الجزائر .. عندما تتضامن الأغلبية الرئاسية في مجلس الأمة مع زميل «فاسد»

بات الفساد، وهو عملة رائجة في الجزائر، أحد المطالب الأكثر شرعية من لدن حوالي أربعين من أعضاء مجلس الأمة الجزائري، الذين قاطعوا يوم الاثنين الماضي الجلسة الافتتاحية للمجلس، تعبيرا عن مساندة زميل لهم يواجه اتهامات بالارتشاء أسالت الكثير من مداد الصحف المحلية في الآونة الأخيرة.
وهكذا انتفض أعضاء مجلس الأمة من الأغلبية المشكلة من التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني والثلث الرئاسي، مساندين زميلهم مليك بوجهر من تيبازة (شمال) واحتجوا على اعتقاله في 18 غشت الماضي، على الرغم من أن هذا الأخير وجد في «حالة تلبس» بحيازة 500 مليون سنتيم سلمت إليه كرشوة من قبل رجل أعمال.
وبحسب وسائل الإعلام المحلية، فإن المحتجين يستنكرون عملية «تصفية حسابات» و «مسا بالحصانة البرلمانية»، بل إنهم اتهموا أيضا الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى «بالرغبة في مهاجمة البرلمان».
ويعتبر هؤلاء البرلمانيين أن هناك «مكيدة» ضد عضو مجلس الأمة وأن قرار اعتقاله غير دستوري لأنه محمي بالحصانة البرلمانية.
وفي هذا السياق، يؤكد ممثل جبهة التحرير الوطني محمود قيصاري، الذي يدافع عن ممثل تيبازة في المجلس بكل ما أوتي من قوة، أن زميله «ضحية لسلطة المال» و «تسوية حسابات»، معتبرا أن «رجل أعمال قوي يقف من وراء حبس زميلنا»، قبل أن يضيف أن القضية «تتعلق بالانتخابات الرئاسية لعام 2019».
ونقلت صحيفة «الوطن»، عن المحامي ورئيس الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين أحمد ساعي قوله إنه في حالة «التلبس، ليست هناك حصانة»، موضحا أن «الفصل 128 من الدستور والمادة 111 من قانون الإجراءات الجزائية واضحين في هذا الشأن، من خلال النص على أنه في حالة تلبس أحد النواب أو أحد أعضاء مجلس الأمة بجنحة أو جناية يمكن توقيفه».
واستشهد المحامي بأمثلة من البلدان التي يكون فيها تأثير الحصانة محدودا جدا، مشيرا إلى أنه في المغرب أو تونس، هناك نقاش حول ضرورة اقتصار التمتع بالحصانة البرلمانية على الدورة البرلمانية فقط.
وأضاف ساعي أنه «في أوروبا يريدون أن تقتصر الحصانة على المناقشات العامة»، وفق ما نقلته عنه الصحيفة، التي استنكرت الأمر معتبرة أن موقف أعضاء مجلس الأمة «الغاضبين» يبدو «أخرقا وفاضحا».
وقالت صحيفة «كل شيء عن الجزائر» من جهتها، إنه «من غير المسبوق»، أن تقاطع أغلبية أعضاء مجلس الأمة من التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني والثلث الرئاسي افتتاح الدورة البرلمانية «احتجاجا على اعتقال زميلهم المتهم بالرشوة».
ونظرا للعدد الكبير من قضايا الاختلاس والفساد التي طالت مؤخرا عددا من كبار المسؤولين الجزائريين ومن بينها تلك المتعلقة بمحاولة تهريب 701 كيلوغرام من الكوكايين إلى الجزائر، فإن المنظمات الدولية تواصل إدانة مختلف حالات الفساد في البلاد.
وقد احتلت الجزائر في المؤشر العالمي للفساد عام 2017، المرتبة 112 من بين 180 دولة، وهو ما يكفي في حد ذاته للكشف عن مدى استفحال ظاهرة الارتشاء في السنوات الأخيرة والتي تعكس «منطق المراوغة الذي ينتهجه نظام بأكمله».
واعتبرت صحيفة «ليبرتي» أنه «على امتداد الفضائح التي سبقت (قضية خليفة، والطريق السريع شرق- غرب وسوناتراك 1 …)، أثبت القضاء الجزائري أنه يميل أكثر إلى «تدبير» القضايا ذات الطابع السياسي والمالي بدلا من الحكم فيها»، مشيرة إلى أن «التاريخ المافيوزي للجزائر المستقلة سيتعزز بقضية جديدة تظهر الأشكال المتعددة للتواطؤ بين النهب السياسي والإداري من جهة، والسلب من خلال جميع أنواع التهريب، من جهة ثانية».
ويرى عدد من المراقبين أن القاعدة السياسية للنظام مرتبطة بكونه يضمن طرقا متعددة للإثراء والاغتناء خارج النطاق الاقتصادي، ولا يمكنه بالتالي تجفيف الآليات التي توفر له الدعم السياسي؛ مثل الرشوة والفساد وأنشطة تبييض الأموال والصرف الموازي وما إلى ذلك.
وما الفضائح التي تنكشف في بعض الأحيان سوى حوادث أسلوب عمل يشارك فيها الكثير من الجزائريين، ويتعرض لها آخرون، فيما يتأملها الجميع، بحسب المراقبين الذين يعتبرون أن محاربة الإثراء غير المشروع، بشكل عام، والانحراف السياسي والمالي، على وجه الخصوص، تعد بمثابة قطع الفرع الذي يستند إليه النظام.


بتاريخ : 06/09/2018