الخطأ الطبي بين المسؤولية التقصيرية والعقدية

أكد البروفسور هشام بنيعيش، رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء، أن المسودة الأولية لمشروع القانون المنظم للمسؤولية المدنية للأطباء، المعد من طرف وزارة العدل، يتضمن جملة من المقتضيات التي تجعل من الخطأ الطبي أساسا للمسؤولية الطبية، سواء بالنسبة للأطباء أو المصحات الخاصة، فيما جعل تعويض المريض عند وفاته لذوي حقوقه أو عند وقوع ضرر علاجي محتمل غير ناجم عن أي خطأ طبي، مبنيا على التضامن الوطني من خلال إحداث صندوق خاص تشرف عليه وزارة الصحة. وأوضح البروفسور بنيعيش الذي قدم عرضا خلال فعاليات اليوم الخريفي الأول الذي نظمته الجمعية الجهوية للمصحات الخاصة بجهة الدارالبيضاء سطات مؤخرا، أن عددا من الأحكام القضائية الصادرة في قضايا المسؤولية الطبية كانت ترتكز على أساس المسؤولية التقصيرية ولو بوجود عقد طبي مسبق، أو تستند على المسؤولية العقدية حتى و لو بدون أي تشكل للعقد الطبي، كما هو الشأن في حالة الإستعجال القصوى أو حالة المريض الفاقد للوعي، مقدما مقارنات بين أحكام أصدرها القضاء المغربي وأخرى مشابهة أصدرها القضاء الفرنسي، والتي كانت نتائجها تعرف اختلافا، خاصة وأن أحكاما مغربية تم تعليلها باحتمالية كون فعل الطبي الذي مارسه الطبيب قد يكون هو الذي أدى إلى نتيجة الضرر، رغم عدم وضوح العلاقة السببية.
واستعرض البروفسور بنيعيش جملة من المواد القانونية والأحكام التي حمّلت المصحات الخاصة المسؤولية، حتى وإن كان الأطباء الذين اعتٌبر أن الخطأ خطأهم هم زائرون وغير تابعين للمصحة. كما عرض حالات تحمّل الأطباء فيها المسؤولية بسبب ما يمكن وصفه بـ «تقصير»، على مستوى الإخبار، وعدم توضيح طبيعة النتائج التي قد يكون المريض عرضة لها بعد التدخل الجراحي، وكذا بسبب عدم تحقيق النتائج المرجوة، خاصة في مجال جراحة التجميل، الذي يعتبر فيه القضاء أن التزام الطبيب هو التزام بضمان النتيجة و ليس التزاما بمجرد بذل عناية.
اليوم الدراسي افتتح أطواره البروفسور مولاي احمد بودرقة، الأستاذ الجامعي في الإنعاش والتخدير ورئيس الجمعية، الذي استعرض في مداخلته تفاصيل الأشواط التي تم قطعها من أجل تشكيل مكتب جهوي للجمعية الوطنية للمصحات الخاصة على صعيد جهة الدارالبيضاء سطات، والدوافع التي ساهمت في تحقيق ذلك، إلى جانب الأهداف المسطرة، التي تهم المساهمة في النهوض بالمنظومة الصحية، وتنزيل البرنامج الوطني، وتطوير القطاع بشكل عام، مشددا على أن اليوم الدراسي الذي يعتبر أول نشاط رسمي للجمعية الفتية، تم اختيار محاوره البالغة الأهمية بمنتهى الدقة، حتى تكون خلاصاته مفيدة للجميع، بالنظر إلى راهنية الإشكالات المطروحة للنقاش، ويتعلّق الأمر بالجانب الضريبي والمراقبة الضريبة، والتدبير المالي للمصحات، والمسؤولية المدنية والقانونية للأطباء، وذلك بمشاركة خبراء مغاربة وأجانب. بعد ذلك تناول الكلمة البروفسور بنعكيدة الرئيس السابق للجمعية الوطنية وأحد الفاعلين الأساسيين في الأشواط التي قطعتها المصحات الخاصة، إلى جانب البروفسور تيال نائب رئيس الجمعية الوطنية للمصحات لخاصة، لربط ما هو وطني بما هو جهوي وسياقات اشتغال المصحات الخاصة والتفاعلات التي تحيط بها.
من جهته، أكد حسن هروش، المحامي بهيئة الدارالبيضاء، في مداخلة له حول «المسؤولية المدنية للمصحات الخاصة على ضوء الاجتهاد القضائي»، أن ما يميز الطب عن مهن أخرى كونه يرتبط بجسم الإنسان وحياته، مبرزا أن الفقه والقضاء والقانون لهم نظرة تختلف حول مسؤولية الطبيب عن أخطائه، حيث استقر الفكر القانوني على ضرورة مساءلة الطبيب عن أخطائه التي يرتكبها بمناسبة ممارسته لمهنته. ووقف الأستاذ هروش عند الوضعية الإدارية والتنظيمية للطبيب والمؤسسات الصحية من خلال المواد 33 و 59 و 72 وكذا 87 من القانون 131.13، هذه الأخيرة التي تفيد بترسيم العلاقة بين الطبيب وبين المؤسسة الصحية، مشيرا إلى أن المشرع المغربي لم يحدد طبيعة المسؤولية المدنية للطبيب، ونفس الشيء بالنسبة للتشريعات المقارنة كما هو الحال بالنسبة للتشريع الفرنسي والمصري، مؤكدا اختلاف الفقه والقضاء حول طبيعة هذه المسؤولية حيث يمكن التمييز بين اتجاهين، الأول يضفي على هذه المسؤولية الطابع التقصيري، والثاني يقول بأنها ذات طبيعة عقدية.
ووقف المتدخل عند الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود بشان المسؤولية التقصيرية، وضرورة التعويض عن الضرر إذا تبث أن الفعل هو السبب المباشر الذي أدى إلى حصوله، وكذا الفصل 78 الذي ينص على إثبات كون الخطأ هو الذي أفضى بشكل مباشر إلى الضرر، مشيرا إلى أنه لكي تنعقد مسؤولية الطبيب في إطار المسؤولية التقصيرية فإنه يتعين على المريض أو ذوي حقوقه إثبات تقصير الطبيب في العناية بالمريض على نحو ألحق ضررا به، ولا يتحلل الطبيبة من المسؤولية إلا إذا أتبث خطأ المريض أو القوة القاهرة. بعد ذلك انتقل الأستاذ هروش إلى بسط التفاصيل القانونية المرتبطة بالمسؤولية العقدية، حيث يرتبط الطبيب بعقد مع المريض، قوامه التزام الاول ببذل العناية اليقظة والجهود الصادقة المخلصة التي تقتضيها حالة المريض الصحية بشكل يتطابق مع الأصول الثابتة لمهنة الطب ومقتضيات التطور العلمي، مشيرا بعد ذلك إلى أنه أمام الصعوبات التي اعترضت المرضى في إثبات مسؤولية الأطباء عما يلحقهم من أضرار نتيجة التدخل العلاجي أو الجراحي، اتجه الفقه والقضاء إلى تكييف مسؤولية الطبيب عن الأخطاء.
اليوم الدراسي تمخضت عنه عدد من التوصيات المهمة، ومن بينها التأكيد على تحمل المسوؤلية المدنية والقانونية في حالة التقصير وفقا لما تنص عليه نصوص قانونية محددة، وضرورة أن تكون المصحات تحظى بتأمين شأنها في ذلك شأن الأطباء، إلى جانب دعوة الهيئة الوطنية للأطباء لفتح نقاش جاد ومسؤول مع وزارة العدل من أجل إيقاف المتابعات القضائية ضد الأطباء طبقا للقانون الجنائي، وضبط وتحديد المفاهيم التي تخص الخطأ الطبي، والعمل على إحداث هيئة وسيطة بين المحاكم والأطباء تتكون من خبراء واختصاصين للتدقيق في هذه المفاهيم وما يحيط بها وتبعاتها.
ومن بين الخلاصات الأخرى التي خلص إليها المشاركون في هذا الحدث الصحي والعلمي، التوصية التي همّت التأكيد على ضبط التدبير المحاسباتي للمصحات بشكل سليم وواضح بخارطة طريق شهرية تسمح بالوقوف على أية اختلالات ممكنة من أجل سياسة تدبيرية ناجعة، وضرورة الاستعانة بخدمات خبراء واختصاصيين في المجال المحاسباتي والضريبي وتدبير المخاطر، مع التنبيه إلى حجم القلق الذي يعيشه المهنيون نتيجة لبعض الممارسات الإدارية المرتبطة بالمراقبة الضريبية، والتشديد على أن تدبيرا محاسباتيا شفافا لا يضمن نجاح أجواء المراقبة، وهو ما يستوجب الاستشارة مع خبراء في المجال الضريبي والقانوني لتفادي أي انحراف في هذا الإطار، والتشديد على ضرورة مواصلة اللقاءت التكوينية في عدد من المحاور الأساسية المرتبطة بالعمل اليومي للأطباء والمصحات.


بتاريخ : 01/12/2018