الجهوية المتقدمة وإعلامها.. تفاعل أم تقاطع ؟ (2/3)

ثمة سؤال يفرض نفسه: كيف تتفاعل الجهوية المتقدمة كإطار قانوني لخلق التوازنات الترابية، وما نجاعتها كجهاز تواصلي مع المحيط بكامل مكوناته البشرية والاجتماعية، بما في ذلك المنتسبون لمهنة الصحافة والإعلام بالجهة ؟ وكيف يتحقق التكامل الاقتصادي والاجتماعي المنشود في ظل هذا التعدد اللامتوازن للعناوين والمرجعيات والفوضى في المعيارية والانتماء؟ وما استراتيجية الجهوية المتقدمة للتفاعل مع الإعلام في الجهة في فوضاه وعبثيته؟ في تباين واختلاف وتعدد بنياته ومرجعياته؟ وأخيرا إلى أي يمكن التسليم بتفاعل حقيقي بين راهن الإعلام والنشر بالجهة ومقتضيات تنزيل الجهوية المتقدمة وهل من الممكن أن تكون بحق نقطة إقلاع جديدة للإعلام الجهوي؟
إن مسلسل الجهوية المتقدمة لا خيار لديه سوى أن يكون وفاعلا ومتفاعلا، لأنه في جوهره، يروم بالأساس دعم وتكريس التنافسية بين الجهات مع تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة ومتوازنة لمختلف المناطق عبر تشجيع مختلف الفاعلين المحليين على تنفيذ مشاريعهم المهيكلة، وهذا ينسجم إلى حد بعيد مع أهداف وغايات مجال الصحافة والإعلام كعامل تنموي، باعتباره كذلك قطاع حي ويتسم بالدينامية،إذ من شأن دعمه ماديا ومعنويا، وفسح المجال أمامه لانسيابية المعلومة وشفافية المشاريع والصفقات والابتعاد عن الحسابات السياسوية الضيقة، كل ذلك من شأنه أن يساهم إعلاميا في مواكبة وتتبع المشاريع وإنجاز التقارير المتوازنة في شأنها لا سيما تلك التي تتسم بالموضوعية والصدق والتحري وإقناع القارئ وتعبئته، وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة للجهة، لكن هذا التصور، تشوبه عراقيل وتحديات، أولها غياب مصدر حقيقي يقدم المعلومة الواضحة المتعلقة بطبيعة المشروع، ومسارات إنجازه، وغياب الدعم المنصوص عليه، وهيمنة الحسابات السياسوية الضيقة. لذلك يبدو تصورنا للجهوية المتقدمة باعتبارها نموذجا جديدا للحكامة الترابية شيء، وتنزيلها على أرض الواقع لتشكل ثورة حقيقية في مجال تدبير الشأن العام المحلي بجميع مكوناته شيء آخر مختلف تماما.
اليوم، نعتقد أن الأوصياء على تنزيل مقتضيات الجهوية المتقدمة مدعوون أكثر من أي وقت مضى للتعاون مع الإعلام الجهوي المهيكل والمنظم، ومساعدة من له الرغبة الحقيقية في الهيكلة والتنظيم عبر تسهيل المساطر، وتنفيذ الالتزامات والتخفيف من العبء الضريبي، وإلى لعب دور أساسي في إطلاق وتفعيل المشاريع المنتجة والمذرة للدخل، وخلق برامج للتكوين واستمراريته وتعزيز الكفاءات المهنية للنهوض بالجهة . ولعل من المؤسف حقا أن نجد في مغرب اليوم من يعتقد أن مقتضيات تنزيل الجهوية المتقدمة بالجهة، وربما بالمغرب يعتبر شأنا إداريا محضا من اختصاص الداخلية، فيما هو في جوهره انشغال مشترك للجميع، من رجال الصحافة والإعلام والسياسة والفاعلين في المجال الاقتصادي والنسيج المدني والمقاولات الإعلامية، مرورا إلى الخبراء والأكاديميين والباحثين في مختلف القطاعات الحية في التربية والتعليم والنسيج المدني وصولا إلى الجامعة المغربية. ذلك أن التحديات الكبرى والرهانات المستقبلية للجهوية المتقدمة تتجلى بوضوح في مدى قدرة الفاعل السياسي والإداري على ترجمة طموح النص التشريعي على أرض الواقع، وبالتالي العمل إلتقائيا مع الشريك القريب المتفاعل على تجاوز معظم الإكراهات الفعلية التي تقف حجرة عثرة أمام هذا المشروع التنموي الوطني الكبير.
اليوم وغدا، أصبحت الجهة في حاجة ماسة إلى جرائد إخبارية ثقافية شاملة ورقية أو على شكل منصات إلكترونية تنطلق من قناعة كبرى، إذ فضلا عن كونها ملكية عمومية، فهي تقدم خدمة إعلامية للجمهور تحترم حقه في الخبر وفي الثقافة والفن وفي نشر مفاهيم وقيم حقوق الإنسان والديمقراطية والحداثة والترفيه الراقي، وهي الى ذلك متفاعلة ومنسجمة إلى حد بعيد مع الرؤية الشمولية للجهوية المتقدمة، لاسيما في تطلعها كمنبر حداثي يحترم ذكاء الناس، ويلتزم بأخلاقيات مهنة الصحافة، والابتعاد عن الإثارة أو نشر الأخبار الزائفة أو القيام بالتضليل الإعلامي، وللإشارة، فالجريدة يجب أن تضع مسافة بينها وبين المشاريع التي تعرضها السلطات، ويتم الترويج لها إبان الحملات الانتخابية، حتى يتسنى لها التتبع والمواكبة، إذ اثبتت التجارب المتعاقبة أن تلك البرامج موسمية، ومهيأة للاستقطاب السياسي ومعرضة للإفلاس بنسب تتجاوز 70 بالمائة، ولنا في تجربة بحر فاس والمرحلة الشباطية الدليل الصارخ ؟؟؟؟
وهنا يجدر طرح السؤال التالي، إذا ما تم تفعيل الجهوية بصيغتها من سيكون في خدمة من؟ هل الجهوية المتقدمة ستخدم الإعلام الجهوي أم أن الإعلام الجهوي سيكون في خدمة الجهوية المتقدمة؟ الحقيقة أن لا يمكن تنزيل وتفعيل وتحقيق أهداف الجهوية المتقدمة في غياب تواصل حقيقي بين مكوناتها البشرية والمجالية. هنا لابد من الإشارة إلى أن تنزيل وتفعيل وتحقيق الجهوية المتقدمة باعتبارها نموذجا حيا وديناميكيا في مجال التدبير الترابي والمجالي بمكوناته الاقتصادية والسوسيوثقافية رهين بالتحلي بمنطق الوضوح والشفافية والحكامة لدى المسؤولين والأوصياء من رجال السلطة والمنتخبين، سيما مع التطور الذي يعرفه المجتمع المغربي وبالمقابل التحلي بالموضوعية والمصداقية من قبل وسائط الإعلام كيفما كانت توجهاتها وأنساقها وبنياتها، فكما أن الجهوية في التنمية البشرية أصبحت ضرورة ملحة من أجل ضمان التوازن بين الجهات، وتنمية وتطوير المناطق التي تعاني تحديات كبيرة في مجالي الهشاشة والإقصاء. فإن الإعلام الجهوي نفسه مطالب بضبط نفسه باحترام أخلاقيات مهنته وهيكلة نفسه في نسق إعلامي جهوي مواكب وراصد للتجليات وفق القوانين والأخلاقيات الجاري بها العمل.
هذا من جهة، من جهة ثانية غالبا ما يصطدم تنزيل المشاريع التنموية كيف ما كانت بيناتها وهياكلها على أرض الواقع بإكراهات وأعطاب في ظل الاختلالات المشار اليها آنفا، فكيف تستقيم معاملة السلطات الرسمية كمدبرة للجهوية المتقدمة ومع من ستتواصل؟ للوهلة الأولى، تبدو السلطات الرسمية ميالة إلى إعلام جهوي «متملق» يحتجب عند ذكر عيوبها، ويجتهد في إبراز الإيجابي من تحركاتها خصوصا تلك الخرجات التي تلمع صورتها، وتجتهد في صناعة الحدث التنموي من فراغ وبرياء مخدوم وهذا الوضع إلى جانب كونه خرق سافر لميثاق أخلاق لتنمية الجهة، فهو يشكل ضربة قاضية وإجهازا رسميا على إعلام جهوي مواكب، متفاعل، حي، وناقل لانتظارات الناس بأمانة، ومتفاعل مع قضايا المجتمع بواقعية بعيدا أي تلميع أو تزلف ..
يتبع


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 19/11/2018

أخبار مرتبطة

يخلد 21 أبريل من كل سنة يوم الإعلام العربي بموجب القرار الصادر عن الدورة 46 لمجلس وزراء الإعلام العرب، وذلك

أكثر من 87 % يرون أن المحتوى التافه يحظى بأكبر قدر من الانتشار على منصات التواصل الاجتماعي     كشف

يخلد 21 أبريل من كل سنة يوم الإعلام العربي بموجب القرار الصادر عن الدورة 46 لمجلس وزراء الإعلام العرب، وذلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *