التعليم.. مشكلة حقيقية بالوسط الرياضي المغربي

يطرح التعليم مشكلة حقيقية بالوسط الرياضي المغربي، حيث من الناذر أن تجد رياضيين أتموا دراستهم الجامعية، لاعتبارات متعددة يختبئ وراءها من عجزوا عن متابعة دراستهم، في الوقت الذي استطاع فيه آخرون التوفيق بين الرياضة والدراسة.
ومع الكم الهائل من الممارسين للرياضة بمختلف التخصصات، فإن من حصلوا على شهادات جامعية يشكلون قلة.
قد تكون الظروف الاجتماعية سببا في ذلك، لكن مسؤولية الرياضي تبقى قائمة، إلى جانب ظروف الممارسة داخل الأندية المغربية التي لا توفر ظروف مناسبة للتعليم، حيث أن ذلك لا يدخل ضمن اهتماماتها، خاصة بعد فشل مراكز التكوين، إن وجدت، في تسطير برامج تضمن التوفيق بين الدراسة والرياضة.
هي حالة مغربية مثيرة، يجد فيها الرياضي المغربي نفسه في موقف الحرج، خاصة في حالة احترافه بأحد الدول الأجنبية، حيث يجد نفسه يعيش حالة غربة حقيقية تتطلب منه الكثير من الوقت للاندماج، على الأقل، على مستوى اللغة.
وتبقى الظاهرة متواجدة حتى مع تحسن الوضع الاجتماعي للرياضي ومع ما جناه من أموال طيلة ممارسته بالميادين.

 

الدكتور مصطفى بهليوي (لاعب سابق بفريق الرجاء البيضاوي)
اضطرت لإبعاد ابني عن ممارسة كرة القدم

التوفيق بين الرياضة والدراسة سؤال له مكانة وقيمة، دراسة الطب واللعب بفريق كبير كالرجاء البيضاوي يتطلب جهدا كبيرا وانضباطا واستمرارية في التداريب وفي التواصل، وبالفعل فقد كانت هناك تضحية كبيرة فيم ا يخص الوقت الذي كان مقسما بين التداريب والالتزام رفقة فريق الرجاء البيضاوي، ثم الوقت الآخر والأهم الخاص بالتحصيل الدراسي في كلية الطب بالدار البيضاء، حرمنا من العديد من الأشياء بخلاف جميع الناس. تحرم أيضا من الجلوس مع العائلة التي تزورها مناسباتيا لضيق الوقت، فالتداريب مبرمجة ستة على سبعة أيام، إلى جانب الدراسة والتحصيل. فالمتابعة بكلية الطب تتطلب المتابعة مساء والحضور للتداريب بالمستشفى صباحا.
المستويات المحدودة لمجموعة من الرياضيين، سؤال يبقي مهما، لأنه يطرح إشكالية التوفيق مابين الدراسة وممارسة الرياضة. وأود أن أشير هنا كرسالة للمسؤولين، أننا نضيع مجموعة من الأبطال بمختلف الرياضات، حيث يجبر الآباء عن إبعاد أبنائهم وبناتهم عن الرياضة كي يتابعوا دراستهم لضمان المستقبل. هناك بعض الأطفال الذين يكون لديهم بصيص من الأمل بغية تحقيقه الطموحات ليصطدم في النهاية بتضييع دراسته ومن الممكن ضياع حتى الجانب الرياضي. هي الكارثة التي نتمنى من المسؤولين الوعي بها من خلال التفكير في برمجة أوقات التعليم مع توفير الوقت وترك المجال للممارسين الرياضيين والمواهب وفتح المجال لها لتفجير الطاقات وتحقيق الطموحات على غرار الدول الأوربية الكبرى والأمريكية التي تساهم في صنع أبطال الألعاب الأولمبية وبطولات العالم. هؤلاء الأبطال كلهم من خريجي الجامعات والمعاهد الكبرى ولديهم مستويات عالية من الثقافة، بخلاف الممارسين الرياضيين الذين ليست لهم مستويات عالية الذين لا يستطيعون السير إلى الأمام. لذا وجب على المسؤولين تدارك الأمر. ولا أخفيكم على أنني شخصيا اضطرت لإبعاد ابني الذي كان يلعب بنادي الرجاء البيضاوي لتجاوزه السنة السادسة العلوم الرياضية، فلا يمكن أن يستجيب للفريق الذي يفرض التداريب صباح مساء. كان عليه أن يختار بين الكرة والدراسة.
هناك ايضا مسؤولية الأندية في هذا الجانب. فالرياضي لا يمكنه متابعته دراسته وممارسة الرياضة، لذا وجب على المسؤولين عن الأندية الرياضية، برمجة الدراسة من الساعة الثامنة صباحا لغاية الثالثة بعد الظهر، كيف يتسنى لكل من يهوى الرياضة الممارسة بشكل عادي وايجابي.

