الحوار الاجتماعي بين القانون والواقع .. محور ندوة ال « ف.د.ش» بفاس

في إطار مواصلة تنفيذ برنامجه التكويني والإشعاعي، وتزامنا مع تقديم البرنامج الحكومي وفي أفق الاحتفال بعيد الشغل فاتح ماي لسنة 2017 ، نظم الاتحاد المحلي للفيدرالية الديمقراطية للشغل بفاس ندوة فكرية حول موضوع : ( الحوار الاجتماعي بين القانون والواقع ) ، وذلك صباح الأحد 16/04/2017 بمقر غرفة التجارة والصناعة والخدمات بفاس، حيث قام بتسيير هذه الندوة الأستاذ عبد الرحيم الصقلي، وبعد أن رحب بالحاضرين أعطى الكلمة على التوالي لكل من :- الدكتور خالد بوقيش الذي قدم عرضا حول الإطار القانوني المنظم للحوار الاجتماعي بالمغرب – الأستاذ حاتم دايدو والذي قدم عرضا حول واقع الحوار الاجتماعي بالمغرب والرهانات المستقبلية .- عبد الرحيم الرماح الذي قدم عرضا حول دور النقابات في النهوض بالحوار الاجتماعي .

الدكتور خالد بوقيش أستاذ القانون الاجتماعي بكلية الحقوق بطنجة
المفاوضة الجماعية من خلال التشريع الدولي والوطني

تلعب المفاوضة الجماعية دورا أساسيا في إيجاد الحلول للقضايا المطروحة وتحقيق التوازنات الاجتماعية بين العمال والمشغلين، وتطوير تشريع الشغل من خلال إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية.وسعت كل من منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية منذ نشأتهما إلى تعزيز آليات الحوار والتفاوض، من خلال: الاتفاقيات والتوصيات الصادرة عنهما، دعوة الدول الأعضاء إلى اعتماد آليات للحوار والتشاور ضمن تشريعاتها الوطنية، حث الدول الأعضاء على نهج مبدأ التشارك بين الفرقاء الاجتماعيين في إدارات الخلافات وبناء التوافقات، والتحلي بالمسؤولية لتجاوز الأزمات الاقتصادية والا جتماعية الطارئة.وذلك بهدف إقرار العدالة الاجتماعية وتعزيز الحقوق الأساسية للعمال وأنسنة العلاقات المهنية و مواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية و توطيد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
تعتبر اتفاقية العمل الدولية رقم 154 بشأن المفاوضة الجماعية أحدث وأهم الاتفاقيات الدولية التي عالجت المفاوضة الجماعية بشكل متخصص، إضافة إلى ما ورد في الاتفاقية رقم (98) بشأن مبادئ حق التنظيم والمفاوضة الجماعية التي تعتبر إحدى الاتفاقيات الأساسية الثمان التي تمثل حقوق الإنسان في العمل. وحسب مفهوم الاتفاقية (154) فإن المفاوضة الجماعية تهدف إلى: – 1- تحديد شروط العمل وأحكام الاستخدام. 2- تنظيم العلاقات بين أصحاب العمل والعمال. 3- تنظيم العلاقات بين أصحاب العمل أو منظماتهم ومنظمة أو منظمات العمال.
وبموجب هذه الاتفاقية يتم التفاوض عن كل طرف من طرفي العمل (العمال وأصحاب العمل) كما يلي: عن العمال: – نقابة عمالية أو أكثر، غير أن الاتفاقية رقم (135) بشأن ممثلي العمال سمحت بأن يمثل العمال في المفاوضات ممثلون منتخبون من قبل عمال المؤسسة بحرية وفقا لقواعد خاصة تنص عليها القوانين الوطنية أو الاتفاقيات الجماعية، وبشرط ألا تتضمن مهماتهم أي نشاطات تدخل في اختصاص النقابات العمالية، وعلى أن تتخذ التدابير التي تضمن عدم استخدام وجود هؤلاء الممثلين لإضعاف موقف وأهمية النقابات العمالية التي تمثل القطاع. عن أصحاب العمل – صاحب العمل أو مجموعة أصحاب عمل، أو منظمة أو أكثر من منظمات أصحاب العمل، ويتوقف ذلك على اختيار أصحاب العمل لأسلوب تمثيلهم.
