«الحكومة مسؤولة أمام الرأي العام» مقال تسبب في اعتقال اليوسفي

« الحكومة مسؤولة أمام الرأي العام» جملة من خمس كلمات، تصدرت الصفحة الأولى من جريدة « التحرير» التي كان يصدرها محمد الفقيه البصري، كادت ان تلقى في السجن برئيس تحريرها الذى لم يكن آنذاك إلا عبد الرحمان اليوسفي الذي خضع لاستنطاق الشرطة التي أحالته بدورها على قاضي التحقيق.
وأوضح اليوسفي الذى توفي صباح الجمعة عن عمر 96 سنة في حوار مطول كنت قد أجريته معه بشقته بإحدى عمارات أحياء مدينة الدار البيضاء بمناسبة إعداد دكتوراه في الحقوق أواخر سنة 2018 حول مسار وتحولات العمل النقابي في الميدان الإعلامي في ظل التأثيرات المتبادلة بين العوامل السياسية والنقابية وبين الممارسة الصحافية،أن تقديمه أمام قاضي التحقيق سنة 1959 « كان نتيجة بضع كلمات فقط نشرناها في جريدة التحرير، فكان مصيرنا الاعتقال، وبعد ذلك سقنا إلى السجن» يقول ساخرا الوزير الأول في حكومة التناوب.

الرأي العام تمثله الصحافة السلطة الرابعة

في نفس السياق، أضاف الوزير الأول في حكومة « التناوب التوافقي» ما بين 1998 و2002 « لقد شرحنا للقاضي جيدا أثناء فترات التحقيق، أن الرأي العام تمثله الصحافة التي أصبحت سلطة رابعة معترف بها في العالم كله، إلى جانب السلطات الدستورية أي التنفيذية والتشريعية والقضائية. وزدنا في التوضيح كذلك، أن كل المفكرين يجمعون على أن هناك قوة رابعة في المجتمع هي قوة الرأي العام».
ويواصل اليوسفي الحكي عن ملا بسات وتفاصيل هذه “ المتابعة القضائية” بالقول “ فلما اعتقلنا من أجل ذلك الموضوع المنشور بالجريدة ) مديرها كان محمد الفقيه البصري: 1923 – 2003 (، وتم تقديمنا بعد ذلك أمام قاضي التحقيق، الذي بادر الى طرح سؤال حول ماذا كنا نعنى ونقصد بتلك العبارة “ الحكومة مسؤولة أمام الرأي العام ، “ فقلت في جوابي سيدي القاضي إن المعروف عالميا، أنه هناك أربع سلط والرأي العام هو السلطة الرابعة الذى تمثله الصحافة، فنحن لم نخترع شيئا جديدا أو شيئا ما من وحي خيالنا، إن هذا الآمر معمول به في كل المجتمعات المتحضرة”.

مجلس للوزراء برئاسة الملك بسبب المقال الصحفي

ترتب إصدارنا لهذا المقال – يتذكر عبد الرحمان اليوسفي–والذى تزامن مع فترة تولى عبد الله إبراهيم رئاسة الحكومة ( 1959 – 1960 )، وكان الى جانبه عبد الرحيم بوعبيد ( 1922- 1992 ) وزيرا مكلفا بالاقتصاد، عن دعوة المغفور له محمد الخامس ( 1909- 1961 ) إلى اجتماع عاجل لمجلس الوزراء، توجه في مستهله بسؤال مباشر إلى مولاي عبد الله إبراهيم، أنت يا رئيس الحكومة، مسؤول أمام من؟ فأجابه على الفور أمام جلالتكم».
فرد عليه الملك محمد الخامس،بسؤال آخر، وما هو تفسيرك وقولك فيما تضمنه المقال الذي كتبه صاحبك،)في إشارة لليوسفي(، فظل مولاي عبد الله صامتا ولم يرد على سؤال الملك”، يشرح عبد الرحمان اليوسفي الذي يخلص الى القول في هذا السياق “ ففهمنا آنذاك في أسرة تحرير الجريدة، أن هذا هو الأصل في قرار إحالتنا على القضاء ومحاكمتنا”.

رقابة سلطة الرأي العام
على الحكومة سؤال مؤجل

أضاف اليوسفي المعروف بعزوفه عن التحدث للصحافة، منذ المحاضرة الشهيرة في بروكسيل سنة 2003 حول المنهجية الديمقراطية وتجربة التناوب مابين 1998 و2002، قائلا: « إن السلطات العليا – وعلى كافة مستوياتها – كانت لا تستسيغ آنذاك هذه الفكرة، بل وأكثر من ذلك لا تؤمن، في ذلك الوقت بأن تكون الحكومة وأعمالها أيضا تحت رقابة سلطة الرأي العام الذي تؤثر في توجهاته بطبيعة الحال الصحافة»التي كان لها دورٌ متعاظم في البلدان المتقدمة كسلطة رابعة تتولى دور الرقابة على الشأن العام حتى لا تزيغ وتتغول السلط الأخرى، فضلا عن مهامي الاعتيادية في مجال الإخبار والتثقيف والترفيه .
يذكر أن الملك محمد الخامس كان قد كلف سنة 1959 عبد الله إبراهيم بتشكيل أول حكومة سياسية في المغرب بعد مرور ثلاث سنوات على نيل الاستقلال، تقودها شخصية من المعارضة اليسارية،ممثلة في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي أنيطت بعناصره أهم الحقائب الوزارية مباشرة بعد انفصاله عن حزب الاستقلال خلفا لأمينه العام أحمد بلافريج الذي لم تستغرق حكومته إلا نحو ثمانية أشهر على تعيينها.


بتاريخ : 01/06/2020