«التريبورتور» .. «مركبات الخطر» تجوب شوارع الدار البيضاء

«التريبورتور». .هناك من يصفها ب”المركبات القاتلة”. انتشرت هذه الدراجة الثلاثية الدفع منذ سنوات بشكل لافت في مختلف مدن المغرب ، وسيلة نقل استجابت لشريحة عريضة من فئات المجتمع ، وتمكنت من فرض نفسها في زمن قياسي…

استهتار بالقوانين
الساعة التاسعة والنصف صباحا، تعلو الجو «ضبابة» خفيفة مصحوبة بتلوث، دواب تجر العربات بتثاقل، أمام إحدى الطاحونات، يقف طابور طويل من دراجات «التريبورتور» فما أن يظهر شخص قادم حتى تبدأ مناداته من كل جانب، الكل يحاول إقناعه بالركوب والسؤال عن وجهته المقصودة «فين غاديا أختي؟ لهراويين ولا فران الحلوة».
المنافسة شرسة بين أصحاب «التريبورتور، تتعالى الاصوات وسط الزحام، فلا يكاد يعبر المار من المكان الا بعد طول انتظار.
يقول يوسف يعمل في ورشة بناء «التريبورتور خطر حقيقي لا محالة، بالأمس كنت مع صديقي في المقهى، فإذا بي ألمح أحد سائقي هذه الدراجة يقود بسرعة جنونية وكأنه يفر من شيء ما، حتى كاد أن ينقلب» .
بائع متجول يتتبع أحد سائقي التريبورتور بنظرة غضب، مر بسرعة مفرطة حتى كاد أن يصدمه يقول” المشكلة ليست في هذه الدراجة، بل في بعض سائقيها المتهورين، لا يميزون بين إشارات المرور كأنهم يعيشون في الغابة” . هذه الدراجة باتت تشكل خطرا على السائقين والراكبين والراجلين، الكل في خطر لأنها قد تنقلب في أية لحظة وفي أي مكان، قد يدوس صاحبها على المارة ثم يلوذ بالفرار ، تتكرر الحوادث وترتفع حصيلة القتلى والجرحى، هنا سنشير الى الحادثة التي شهدتها مدينة طنجة سنة 2017 على إثر اصطدام دراجة ثلاثية العجلات بجدار، مما أدى الى وفاة طفل وإصابة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، بسبب السرعة المفرطة التي كان يقود بها السائق.

فوضى وعشوائية
ما أن تلج حي مولاي رشيد بالدار البيضاء، حتى يتراءى لك اصحاب التريبورتور من بعيد ،بين من يحمل الاشخاص ومن يحمل البضائع، حركة دؤوبة داخل الحي وضجيج اصحاب هذه الدراجات يعلو المكان.
استخدامات التريبورتور متعددة وعلى طول السنة، فقد تجده في مباريات كرة القدم يحمل المشجعين للملاعب، يأخذ الناس للمحطة الطرقية ولزيارة المقابر، وتارة اخرى يحمل الاكباش مع اقتراب عيد الاضحى، إضافة للمناسبات التي تقام في فصل الصيف كالاعراس. وأصبح ينقل الناس لأماكن عديدة، سعره المنخفض هو ما شجع الناس على الاقبال عليه، حيث يتم الاتفاق على مبلغ معين بين الراكب والسائق يتراوح من ثلاثة الى خمسة دراهم حسب المسافة، يستغل أزمة النقل أو عند الاضرابات التي يقوم بها سائقو الحافلات وسيارات الأجرة….
على حاشية الطريق تقف امرأة تحمل حقيبة كبيرة وكيسا بلاستيكيا تقول «أفضل هذه الدراجة الثلاثية على سيارة الاجرة” وعن سر اختيارها هذا توضح» اولا لثمنها المناسب، وثانيا لأن سائق الطاكسي سيرفض حمل أغراضي الثقيلة، ثم إن هذه الدراجة تأخذني لأماكن يرفض الاخرون الذهاب اليها، فقد سهلت علينا الأمر وباتت حلا لأزمة المواصلات.
تصعد المرأة في انتظار زبون آخر، حتى وصل العدد لخمسة اشخاص، فينطلق بسرعة بعد ان اطلق موسيقى شعبية صاخبة يصدح صداها في المكان .
أصحاب سيارات الأجرة عبروا عن استيائهم من انتشارهذه الدراجات، ياسين صاحب سيارة أجرة يقول غاضبا” دائما ما نكون عرضة لمشاحنات واصطدامات مع أصحاب هذه الدراجة، فنشاطهم الزائد قد قلص من أرباحنا ولا ننسى أصحاب سيارات النقل الصغيرة “هوندا “هم أيضا من الفئة المتضررة ،فمع انتشار التريبورتر تم تقليص ثمن نقل السلع بحوالي النصف، مما يجعل الزبون يستغني عنها باعتبارها ذات سعر مرتفع.

