‬
ويهدف هذا البرنامج،‮ ‬الذي‮ ‬أطلقته وزارة الشباب والرياضة بشراكة مع الاتحاد الوطني‮ ‬للمخيمات الصيفية،‮ ‬إلى تمكين الأطفال والشباب من الاستفادة من الأنشطة الجماعية ذات الطابع التعليمي‮ ‬والثقافي‮ ‬والفني،‮ ‬وترسيخ قيمة التعايش داخل المجتمع،‮ ‬على أساس المشاركة والمسؤولية،‮ ‬وكذا بناء روابط مع شباب آخرين،‮ ‬واكتشاف مناطق أخرى من بلدانهم‮.‬


بتاريخ : 07/07/2018