الدكتورمحمد السرغيني والموسيقار الراحل عبد الرحيم السقاط والمبدع محمد المزكلدي.. ثالوث جمعهم عشق الشعر والموسيقى وفرقهم الموت

 

نزر قليل من النقاد والأدباء من يعرف أن الشاعر الصوفي الدكتور محمد السرغيني فنان عاشق للموسيقى ومولع بالاستماع إلى أجمل الروائع المغربية والعالمية، وقليل من الباحثين في مجال تطورالأغنية المغربية العصرية، من يعرف العلاقة المتينة التي كانت تربطه بالموسيقار الراحل عبد الرحيم السقاط والمبدع المطرب ذي الصوت الرقراق الراحل محمد المزكلدي، ثالوث جمعهم الشعر والموسيقى وفرقتهم الموت.
في الوقت الذي كان يتابع فيه الدكتور السرغيني دراسته بجامعة القرويين، كان الآخران يتابعان دراستهما بثانوية مولاي ادريس العصرية، وكان طلبة القرويين النبهاء منهم يلتمسون التكامل مع طلبة ثانوية مولاي ادريس تلمسا للتكامل الثقافي.
تمسك كل واحد باختياره، عبد الرحيم السقاط نذر نفسه للعزف على العود، والمزكلدي للغناء والدكتورالسرغيني للشعر، وكانوا يدمنون على التلاقي يوميا، تارة بمنزل عائلة السقاط بحي جرنيز، وأخرى بدارأسرة المزكلدي بجزام بن زكوم، وتارة بمنزل السرغيني براس الجنان، بالمدينة العتيقة، وبهذه اللقاءات المستمرة كانوا يؤكدون للملأ أن الفنون تتكامل، فلا غناء بدون عزف ولاعزف بدون تذوق للشعر، فكانت لقاءاتهم عبارة عن تداريب تتخللها تطبيقات عملية أساسها فهم ما استعصى من شعرالمحدثين في الشرق واستيعاب ما جد من ألحان عبد الوهاب على الخصوص.
وأتى زمن الحسم حيث اختاروا أن يدفعوا بالهواية إلى الاحتراف الذي امتهنوه في ما بعد، حيث قرروا الهجرة إلى المنبع أي القاهرة، ولم يفترقوا إلا مدة وجيزة، وصلوا إلى باريس كل بطريقته الخاصة ليرحلوا بعد ذلك إلى القاهرة، حيث التقوا فيها على حال من البؤس والتعقيد الذي صاحب قبولهم في المعاهد التي تستجيب لرغباتهم وطموحهم.
في القاهرة كما في باريس، رجعوا إلى الشذو والعزف والروائع الشعرية تنفيسا لمعاناتهم في الغربة ولما لقوه من استقبال مثبط للعزائم.
لم يستطع السرغيني تحمل الإحباطات التي عاشها في القاهرة تحقيقا لطموحه، وعاد إلى باريس لإتمام دراسته العليا، في حين فضل السقاط والمزكلدي البقاء بالقاهرة إلى أن استقام لهما المقام للالتحاق بالمعهد الموسيقي هناك.
ولماعاد الثلاثة إلى فاس في تواريخ مختلفة،عاودوا اللقاءات المستمرة كأنهم لم يفترقوا، وكانوا متشبعين بثقافة عليا، السرغيني تبحر في ألوان الشعر إلى أن استقام به المقام شاعرا صوفيا متآلفا يستمد إلهامه من الصفاء الروحي، أما الراحل عبد الرحيم السقاط فقد عزم على تجديد الأغنية المغربية العصرية إيقاعات وإلحانا..، فكان أن أبدع أغنية “علاش ياغزالي” التي غناها الراحل المطرب المعطي بن قاسم، والتي لقيت إقبالا جماهيريا منقطع النظير و”بلغوه سلامي” التي أداها قي بداية مشاوره الفني الموسيقار عبد الوهاب الدكالي إلى جانب عدد هائل من الأغاني الرائعة في طليعتها ف “قطار الحياة” التي أداها المطرب عبد الهادي بالخياط،هذه الرائعة التي لازالت تطرب الإسماع وتحرك الأحاسيس والوجدان رغم أن تلحينها مر عليه أكثر من ثلاثة عقود، بالإضافة إلى تلحينه لمجموعة من القصائد الشعرية لفطاحل الشعراء في طليعتهم نزار فباني.
ولعل ماعرفته الموسيقي المغربية من تطور على مستوي اللحن والأداء والكلمات لم يكن الدكتور السرغيني بعيدا، عنه فكل روائع عبد الرحيم السقاط وأغاني محمد المزكلدي الجميلة من بينها “الوردة والعروسة”، كان يبدي رأيه فيها قبل تسجيلها في استديو احمد الشجعي بإذاعة فاس، وكثيرا ما كان يقترح تغيير بعض الكلمات والجمل الموسيقية، وكان لايغادر منزل السقاط الذي التحق بجوق إذاعة فاس بعد عودته من الشرق إلا بعد أن يشنف سمعه بعزف منفرد على العود ليحلق به في عوالمه الروحية الصوفية ليعود منتشيا إلى منزله مستعدا لاستقبال طلبته بحيوية ونشاط فائقين في اليوم الموالى بمدرجات كلية الآداب ومتلهفا للتواصل مرات عديدة مع الراحلين المزكلدي والسقاط في جلسات فنية وقراءة القصائد الشعرية التي يتم انتقاؤها من طرفه قصد إعطائها الألحان المناسبة.
هكذا ظل الدكتور السرغيني وفيا لعلاقته الإنسانية مع الفنانين الراحلين السقاط والمزكلدي، وكان ولايزال يذكر تلك الفترة الذهبية للموسيقي المغربية رغم انشغالاته واعتكافه على كتابة الروايات والقصائد الشعرية رغم المرض الذي ألم به والذي منعه من استقبال الأصدقاء وممارسة رياضة المشي المفضلة لديه بشارع الحسن الثاني ووقوفه المستمر بالمقهى الأدبي “ايريس” التي حاضر فيها عدة مرات، وكانت له بها أيضا حوارات أدبية وفنية شيقة مع عدد من الزملاء من بينهم الإعلامي الشاعر الروائي إدريس الواغيش.


الكاتب : فاس: محمد بوهلال

  

بتاريخ : 19/01/2019