ثريا أعراب ( لاعبة ومدربة
سابقة في الكرة الطائرة)
الرياضي المثقف يشكل خطورة على الأندية

أنتمي لأسرة محافظة لا علاقة لها بالرياضة وليس لها اهتمام بهذا الجانب، بدأت مشواري وأنا طفلة صغيرة كممارسة لرياضة الجمباز سنة 1968 وكنت من المتألقات آنذاك، ودون علم والدي الذي كان يشتغل باستمرار خارج الدار البيضاء باستثناء والدتي التي لم أخفي عنها أي شيء. كنت محظوظة من خلال طموحاتي واستمراري لممارسة الرياضة إلى أن أصبحت لاعبة للكرة الطائرة بعد ما تم اختياري في إحدى الدورات التكوينية بالمنظر الجميل بالرباط وبمركز الرياضات بالدار البيضاء، علما أن هناك ممارسات كنّ معي خلال سنوات ولم يحالفهن الحظ بعد أن تخلين عن الرياضة لظروف وأسباب مختلفة. كنت أنظم وقتي واحترم البرنامج التي كنت أسطره وذلك بالتداريب مباشرة كل مساء بعد نهاية حصتي الدراسية إلى أن نلت شهادة الباكالوريا سنة 1976، حينها احتفل بي أهل الحي بابن اجدية، وكان الجيران أغلبهم من الفرنسيين واليهود، وكذا من عائلات ميسورة، ومثقفة، ومنهم من ساعدوني في إتمام ممارسة الرياضة، كما كانت أيضا المفاجأة الكبرى من طرف والدي، الذي وافق بشكل رسمي على متابعتي المشوار الرياضي. ومع تنظيم الوقت واحترام التداريب ووقت الدراسة تمكنت من الحصول على الإجازة في الاقتصاد.
ضحيت بالسنة الأولى جامعية بعدما كنت من بين المشاركات في البطولة الإفريقية بالقاهرة، ولم أضمن النقط المؤهلة للسنة الثانية حتى الدورة الثانية بعد عودتي من أرض الكنانة.
وحول المستوى الثقافي لمجموعة من الرياضيين الذين انحصر مستواهم الدراسي في السنة الرابعة ثانوي، أو مستوى الباكالوريا، هناك خلل في المنظومة، حيث أصبحت المدة الزمنية للتداريب الرياضية طويلة بخلاف زمننا نحن، بحيث ينتهي الرياضي من حصته الدراسية في آخر النهار، ويصل لبيته متعب ومرهق، المشكل يكمن في ظل غياب سياسة “رياضة ودراسة” من طرف المسؤولين، لابد من إعادة النظر في المنظومة. الأندية تتحمل المسؤولية في هذا الجانب. الرياضي المثقف، يشكل خطورة، من خلال النقاش والمطالبة بحقوقه وواجباته، على الأندية أن تتحمل المسؤولية في هذا الجانب، حيث يتعرض العديد من الرياضيين لضغوطات من طرف مسؤولي الأندية، الذين يقولون لهم بالحرف،”إما الرياضة وإما الدراسة، ولا يهمنا أي شيء آخر”.
الأندية الوطنية لا توفير الوقت للممارس في إتمام دراسته، حيث أصبح الرياضي يبحث عن النجومية فقط مع ربح أجرة شهرية ومنح ناسيا جانب التكوين الدراسي ولو بالاستفادة من الدروس التقوية الليلة، ولو دراسة لغة أجنبية قد تنفعه في التواصل إذا ما عانق الاحتراف، المشكل في مسؤولي الأندية حيث يقضلون أن يبقى الرياضي محدود الثقافة حتى لا يناقش العقد الذي بينه وبين النادي كلاعب متميز.

الدكتورة أسماء الظهار (بطلة دولية وإفريقية في الصامبو والجيدو والمصارعة)
مع الاعتزال يصبح الرياضي معرضا للبطالة

أن توفق بين الرياضة والدراسة، ليس سهلا، وقد كنت محظوظة، كون أنني أنتمي لعائلة رياضية، بداية من والدي كان يشجعني ويدعمني، رغم أنني كنت أتابع دراستي الجامعية بكلية الطب التي تتطلب الحضور باستمرار والمثابرة، الدراسة بالكلية في نصف اليوم الثاني، والتداريب طيلة الصباح بالمستشفى، كنت حريصة على متابعة الحصص التدريبية الرياضية، وأيضا بتواجد النادي الذي أمارس فيه رياضة فنون الحرب كالجيدو والمصارعة والصامبو بالقرب من منزلنا بشارع محمد الخامس، ويبقى هذا العامل من العوامل التي ساعدتني في نجاح مشواري الرياضي، أيضا زوجي الذي مارس هو الآخر المصارعة والصامبو، الذي قدم لي دعما كبيرا، وكان دائما متواجدا بجانبي في كل المناسبات والاستحقاقات.
ورغم هذه الايجابيات، كانت هناك صعوبات وعراقيل، لكن بالطموحات والاستمرارية والتضحية، تمكنت من التغلب علي كل المثبطات.
هناك مجموعة من الممارسين والممارسات للرياضة لم يتمكنوا من متابعة دراستهم، كونهم لم يستطيعوا أن يوفقوا بين الرياضة والدراسة لأسباب، وقد يحققوا مبتغاهم في الجانب الرياضي من خلال إبرازهم في العديد من الرياضات، لكن مع مرور السنتين، ومع الاعتزال يصبح هذا البطل أو اللاعب معرضا للبطالة، وهناك حالات عديدة عاينتها، من خلال إصابة بعض الأسماء الوازنة.
هناك من ساعدتهم الظروف وتابعوا دراستهم وحققوا طموحاتهم في مشوارهم الرياضي والعملي، ولديهم حضور وازن في المجتمع المدني بمختلف المراكز سواء الخصوصية أو العمومية، لذا وجب على المسؤولين أن يفرضوا الرياضة والدراسة كي يضمن الممارس الرياضي ببلدنا مستقبله، وأن تكون شراكة مابين وزارة الشباب والرياضة ووزارة التعليم مع إعادة النظر في البرمجة لكل الممدرسين.
أؤكد على ضرورة تواجد شراكة يبن وزارة الشباب والرياضة والاندية ووزارة التعليم مع وضع برمجة وتوفير أساتذة بمختلف المواد، كي يتسنى لكل ممارس الاستفادة ومتابعة دراسته، لضمان مستقبله كما هو موجود ببعض الدول الاوربية.
في ظل غياب مستوى دراسي محترم، عانى مجموعة من الرياضيين الذين عانقوا الاحتراف، خصوصا بأوربا، من التواصل مع الغير، وفي الحديث مع الصحافة ومن خلال التصريحات.

سالم المحمودي (لاعب اسابق بفريق الوداد ومحلل رياضي)
مساءلة الأندية سؤال جد مهم

التوفيق بين الرياضة والدراسة تأتي في البداية من الرغبة الى جانب الوسط العائلي. شخصيا لم أتمم دراستي العليا والجامعية، لكن كيف ما كان الحال، حاولت أن أوفق بين الدراسة والرياضة، لأنني عشنت حالات لبعض اللاعبين الذين بروزا رياضيا بشكل لافت، لكن في نهاية المشوار، وجدوا انفسهم في وضعية اجتماعية جد سيئة، وهي أمثلة كانت بمثابة إشارات قوية لكل ممارس بعدم التخلي عن الدراسة، لكن الطموحات كانت كبيرة بعدم الانقطاع عن الدراسة. قد يجد الرياضي نفسه جد مرتاح اثناء لقاء تلفزيوني، كما يحس بالفخر أيضا، خصوصا أثناء تحليل مباراة حين تأخذ الفكرة من الشق العلمي وتبلورها بلغة الرياضة لتصل للمتلقي ببساطة، وبفهم جيد.
أن لا يتجاوز المستوى الدراسي لبعض الرياضيين السنة الرابعة ثانوي أو بالاكثر مستوى الباكالوريا، ظاهرة موجودة، لكنها تطال حتى بعض الدول الاوربية، كفرنسا مثلا، حين أتيحت لي الفرصة بزيارتها، وجدت الفريق بثلاثة لاعبين فقط ممن حصلوا على شهادة الباكالوريا، وهناك ثمانون في المئة من المنتخب الفرنسي لا يتوفرون على مستوى دراسي محترم. ولاعبون لم يسبق لهم ان ولجوا المدرسة، لكن الاندماج مع المجتمع يجعلك تتمكن من معرفة اشياء عديدة، منها الدراية بالعقد الذي يوقعه مع النادي، الى جانب التواصل.
مساءلة الأندية اعتقد أنه سؤال جد مهم،، لان اللاعب يعتبر موظفا عند النادي، وعلى النادي القيام بساعات دراسية نظرية قبل الحصة التدريبية، أربعة ساعات أو خمسة في الأسبوع، لدراسة التواصل، اللغات، الاعلاميات، وقتها تتم الاستفادة للاعب، وتنموا الذاكرة ليصبح حاضرا بلغته وبأفكار نيرة ومؤهلات، وبذلك يصبح اللاعب فردا صالحا للفريق وللمجتمع، قادر على التحول لمهن اخرى، كالتدريب والتحليل الرياضي ومجال التسيير.
هناك أيضا اللاعبين الذين عانقوا الاحتراف بأوربا والذين يفتقدون اللغة والمستوى الدراسي الجيد ، وهذه إعاقة جعلت اغلب اللاعبين غير ناجحين في مشوارهم، لأنه في غياب اللغة تفقد التواصل، وفي غياب التواصل تبقى منعزلا وخارج التغطية، وتلك أمور يستوجب على النادي التفكير فيها، لان اللاعب منتوج، ويستوجب معرفة تسويقه مع الاستفادة منه. واذا ما كان اللاعب مؤهلا من الجانب الثقافي والرياضي فتبقى عروضه مغرية، عكس لاعب دون مستوى ثقافي محترم.

 


الكاتب : اعداد بنهاشم عبد المجيد

  

بتاريخ : 18/11/2017

أخبار مرتبطة

كشف مرصد العمل الحكومي عن فشل الحكومة في محاربة الفساد والاحتكار، وعدم العمل على الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية على

  تحت شعار «بالعلم والمعرفة نبني الوطن»، تم زوال يوم الاثنين 22 أبريل 2024 ، افتتاح أشغال المؤتمر 21  ل»اتحاد المعلمين

يعود ملف ممتلكات الدارالبيضاء ليطفو من جديد على سطح الأحداث، خاصة وأن المدينة تتهيأ لاستقبال حدثين مهمين على المستوى القاري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *