الدبلوماسية الثقافية ورهان الوحدة الإفريقية

يشارك خبراء وباحثون من المغرب وبلدان إفريقية في ملتقى دولي تنظمه جامعة محمد الأول بوجدة، على مدى يومين، لبحث قضايا متصلة بالدبلوماسية الثقافية ورهان الوحدة الإفريقية.
ويثار النقاش، خلال هذه التظاهرة التي تنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بشأن دور الدبلوماسية في تعزيز السلم والتقريب بين الشعوب والثقافات، وإغناء ثقافة الحوار والتعايش وترسيخ القيم الإنسانية الداعية إلى التسامح والسلام من أجل كسب رهان الوحدة الإفريقية.
وقال رئيس الجامعة محمد بنقدور، في افتتاح هذه التظاهرة الدولية اليوم الأربعاء، إن المغرب يقدم «نموذج القوة الناعمة في إفريقيا» القائم على تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز الدبلوماسية الثقافية والتعريف بالموروث الحضاري الوطني وإبراز خصائص الهوية المغربية المستندة على الاعتدال والانفتاح والتسامح والتضامن مع الشعوب.
وأبرز انخراط الجامعة، بكل مؤسساتها، في هذا التوجه المغربي نحو إفريقيا من خلال المساهمة الفعلية والفعالة في تنظيم وتأطير العديد من التظاهرات الثقافية والعلمية، واستقبال العديد من الطلبة القادمين من البلدان الإفريقية الشقيقة من أجل توطيد العلاقات بين المغرب ومحيطه الإفريقي، ومد جسور علاقات ثقافية متينة، وأداء دور ريادي في هذا المجال.
وقال «جامعتنا تلتزم بتسخير ما تملكه من مؤهلات وكفاءات في مجالات البحث العلمي والمعرفي لخدمة التنمية الشاملة في إطار التعاون بين الجامعات الإفريقية (..). والمساهمة في العمل الثقافي جزء لا يتجزأ من تحرك الجامعة نحو أهدافها ورسالتها المتجلية في بناء الإنسان».
وفي سياق ذي صلة، لفت السيد بنقدور إلى أن هذه التظاهرة العلمية، التي يتزامن تنظيمها مع حدث اختيار مدينة وجدة عاصمة للثقافة العربية للعام 2018، تبرهن على الحضور الجاد للجامعة في مختلف المحطات المهمة، مشيرا إلى أنها أعدت برنامجا ثقافيا متنوعا خاصا بهذه المناسبة التاريخية يسعى إلى تكريس البعد التنموي والنهوض بالمشهد الثقافي.
من جانبه، قال والي جهة الشرق، عامل عمالة وجدة أنجاد معاذ الجامعي إن علاقات المغرب بإفريقيا لا تجد سندها في التاريخ فقط، وإنما هي أيضا علاقات في الحاضر والمستقبل، وهو ما تعكسه السياسة الخارجية الجديدة لبلادنا، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي يحرص على القيام بزيارات لعدد من الدول الإفريقية في إطار دبلوماسية ملكية أعادت للعلاقات المغربية الإفريقية وهجها، وبعثت الروح من جديد في الروابط العريقة والمتجذرة التي تجمع المغرب بإفريقيا، من خلال إحياء الإرث التاريخي المشترك، واستغلال واستثمار مساحات تآزر وتعاون جديدة وواعدة.
وأكد أن المغرب، وبالنظر إلى موقعه الجيو – استراتيجي كصلة وصل بين إفريقيا وأوروبا، ومفترق طرق للأسواق العالمية، ووضعه الاعتباري العالمي الذي تغذيه بشكل كبير المكانة المتميزة لصاحب الجلالة، كأحد القادة الدوليين البارزين، وبتأثيره الفاعل في الساحة الدولية، أضحى قبلة مفضلة ووجهة رئيسية لعدد كبير من الدول الإفريقية، وعيا منها بأن مصالحها لن تتعزز ومستقبلها لن تكون له آفاق واعدة إلا من خلال تمتين التعاون مع المغرب.
وأوضح الوالي أنه كان من نتائج ذلك أن «تعززت العلاقات الاقتصادية والتجارية المغربية الإفريقية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأضحت مثالا يحتذى به في التعاون جنوب – جنوب، كما عادت بلادنا إلى الاتحاد الإفريقي خلال السنة الماضية».
وفي السياق ذاته، لم يفت والي جهة الشرق أن يشير إلى أن الثقافة أصبحت مدخلا مهما لتوحيد الدول والشعوب من خلال صور وتعابير شتى، يتعين أن تستثمر إلى أقصى مدى ممكن من خلال الدبلوماسية الثقافية، التي تعرف تطورا متصاعدا في السنوات الأخيرة، ويعول عليها كثيرا من أجل تقديم إضافة نوعية للعمل الدبلوماسي المؤسساتي.
واستناد إلى ذلك، أكد السيد الجامعي أن المغرب عزز من آليات وحضور هذه الدبلوماسية في علاقتها بإفريقيا، نظرا لما يربطهما من تاريخ وحاضر ومستقبل ثقافي مشترك.
من جهته، قال رئيس مجلس جهة الشرق عبد النبي بعيوي إن التعاون المتعدد الأبعاد مع القارة الإفريقية يعد خيارا استراتيجيا للمغرب، يهدف إلى تقوية وتطوير العلاقات مع الدول الإفريقية، في إطار متكامل وشراكة جنوب – جنوب، مؤكدا أن هذا الخيار لا يهدف فقط إلى الحفاظ على الروابط المتجذرة مع دول إفريقيا ولكنه يروم كذلك جعل التنمية بالقارة عملا تشاركيا.
وتوقف عند إسهام الأبعاد الثقافية في استثمار القوة الذكية والناعمة المتوفرة للنخب الفكرية والفنانين والمبدعين، خدمة للمصالح العليا والقضايا الوطنية والدفع بها في اتجاه تحقيق وحدة إفريقيا، في تناغم مع الدينامية التي تعيشها هذه القارة.
من جانب آخر، أفاد السيد بعيوي بأن مجلس جهة الشرق بادر إلى إبرام مجموعة من اتفاقيات الشراكة والتعاون مع بعض الجهات الإفريقية في إطار التعاون الدولي اللامركزي.
وأوضح أن المجلس يطمح إلى الانفتاح أكثر فأكثر على الفضاء الإفريقي، ويسعى إلى اغناء هذه المنظومة التعاقدية وتفعيلها عبر المساهمة في خلق إشعاع تنموي على مستوى الجهات الإفريقية باعتبارها أحد المكونات الترابية التي من شأنها أن تشكل الوعاء الأمثل لتبادل التجارب واستثمار الخبرات، والفضاء الأنسب لدعم المبادرات الخلاقة التي تتيحها آليات الدبلوماسية الثقافية وإنعاش دورها في تقريب الشعوب وتوحيد الرؤى والدفاع عن المصير المشترك للقارة.
وفي كلمة بالمناسبة، استعرض رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة مصطفى بنحمزة محطات تاريخية مشتركة ساهمت في توطيد العلاقات المغربية الإفريقية، مبرزا أن ثمة روابط ودية راسخة بين إفريقيا وبين المغرب الذي ساهم في إفشاء رصيد غير قليل من المعرفة بهذه القارة.
وتوقف رئيس المجلس العلمي المحلي عند تاريخ «التواصل العلمي القوي» بين العلماء المغاربة ونظرائهم الأفارقة، لا سيما من خلال الرحلات العلمية كما وثقتها كتب التاريخ.
وقال بنحمزة، في هذا الصدد، إن»الثقافة الإسلامية قدمت لنا نماذج من الأفارقة، من ذوي الأصول الإفريقية، على أنهم نماذج للحكمة».
وبدوره، ألح الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة محمد رفقي على الحاجة إلى تصحيح الصور النمطية عن إفريقيا وثقافاتها وخصوصياتها، بالنظر إلى أنها قارة شاسعة الأطراف ومتنوعة الأعراق، بذاكرة جماعية وموروث حضاري وإسهامات مشهود بها في الحضارة الإنسانية.
واستعرض رفقي عددا من التحديات الحالية على مستوى البحث العلمي الثقافي الإفريقي، مسجلا نقصا ملحوظا على هذا الصعيد، لا سيما على المستوى الجامعي، وفي المادة العلمية المتخصصة في هذا المجال، خاصة تلك المتعلقة بالدراسات الإثنولوجية والأنتربولوجية واللغوية.
وخلص إلى التأكيد على أن «الإرادة والتكاثف والتعاون الإيجابي في المحافظة على الموروث الثقافي الإفريقي أصبح واجبا حضاريا يستدعي مشاركة ومساهمة الجميع لحفظ ورعاية الثقافات الإفريقية، بوصفها رأسمال رمزي يعد كذلك ملكا للأجيال القادمة».
ويبحث المشاركون في هذه الندوة آفاق المشترك الثقافي المغربي – الإفريقي، وسبل تعزيز التواصل الثقافي بين الجانبين، باستحضار الدور الفاعل الذي تضطلع به الثقافة، بمفهومها الشامل، في تعزيز العلاقات المغربية الإفريقية، على اعتبار أن المملكة تتقاسم مع إفريقيا جزء غير يسير من التاريخ والمصير والثقافة.
ويتداول المشاركون، في هذه التظاهرة الدولية مواضيع متصلة، على الخصوص، بالمشترك الإفريقي كسبيل لتعضيد الوحدة الإفريقية، ودور الدبلوماسية الثقافية في تعزيز مكانة المغرب، والتواصل الثقافي بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء، والتراث الصوفي وترسيخ الوحدة الإفريقية، ودور الزوايا الصوفية في توطيد العلاقات المغاربية الإفريقية.


بتاريخ : 07/04/2018