لقد تنوعت الأحكام التي حددت القطاعات التي تشملها قواعد المفاوضة الجماعية في الاتفاقيات الدولية، ففي حين استثنت الاتفاقية رقم (98) موظفي الخدمة العامة العاملين في الدولة من أحكامها، نصت الاتفاقية (151) بشأن علاقات العمل في الخدمة العامة، على أن تتخذ الإجراءات المتناسبة مع الظروف الوطنية لتشجيع وتعزيز استخدام آلية التفاوض بشأن شروط وظروف الاستخدام بين السلطة العامة ومنظمات المستخدمين العموميين أو إيجاد أي أساليب أخرى تضمن لممثلي المستخدمين العموميين المشاركة في تحديد شروط وظروف استخدامهم.وقد أجازت هذه الاتفاقية للدولة أن تحدد في قوانينها مدى انطباق أحكام الاتفاقية على مستخدمي المستويات العليا وعلى المستخدمين الذين تتسم واجباتهم بالسرية البالغة وكذلك أفراد القوات المسلحة والشرطة.
مأسسة و تنظيم الحوار الاجتماعي بالمغرب

يحتل الحوار الاجتماعي مكانة هامة في تنظيم العلاقات المهنية باعتباره إحدى الركائز الأساسية لتطوير وتحسين ظروف العمل وإقرار السلم الاجتماعي بمختلف الوحدات الإنتاجية، وساعد انتشار مفاهيم الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان على تطوير مفهوم الحوار الاجتماعي. يعتبر الحوار الاجتماعي أداة هامة لتحريك وتنشيط الحياة الاقتصادية وتوفير المناخ الملائم لتطوير الإنتاج وتمكين المقاولات من مواجهة التحديات الاقتصادية التي تفرضها العولمة والتنافسية الاقتصادية
مأسسة الحوار الاجتماعي على ضوء مدونة الشغل: مرحلة المأسسة في إطار مدونة الشغل من خلال عدة مستويات:
على الصعيد الوطني، على الصعيد الجهوي، على صعيد المقاولة. اتفاقية الشغل الجماعية في التشريع الدولي، اتفاقيات الشغل الجماعية في مدونة الشغل
شكلها: عقد جماعي ينظم علاقات الشغل – عقد مكتوب تحت طائلة البطلان
أطرافها: منظمة نقابية أكثر تمثيلا أو عدة منظمات نقابية أكثر تمثيلا.
مشغل، عدة مشغلين أو منظمة أو منظمات مهنية للمشغلين.
مجال تطبيقها – المشمولون بها: مدتها: إنهاؤها: تنفيذها: تعميمها:
مسطرة تدبير نزاعات الشغل الجماعية النزاعات الجماعية القانونية:
هي تلك النزاعات التي يكون محلها احترام تطبيق مقتضيات التشريع الاجتماعي.
النزاعات الجماعية ذات الطبيعة الاقتصادية:
تتعلق في غالب الاحيان بمطالب عمالية تستهدف تحسين الوضعية الاجتماعية والمادية للعمال.
تسوية نزاعات الشغل الجماعية من خلال مدونة الشغل
خصص المشرع المغربي الكتاب السادس من مدونة الشغل  لموضوع تسوية نزاعات الشغل الجماعية.(المواد من 549 الى 585).
بعد ان استهل هذا الكتاب بالحديث عن موضوع نزاع الشغل الجماعي وتعريفه، خصص الجزء الاكبر من مواده لكيفية تسوية نزاعات الشغل الجماعية من خلال مسطرتي التصالح والتحكيم.
– مسطرة التصالح
أصبح من المفروض أن يمر نزاع الشغل الجماعي أولا عبر مسطرة التصالح، هذه المسطرة التي تتضمن عدة مراحل يمكن تلخيصها في ثلاث:
المرحلة الاولى : مسطرة التصالح امام العون المكلف بتفتيش الشغل او امام المندوب الاقليمي المكلف بالشغل.
المرحلة الثانية : مسطرة التصالح امام اللجنة الاقليمية للبحث والمصالحة.
المرحلة الثالثة : مسطرة التصالح امام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة.
مسطرة التحكيم
يتولى رئيس اللجنة الإقليمية أو رئيس اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، إحالة الملف المتعلق بموضوع النزاع مرفقا بالمحضر المحرر من قبلها إلى الحكم خلال 48 ساعة الموالية لتحرير المحضر بعد موافقة الأطراف.
حاتم دايدو باحث في تشريع الشغل و العلاقات المهنية
واقع الحوار الاجتماعي بالمغرب و الرهانات المستقبلية «

يعد الحوار الاجتماعي من الوسائل الحضارية لتدبير العلاقات المهنية، حيث يعتبر مدخلا أساسيا لتنزيل الديمقراطية التشاركية في مجال الشغل بغية تطوير و تحسين ظروف العمل و إقرار السلم الاجتماعي في مختلف الوحدات الاقتصادية بما يضمن الحقوق الاجتماعية للطبقة العاملة من جهة و استمرار النمو الاقتصادي لهذه الوحدات الاقتصادية.
و يمكن إبراز أهمية الحوار الاجتماعي من زوايا متعددة:
الأهمية السياسية:  يعد الحوار الاجتماعي وسيلة من وسائل ضمان الاستقرار السياسي و تفادي الاضطرابات الاجتماعية.
الأهمية الاجتماعية: إن مأسسة الحوار الاجتماعي بالوحدات الاقتصادية كفيل بضمان متطلبات السلم الاجتماعي و التقليص من حالات التنازع، مما من شأنه توفير مناخ اجتماعي مناسب لتطوير العلاقات المهنية و التكريس التعاقدي للمقتضيات الأكثر فائدة للأجراء.
الأهمية الاقتصادية: يعد الحوار الاجتماعي أداة هامة لتحريك و تنشيط الحياة الاقتصادية و تشجيع الاستثمار، و مؤشرا أساسيا من مؤشرات استقرار الوحدات الإنتاجية بما يضمن  نمو مردوديتها و تجويد إنتاجها.
الأهمية القانونية:  تتجلى هذه الأهمية في تطوير تشريع الشغل عن طريق إنتاج قوانين تعاقدية خاصة إذا ما تم تتويج الحوار الاجتماعي أو المفاوضة الجماعية بإبرام”اتفاقيات شغل جماعية“، وكذا تجاوز الثغرات القانونية في تشريعات الشغل الجاري بها العمل.
و نظرا لهذه الأهمية المتعددة الأبعاد عمدت منظمة العمل الدولية و العربية لتعزيز آليات الحوار و التفاوض مع حث الدول الأعضاء على نهج مبدأ التشارك بين الفرقاء الاجتماعيين في إدارة الخلافات و بناء التوافقات و التحلي بالمسؤولية  لتجاوز الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية الطارئة، بهدف إقرار العدالة الاجتماعية و تعزيز الحقوق الأساسية في العمل و أنسنة العلاقات المهنية و مواكبة التطورات الاقتصادية و الاجتماعية و توطيد الاستقرار الاقتصادي و الاجتماعي.
و بعد هذه المقدمة تناول الباحث الموضوع في محورين، تم تخصيص المحور الأول لواقع الحوار الاجتماعي بالمغرب، بينما تطرق في المحور الثاني للرهانات المستقبلية ،حيث أبرز في المحور الأول أن المغرب انخرط منذ الاستقلال في ملاءمة تشريعاته الاجتماعية مع الاتفاقيات الدولية عن طريق وضع آليات ووسائل ومؤسسات من أجل إرساء قواعد الحوار الاجتماعي والتفاوض والتشاور.
و يمكن إبراز التطور التاريخي لواقع الحوار الاجتماعي عبر المراحل: المرحلة الأولى: العشر سنوات الأولى من الاستقلال؛ تميزت هذه المرحلة: بصدور عدة قوانين تنظم كيفية المفاوضة وبعض الأجهزة والمؤسسات التي تعنى بالحوار:
ظهير 17 أبريل 1957 حول اتفاقية الشغل الجماعية، والذي يؤسس للمفاوضة التعاقدية على مستوى المقاولة والقطاع وعلى الصعيد المحلي والوطني؛ ظهير 16 يوليوز 1957 المتعلق بالنقابات المهنية؛ بإحداث بعض الأجهزة والمجالس والمؤسسات ذات التركيبة الثلاثية على الصعيد الوطني والمحلي تتكلف بالتشاور والحوار ودراسة القضايا المرتبطة بالشغل والعلاقات المهنية: المجلس الأعلى للوظيفة العمومية؛ اللجنة المركزية للأسعار والأجور مختصة في التشاور والتفاوض في شأن السلم المتحرك للأسعار والأجور؛ المجلس الأعلى لليد العاملة مختص في التحاور والتشاور وإبداء الرأي في قضايا الشغل؛ المجلس الاستشاري لطب الشغل مختص في التشاور والحوار في مجال طب الشغل والسلامة وحفظ الصحة المهنية؛ مؤسسة مندوبي العمال داخل المقاولات الخاصة، اللجان المتساوية الأعضاء بالقطاع العام؛ اللجان المحلية لليد العاملة.
و خلص الأستاذ حاتم دايدو إلى أن هذه المرحلة يمكن اعتبارها مرحلة البناء التشريعي و المؤسساتي حيث تميزت  بما يلي:
من الناحية التشريعية: إصدار العديد من النصوص القانونية المؤطرة للحوار الاجتماعي؛
من حيث هيكلة آليات الحوار: إحداث عدة أجهزة الثلاثية التركيب  للتشاور والحوار والمفاوضة؛
من حيث المردودية: بإبرام أكبر عدد من الاتفاقيات الجماعية في تاريخ المغرب.
المرحلة الثانية: الممتدة من 1967 إلى 1990 يمكن تسميتها بمرحلة فتور الحوار الاجتماعي ،إخضاع العلاقات المهنية لمنطق القوة بين الفرقاء الاجتماعيين؛ نشوب عدة نزاعات للشغل كانت لها انعكاسات سلبية على السلم الاجتماعي وعلى الاقتصاد الوطني؛ غلبة منطق المواجهة على منطق الحوار.
المرحلة الثالثة: من  1991 إلى صدور مدونة الشغل ،يمكن اعتبارها مرحلة الانطلاقة الجديدة للحوار الاجتماعي بالمغرب، حيث تميزت بإحداث عدة مؤسسات مهمة لتأطير الحوار والتشاور في المجالات التي تعرف مشاكل أو أزمات :
المجلس الوطني للشباب والمستقبل (20 فبراير 1991) مختص في التشاور والتحاور من أجل إعداد الشباب لمواجهة تحديات المستقبل ومساعدته على الاندماج في نظام الانتاج الوطني وتأهيل أنظمة التعليم وملاءمتها مع متطلبات الاقتصاد الوطني.
المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي (24 نونبر 1994) مختص في إنعاش الحوار الاجتماعي وإبداء الاستشارة في القضايا  التي توكل إليه كالنزاعات الاجتماعية المستعصية.
و قد أدخلت هذه المرحلة الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين في تجربة جديدة تؤسس لثقافة الحوار والمفاوضة الثلاثية بعد الخطاب الملكي للمغفور له جلالة الملك الحسن الثاني (16 مايو 1996)  حدد:
أهداف الحوار الاجتماعي مركزا على التشاور الدائم والمستمر بين الفرقاء من أجل تحقيق شراكة حقيقية بين المقاولات والنقابات مبنية على مبدأ ضمان التوازن بين حاجيات الأجراء والضرورات الاقتصادية والمالية للمقاولات.
انطلاق جولات الحوار الاجتماعي الفعلي على أساس التمثيل الثلاثي: (الحكومة – هيئة المشغلين – المركزيات النقابية إبتداء من يونيو 1996)
هذه الجولات اثمرت الإعلان عن نتائج الحوار الاجتماعي بمقتضى التصريح المشترك لفاتح غشت 1996 . التصريح المشترك ذكر بأهداف الحوار و أهدافه وهي: التجاوب مع المقتضيات الدستورية والمواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق النقابية والمفاوضة الجماعية وتعميق الحوار الاجتماعي حول القضايا والمطالب الاجتماعية والمادية للشغيلة المغربية ومشاكل المقاولات. دعم الاقتصاد الوطني وتوفير المناخ الاجتماعي اللازم والمحافظة على التوازنات الاجتماعية لتطوير المقاولة المغربية لمواجهة التحديات الراهنة المتمثلة في عولمة الاقتصاد ومتطلبات التأقلم والتأهيل.
التصريح المشترك حدد  منهجية الحوار والتفاوض وفق ما يلي : عقد اجتماعين في السنة للتحاور والتفاوض؛ تشكيل لجنة ثلاثية دائمة على الصعيد الوطني لمتابعة الملفات وتنفيذ القرارات والالتزامات المتخذة بتنسيق مع المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي .متابعة الحوار سواء على صعيد القطاعات أو على صعيد الإدارات والعمالات والأقاليم؛ التزام الأطراف بتشجيع إبرام الاتفاقيات الجماعية ؛ تنظيم حوار ثلاثي حول مشروع مدونة الشغل بغية التوصل إلى نص توافقي؛ التزام الأطراف ببذل جميع الجهود من أجل المساهمة في الحل السريع لنزاعات الشغل الجماعية والبحث عن الحلول لإعادة فتح المقاولات المغلقة؛ لجوء الأطراف إلى التشاور فيما بينها قبل كل تقليص من عدد العمال وساعات العمل أو إغلاق أو تنقيل المعامل.
وإثر فتور العمل بالتعهدات التي جاء بها التصريح المشترك لفاتح غشت 1996 وتدهور المناخ الاجتماعي وكثرة النزاعات الاجتماعية  جاء اتفاق 19 محرم 1421 (23 أبريل 2000)، و يمكن إجمال الأهداف والأبعاد المتوخاة من الاتفاق في ما يلي :
إيلاء عناية خاصة للبعد الاجتماعي في التنمية؛
إنعاش التشغيل والرقي بالاقتصاد الوطني وتوزيع الثروة الوطنية بعدالة؛
الالتزام بالسلم الاجتماعي كمسؤولية على عاتق جميع الأطراف وكعنصر أساسي لتأهيل الاقتصاد الوطني لمواجهة التحديات وغمار المنافسة؛
الانخراط الكامل في مجهود التضامن الفعلي مع العالم القروي؛
الانتقال بثقافة الحوار التي دشنها تصريح فاتح غشت 1996 إلى مرحلة متقدمة.
المرحلة الرابعة : الحوار الاجتماعي في إطار مدونة الشغل
يمكن اعتبار مدونة الشغل:
محطة جديدة في تطوير العلاقات المهنية ؛
ثمرة حوار اجتماعي اعتمد المقاربة التشاركية القائمة على مبدأ الثلاثية؛
إطار جديد للحوار والمفاوضة؛
جاءت بآليات ومساطر حديثة للحوار الاجتماعي والاستشارة الفردية والجماعية وللتفاوض في ملاءمة تامة مع الاتفاقيات الدولية؛
من شأنها أن تساعد على رفع التحديات التي يفرضها تحرير التجارة الدولية وعولمة الاقتصاد على المقاولات.
ركزت على أهمية الحوار في تطوير وتحديث العلاقات المهنية ونصت على ذلك في تصديرها الذي جاء فيه: «واعتبارا لفضائل الإنصات والتشاور والحوار من آثار إيجابية على تحديث فضاء العلاقات الاجتماعية داخل المقاولة وفي عالم الشغل مما يستوجب اعتماد أساليب جديدة للتواصل بين الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، تأخذ بعين الاعتبار إكراهات المقاولة بالنسبة للتشريعات المقارنة ومتطلبات التنافسية خدمة للاستثمار والإنتاج من أجل اقتصاد قوي وقادر على المنافسة وعلى مواجهة تحديات العولمة ومواكبة التأهيل الاقتصادي والاجتماعي“.
كما ركزت على أهمية الحوار في تطوير وتحديث العلاقات المهنية ونصت على ذلك في تصديرها الذي جاء فيه:
ونظرا للدور الأساسي المنوط بالمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء لكونها أطرافا فاعلة في تطوير الاقتصاد الوطني مما يقتضي إيلائها الأهمية التي تليق بها ولاسيما من خلال المفاوضة الجماعية باعتبارها حقا من الحقوق الأساسية وذلك في سياق منظم ومنتظم يكتسي طابعا مؤسساتيا، وعلى كافة المستويات حتى تساهم في آثار إيجابية على العلاقات الاجتماعية داخل المقاولة وفي عالم الشغل “.
إضافة إلى تأكيدها على إلزامية الحوار والمفاوضة ونصت على ذلك في ديباجتها التي جاء فيها:
المفاوضة الجماعية حق من الحقوق الأساسية في العمل؛
يجري التفاوض بشكل منتظم وإلزامي وعلى كل المستويات في كل المقاولات والقطاعات الخاضعة للمدونة“. كما حددت المتدخلين في الحوار الاجتماعي، و نصت على مجموعة من المجالس الثلاثية التركيب التي تعد فضاء للحوار الاجتماعي(مجلس للمفاوضة الجماعية ،مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية،المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل، المجالس الجهوية لإنعاش التشغيل.)
كما حددت آليات ومساطر فض نزاعات الشغل الجماعية:
على الصعيد المحلي :
محاولة التصالح أمام مفتش الشغل؛
التصالح أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة.
على الصعيد الوطني :
المصالحة أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة
و مما تجدر الإشارة إليه أن آخر اتفاق للحوار الاجتماعي على الصعيد الوطني تم في أبريل 2011، حيث استجاب هذا الحوار لمجموعة من المطالب سواء بالقطاع الخاص أو القطاع العمومي.
المحور الثاني: تقييم واقع الحوار الاجتماعي بالمغرب و رهاناته المستقبلية
تقييم واقع الحوار الاجتماعي بالمغرب:
المعيقات ذات الصبغة القانونية
عدم تحديد اليات تدبير الحوار القطاعي، حيث أن المشرع المغربي لم يحدد معيار تحديد النقابة الأكثر تمثيلا على مستوى القطاع
عدم وضع جزاءات زجرية على عدم احترام مقتضيات المفاوضة الجماعية
مسطرة تدبير نزاعات الشغل الجماعية أثبتت محدوديتها
عدم إصدار قانون الإضراب
إشكالية تفعيل اللجان الإقليمية والوطنية المكلفة بالمصالحة في مجال نزاعات الشغل؛
عدم تكوين اللجان والمؤسسات التي تعنى بالحوار والمفاوضة داخل المقاولة (الممثل النقابي – لجنة المقاولة – لجنة السلامة وحفظ الصحة)؛
اشكالية التواجد النقابي مع عدم وجود التمثيلية القانونية.
المعيقات العملية:
اقتصار الحوار الاجتماعي على المستوى الوطني والقطاع العمومي؛ ( عرف بدوره توقفا في الآونة الأخيرة)
على مستوى القطاع الخاص: غياب أي حوار قطاعي؛
على مستوى المقاولة وعلى المستوى المحلي : اقتصار الحوار على فض نزاعات الشغل الجماعية؛
ضعف العطاء في مجال إبرام الاتفاقيات الجماعية.
عدم وجود نماذج لاتفاقيات الشغل الجماعية أودليل عملي يوضح اجراءاتها .
ضعف التمثيلية النقابية
غلبة النزاعات القانونية عن النزاعات الاقتصادية
الرهانات المستقبلية للحوار الاجتماعي بالمغرب:
التفاعل الايجابي مع المطالب النقابية العالقة و محاولة معالجتها
البحث عن صيغة قانونية لتوطيد ثقافة الحوار و التفاوض
دور الجانب التحسيسي في زرع ثقافة الحوار
تطوير الترسانة القانونية المنظمة للحوار الاجتماعي مع تأييدها بجزاءات قانوني
عبد الرحيم الرماح كاتب الاتحاد المحلي للفيدرالية الديمقراطية للشغل بفاس
دور النقابات في النهوض بالحوار الاجتماعي

من أجل تناول موضوع دور النقابات في النهوض بالحوار الاجتماعي بالمغرب لابد من استعراض عدة مراحل منها :
ما قامت به الحركة النقابية مند نشأتها،مما أدى إلى صدور العديد من الاتفاقيات الدولية ومنها الاتفاقيتان رقم 98- 154 والاتفاقية العربية رقم 11 حول المفاوضة الجماعية والاتفاقية الدولية رقم 151 حول ظروف العمل بالقطاع العام.
وما قامت به الحركة النقابية بالمغرب من نضالات خلال مرحلة الاستعمار وخاصة في الثلاثينيات من القرن الماضي نذكر منها نضالات معمل كوزيما بالدار البيضاء ،مما أدى إلى صدور ظهير 13 /07/1937 حول الاتفاقيات الجماعية .
وما قامت به الحركة النقابية المغربية خلال مرحلة ما بين 1956 و 1959 في إطار الاتحاد المغربي للشغل مما أدى إلى إصدار العديد من القوانين لصالح الطبقة العاملة ومنها ظهير 17 أبريل 1957 والمتعلق باتفاقيات الشغل الجماعية وظهير 16 يوليوز 1957 حول تأسيس النقابات المهنية وبالأخص مجيء المجلس الأعلى للاتفاقيات الجماعية والذي عقد عدة اجتماعات بعد تأسيسه سنة 1958 وإن كان ظهير نشأته لم يصدر حتى 29 نوفمبر 1960 .
وتعتبر سنة 1975 محطة أساسية في تاريخ المغرب التي أعطى فيها جلالة الملك المرحوم الحسن الثاني انطلاق المسيرة الخضراء ،وعرفت تفاعلا سياسيا كبيرا جاء بعده إنطلاق المسلسل الديمقراطي إبتداءا من سنة 1976 الذي صاحبته سلسلة من النضالات قامت بها الطبقة العاملة إلى سنة 1996، وتمثلت في الإضرابات القطاعية التي نظمتها النقابات الوطنية خلال سنوات 76 -77- 78- 1979 والإضراب العام في 20 يونيو 1981 والذي خاضته الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل وقد استمرت هذه الوتيرة إلى أن تم خوض الإضراب العام في 14 دجنبر 1990 والذي تم بتنسيق بين الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب،وقد عرفت هذه المرحلة إحداث المجلس الوطني للشباب والمستقبل في 20 فبراير 1991 والمجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي في 20 نوفمبر 1994 ، غير أن هذين المجلسين تم حلهما بعد مجيء المجلس الاقتصاد والاجتماعي والبيئي الذي نص عليه دستور 1996 .
ويعتبر الخطاب الملكي لجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله في 16 ماي 1995 ذا أهمية كبيرة لكونه حدد فلسفة الحوار الاجتماعي وأهدافه ، ومنذ التوقيع على التصريح المشترك لفاتح غشت 1996 الذي تم من خلاله إيجاد الحلول للعديد من القضايا و الدخول في مرحلة جديدة باعتماد مقاربة تشاركية في القضايا ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي ووضع منهجية الحوار وطريقة عمله من خلال :
إجراء جولتين للحوار والتفاوض في السنة الأولى قبل عيد الشغل في شهر أبريل والثانية في شهر شتنبر أثناء تحضير القانون المالي .
اعتماد الحوار القطاعي بالقطاع العام والمؤسسات العمومية والقطاعات المهنية بالقطاع الخاص والمقاولات.
اعتماد الحوار على مستوى الأقاليم .
إبرام اتفاق 23 أبريل 2000 في عهد حكومة التناوب التوافقي برئاسة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي وما تحقق من مكتسبات ومنها إقرار التغطية الصحية الأساسية والتأمين الإجباري عن المرض .
إبرام اتفاق 30 أبريل 2003 حيث تم إيجاد الحلول للعديد من القضايا كما تم على إثره التوافق على مدونة الشغل .
إبرام اتفاق 26 أبريل 2011 والذي بموجبه التزمت الحكومة بمجموعة من النقط والإجراءات جلها لازال لم ينفد بعد ومنها :
مراجعة القانون الأساسي للوظيفة العمومية -إصلاح منظومة الأجور
الإصلاح الشامل للتعويض عن الإقامة – مراجعة منظومة التنقيط والتقييم
مراجعة منظومة التكوين المستمر – تقوية جهاز تفتيش الشغل
إصدار القانون الخاص بتحديد العلاقات بين المشغلين والأجراء وشروط الشغل في القطاعات التي تتميز بطابع تقليدي صرف (المادة 4 من مدونة الشغل)
إصدار المرسوم المتعلق بتحديد شروط وكيفيات الاستفادة من التكوين المستمر (المادة 23 من مدونة الشغل)
المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية
إلغاء المادة 288 من القانون الجنائي
المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 102 المتعلقة بالضمان الاجتماعي
توحيد الحد الأدنى القانوني للأجر بين القطاعين الصناعي والفلاحي)
وقد تضمنت هذه الاتفاقات الأربعة صنفين من القاضايا صنف يتعلق بالقضايا التي لها طابع ظرفي وصنف له طابع هيكلي منها :
المصادقة على العديد من الاتفاقيات الدولية
اعتماد مقابة تشاركية في القضايا الاجتماعية والاقتصادية وفقا لما جاء في المادة 13 من الدستور .
مؤسسة الحوار الاجتماعي وطنيا وقطاعيا بالقطاعين العام والخاص وعلى مستوى الأقاليم والجهات حيث أصبح هذا الحق مدسترا من خلال ما نص عليه دستور 2011 وبالأخص الفقرة الثالثة من الفصل الثامن والتي جاء فيها ( تعمل السلطات العمومية على تشجيع المفاوضة الجماعية وعلى إبرام اتفاقية الشغل الجماعية وفق الشروط التي ينص عليها القانون) .
التوافق على مدونة الشغل والتي جاءت بعدة مستجدات حول المفاوضة الجماعية وإحداث هيآت التشاور والحوار على جميع المستويات منها:
مجلس المفاوضة الجماعية – مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية.
المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل- المجالس الجهوية والإقليمية لإنعاش التشغيل – اللجنة ثلاثية التركيب المكلفة بالتشغيل المؤقت – لجان البحث والمصالحة – اللجنة المكلفة بإغلاق المقاولات – مؤسسة مندوبي الأجراء – الممثلون النقابيون – لجنة السلامة وحفظ الصحة – لجنة المقاولة.
وفي مجال الحماية الاجتماعية تم التوصل إلى :
إصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي أصبح يسير بطريقة مشتركة من خلال مجلسه الإداري .
إحداث الوكالة الوطنية للتأمين الصحي .
إصدار قانون 65/00 حول التغطية الصحية الأساسية.
إقرار القانون المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل .
وبعد الخطاب الملكي الموجه إلى المشاركين في المنتدى البرلماني المنعقد في 19 و 20 فبراير 2017 الذي أكد على أهمية الحوار الاجتماعي ولخصها في أربعة رهانات.
الرهان الأول يتمثل في مؤسسة الحوار الاجتماعية .
الرهان الثاني يتمثل في توسيع مجال الحوار الاجتماعي ليشمل قضايا المساواة ومكافحة التمييز بين الجنسين والقضاء على تشغيل الأطفال وضمان شروط العمل اللائق لذوي الإعاقة وتأهيل القطاع غير المهيكل وتوسيع  فرص العمل اللائق .
الرهان الثالث أكد على ضرورة إحداث منظومة جديدة للحوار الاجتماعي مع استحضار متطلبات المساواة بين الجنسين ومقاربة حقوق الإنسان ببلادنا بما يتماشى مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية ومتطلبات التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة  الاقتصادية والاجتماعية والبيئية .
الرهان الرابع  يتمثل في اتخاذ مؤسسة الحوار الاجتماعي مدخلا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة من أجل الانتقال إلى نموذج مستدام منصف وشامل ومحقق للعدالة الاجتماعية وضمان العيش الكريم تماشيا مع المرتكزات الأساسية لإرساء دعائم مجتمع متضامن على النحو الذي أقره تصدير دستور 2011 .
والخلاصة أن الحركة النقابية تتوفر على حس وطني كبير باعتبارها قوة إقتراحية ذات منظور شمولي تربط بين ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي في أبعاده العامة وفي هذا الإطار فان القضايا المطروحة حاليا والملحة تتمثل في :
احترام دورات الحوار والمفاوضة الجماعية :
– على المستوى الوطني بعقد لقاءين في السنة في شهر أبريل وشهر شتنبر بين الحكومة وأرباب العمل والنقابات.
– اعتماد الحوار القطاعي على مستوى القطاع العام والمؤسسات العمومية تفعيلا لما جاءت به الاتفاقية الدولية 151 خاصة وأن النقابات تملك تصورا متكاملا على المستوى المهني والمطلبي.
– اعتماد الحوار على مستوى الأقاليم والجهات ينصب حول القضايا المحلية والإقليمية والجهوية وتفعيل المجالس الجهوية والإقليمي لإنعاش التشغيل وفقا لما تنص عليه المادة 524 من مدونة الشغل.
احترام الحق النقابي وذلك من خلال :
وضع برنامج استباقي لحماية الحق النقابي لأن نسبة كبيرة من نزاعات الشغل تتم بسبب المس بالحق النقابي.
تطبيق تشريع الشغل من خلال : – تطبيق مقتضيات مدونة الشغل – تقوية دور وزارة الشغل والإدماج الاجتماعي – دعم جهاز تفتيش الشغل – هيكلة القطاع غير المهيكل – وضع برنامج استباقي للوقاية من نزاعات الشغل الفردية والجماعية
– مراجعة النظام الأساسي للوظيفة العمومية وإنصاف جميع فئات الموظفين .
تقوية وتعميم الحماية الاجتماعية من خلال :
– دمقرطة المؤسسات الاجتماعية – إصلاح أنظمة التقاعد – تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مع سلامتها من العيوب – مراجعة القانون الخاص بالتعويض عن فقدان الشغل – ملائمة الأجور والأسعار من خلال : – الزيادة في الأجور – الزيادة في التعويضات العائلية – مراجعة الضريبة على الدخل – دعم المقاولة وتقوية الاقتصاد الوطني من خلال :
وضع برامج تحسيسية بتنسيق بين القطاعات الوزارية ذات العلاقة والقطاعات المهنية والنقابات على مستوى كل قطاع على حدة وتعميم اتفاقيات الشغل الجماعية وفق تصور متكامل يأخذ بعين الاعتبار التوازنات المالية والاقتصادية للمقاولات، والاجتماعية للأجراء.
دعم التشغيل من خلال :
ملأ المناصب الشاغرة بقطاع الوظيفة العمومية وخاصة في قطاع التعليم والصحة ومفتشي الشغل .
وضع حد للتشغيل بالعقدة بالقطاع العام .
احترام القانون بالنسبة للقطاع الخاص حول الحالات التي يتطلب فيها التشغيل المستمر أو التشغيل المؤقت.
تحفيز المقاولات التي تساهم في التشغيل ومحاربة البطالة.
كل ذلك قابل للتطبيق على أرض الواقع إذا تمت اعتماد مقاربة تشاركية بين الأطراف الثلاث على أن تنسب النتائج المتوصل إليها إلى الجميع وليس لطرف دون الأخر،طبقا لروح المواثيق والأعراف الدولية .


بتاريخ : 24/04/2017