مصدر خطر أم مصدر رزق؟
اختلفت الآراء وتعددت حول تصنيف «التريبورتور»، هل هو وسيلة لكسب الرزق أم أداة للخطر، وفي هذا الصدد يقول أيوب «قبل ان يكون وسيلة للرزق او العكس، فقد تم تسويق دراجات من هذا النوع لتحصيل الارباح» ان هذه الدراجة باتت تشكل خطرا فهي سبب المشاكل الطرقية خصوصا في الأماكن الضيقة.
وفي المقابل نجد أن هذه الدراجة باتت مورد رزق لمجموعة من الشباب ومصدر قوت يومي لهم، يقول عصام”»انا حاصل على الإجازة في القانون وبعد فشلي في الالتحاق بالوظيفة، لم أجد سوى هذه الدراجة مصدرا لرزقي الحالي«، نعم مصدر قوت يومي، لكن الحالة الميكانيكية للتريبورتور سيئة، فالعجلات لا تحدث توازنا اثناء السياقة بسرعة مفرطة.”يضيف سعيد”»لا للفوضى نعم للنظام، والجميع له الحق في العيش الكريم، فمادامت هذه الدراجة في يد بعض المتهورين فهي حتما مصدرا للخطر وليست مصدرا للرزق».
واقع الحال

في ظل الفوضى التي يتسبب فيها بعض سائقي الدراجة الثلاثية العجلات، أصبح من المستعجل إعمال القانون من قبل السلطات المعنية بدءا بترقيم الدراجات والتأمين، ثم الادلاء برخصة السياقة. تقول فاطمة «أنا مع القانون تفاديا للمخاطر».
لم تكن الإجراءات التي اتخذتها وزارة التجهيز والنقل كفيلة بتنظيم القطاع بشكل كامل، فلاتزال هذه الدراجة تخرق القانون، حيث يمتهن البعض النقل السري للاشخاص بدل نقل البضائع، كما لاتزال تسود العشوائية في السياقة والدراجات لا تتوفر على لوحة ترقيم. تقول زهرة«كيف يعقل أن يسمح لمركبات الخطر هذه بأن تجوب شوارعنا، يقودها متهورون وبسياقة عشوائية»، مضيفة «في أغلب الاوقات اشاهدهم يصدمون السيارات ويفرون دون احترام لإشارات المرور».
في غياب البديل
على الرغم من أن «التريبورتور» أضحى من الوسائل الخطيرة، و أغلب الناس عبروا عن رفضهم لها، لكن ظروف الحياة القاسية من بطالة وفقر، تبقى اسبابا قاهرة دفعت شريحة عريضة من المجتمع لاقتناء هذه الدراجة، وقد ساهمت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في توفير هذه الدراجات لأسر محدودة الدخل، بهدف محاربة شبح البطالة، مما أدى إلى تزايد عدد ممتهني هذا “النشاط” في غياب البديل.
إنهم شباب معطل، دفعتهم ظروفهم الإجتماعية للبحث عن مورد رزق فلم يجدوا غير «التريبورتور» حلا ينقذهم من ضيق الحال، ومن ثم يبقى ضروريا العمل على تنظيم المجال، بعيدا عن أية عشوائية ، علما بأن هناك العديد من أصحاب هذه الدراجات الذين لاعلاقة لهم بالتهور في السياقة أو خرق القانون وتجدهم يكتفون بحمل السلع رغم الفقر الذي يطوقهم من كل جانب .
«صحافية متدربة»


الكاتب : ماجدة نجاح

  

بتاريخ : 08/10/2018

أخبار مرتبطة

يعد بعضها شكلا من أشكال الإساءة للملكين العمومي والخاص وللذوق العام   ليس هناك من أحد منا لم يسبق وأن

ونحن نستعد لتوديع شهر الصيام واستقبال عيد الفطر، كان من المفيد أن نقف لقراءة الوضع الرمضاني في الجديدة، وأن نستحضر

على الرغم من أن شهر رمضان قد يوحي بتراجع الجاذبية بالنسبة إلى الأجانب والسياح الوافدين، إلا أن العديد من الزوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *