الدلالات السياسية للبيان الصادر عن المجلس الوطني

اختتم المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية دورته العادية ليــوم 29 شتنبر 2018 بالمصادقة على البيان الهام، الذي تضمن أهم خلاصات التقرير السياسي الشامل، الذي  تقدم الكاتب الأول للحزب الأخ إدريس لشكر، وعكس من جهة ثانية مضمون النقاش الوازن لأعضاء المجلس، الذين حضروا بكثافة  من كل الأقاليم والجهات، للتعبير عن هموم وانشغالات مناضلات ومناضلين الحزب.
وتكمن أهمية وقوة ومتانة البيان الصادر عن برلمان الحزب المنعقد في دورته الثانية لهذه السنة، حسب ما هو منصوص عليه في النظامين الأساسي والداخلي للحزب، في تناوله لكل القضايا الأساسية التي تشكل محط اهتمام وانشغال الشعب المغربي في ظل الظرفية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تجتازها البلاد.
ففي مستهل البيان، ووقوفا عند قضية الشعب المغربي الأولي، قضية الوحدة الترابية، أكد البيان بقوة  وعزم أن المغرب الذي تقدم  كثيرا في البحث عن حلول سلمية متوافق حوله، عبر مقترح الحكم الذاتي، لن يتخلى أبدا عن سيادته على الأقاليم الصحراوية ، مهما كان الثمن، داعيا في نفس الوقت الدولة الجزائرية باعتبارها الخصم الأساسي إلى إسقاط القناع  والتخلي عن  لعبة  التخفي الفاضحة التي تمارسها. وبهذا التعبير الواضح والصريح يكون الاتحاد من خلال بيان مجلسه الوطني  قد أكد مرة أخرى على موقفه الوطني الثابت  والصلب تجاه مغربية  أقاليمه الصحراوية.
أما الموضوع الثاني، الذي عكسه بيان الدورة الأخيرة للمجلس الوطني، والذي احتل حيزا كبيرا من التقرير السياسي الهام الذي قدمه الكاتب الأول للحزب،  والذي كان محط نقاش واسع من طرف أعضاء المجلس الوطني، فيتعلق  بالوضع الاجتماعي والاقتصادي، الذي  تجتازه بلادنا، والذي  يشكل مصدر قلق للشعب المغربي وسببا من أسباب التوتر والاحتجاجات التي شهدتها بعض الأقاليم.
وفي هذا الصدد، لم يفت البيان، أن استحضر ما جاء في خطاب العرش وخطاب ثورة الملك والشعب، خاصة ما يتعلق بالوقوف على الخصاص والاختلالات، التي تعاني منها بلادنا في العديد من المجالات، مستشهدا في نفس الوقت  بما خلصت إليه التقارير الرسمية للهيئات الوطنية المختصة وهيئات الحكامة من خلاصات واستنتاجات.
وبناء على هذه المعطيات، أكد البيان أنه لامناص من المعالجة الجذرية والفورية لهذه  الأوضاع من خلال تبني سياسات وحلول ذات طبيعة جدية واستعجالية.

إلا أن البيان لم يترك الفرصة تمر دون أن يسجل قلق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تجاه الاختلالات، التي يعاني منها  تماسك الأغلبية الحكومية، التي يعتبر استمرارها عائقا أمام تقدم أي معالجة لأوضاع البلاد في مختلف المجالات، هذه المعالجة التي أكد البيان بأنها تفرض بادئ ذي بدء عقد اجتماع للأغلبية الحكومية من أجل الانكباب على اتخاذ الحلول الناجعة والملموسة.
وفي هذا الصدد، أكد البيان بشكل خاص أن معضلة البطالة، يجب أن توضع على رأس قائمة الأولويات في عمل الحكومة، معتبرا أن المجهودات الحالية المبذولة لإيجاد الحلول، ليست كافية أمام تنامي الطلب على الشغل، مستحضرا في هذا الصدد تلك المواقف والمقترحات العملية والواضحة،  التي سبق للحزب أن تقدم بها، والتي ووجهت -مع كل الأسف- بالتجاهل التام.
كما أشار البيان من جهة أخرى، إلى التراكمات السلبية، التي سجلت في مجالات هامة وذات حساسية كالتعليم والصحة والحماية الاجتماعية والسكنى والنقل وغيرها.
وأكد البيان في هذا المضمار، مستحضرا قناعاته واختياراته الفكرية والسياسية  كحزب يساري ديمقراطي اشتراكي، على  ضرورة القطع مع الخلفية والمنهجية التي أدت  إلى تفاقم أوضاع هذه القطاعات،  وذلك من خلال انتهاج سياسة اقتصادية واجتماعية وثقافية  بديلة، تتواخى تحقيق التوازن بين الطبقات، وتراعي تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتتخلى -في المقابل- عن الانحياز التام  للطبقات الغنية والمصالح الريعية والفئات الطفيلية.
ومن  بين التدابير والإجراءات، التي دعا البيان الحكومة إلى تبنيها نذكر : سن نظام ضريبي جديد أكثر إنصافا وتوازنا، وتشجيع الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة  بتحفيزات ملموسة وحقيقية، ووضع حد لجشع المضاربين والمحتكرين وللربح اللامشروع والمنافسة غير الشريفة، كما دعا البيان إلى تبني سياسة اجتماعية في إطار قانون المالية القادم باتخاذ إجراءات ملموسة لتحسين الدخل والزيادة في الأجور والتعويضات العائلية، وإدماج خصم ضريبي لصالح الأسر التي تدرس أبنائها  في التعليم الخاص، وترشيد نفقات التسيير، وجعل الاستثمارات العمومية دعما للتشغيل، ومأسسة الحوار  الاجتماعي…
وقد عكس  بيان المجلس  الوطني بشكل خاص، ما جاء في تقرير  الكاتب الأول للحزب، وما أعقبه من  نقاشات  حول ملف  التربية  والتعليم، حيث أكد على ثوابت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في هذا الصدد، معتبرا أنه لاينبغي معالجة الملف بمنظور سياسوي أو  إيديولوجي ضيق،  أو من  خلال بعض التوافقات الشكلية والظرفية، بل من خلال الاحتكام إلى التطور الذي يعرفه العالم في مجالات العلم والفكر والمعرفة والتكنولوجية.
وأكد البيان أن الأمر يقتضي إجراء إصلاحات هيكلية عميقة من أجل وضع أسس مدرسة عمومية وطنية حداثية، تضمن تكافؤ الفرص بين  أبناء الشعب وتوفر العدالة في دراسة اللغات الأجنبية للجميع والجودة  في التدريس بشكل  متساو، وتلعب دورا إيجابيا في التنشئة الاجتماعية.
ولم يفت البيان أن أكد مرة أخرى، على تشبث الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمبادئ، التي شكلت مرجعيته السياسية والاجتماعية وعلى رأسها مجانية التعليم كحق من حقوق الشعب المغربي، والتزام وتعاقد واضحين من طرف الدولة مع المجتمع.
وعلى المستوى المؤسساتي، أكد البيان على ضرورة  التفعيل الجدي والديمقراطي  لمقتضيات دستور 2011، خاصة ما يتعلق بمبادئ الحكامة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتطوير آليات وخدمات المرفق العام.
وتضمن البيان في هذا الصدد موقف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الداعي إلى المراجعة الجذرية للمنظومة الانتخابية، ونهج إصلاحات سياسية حقيقية  للقطع مع الفساد الانتخابي، الذي لم يعمل سوى على تشويه صورة مؤسساتنا التمثيلية، والحكم عليها بالضعف والوهن والشلل، بسبب تفشي مظاهر الرشوة والمحسوبية والتسيب وإقصاء الكفاءات.
إن ما عالجه البيان من قضايا وما عبر عنه من مواقف في كل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والتي تعكس هموم وانشغالات الشعب المغربي، في ظل  الظرفية الراهنة، ستشكل  بدون شك خارطة طريق بالنسبة لكافة مناضلات ومناضلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مختلف الأقاليم والجهات، وهو ما جعل البيان يؤكد على ضرورة التعبئة والاستنفار من أجل الدفاع عن مبادئ الحزب، وموافقة داخل المجتمع، وعلى مستوى كل الواجهات ومختلف المؤسسات وطنيا وإقليميا.
وأكد البيان على ضرورة انفتاح كل التنظيمات الحزبية على كل الطاقات الاتحادية، باعتبارها الدعامة  الأساسية لتأطير وتوعية وتعبئة الشعب المغربي، وباعتبار أن الاتحاد بيت  لجميع  أبنائه  وبناته، مما يقتضي نبذ الخلافات الجانبية، وتسوية المشاكل الداخلية والتوجه  بقوة  وعزيمة نحو المستقبل بخدمة أهداف ومبادئ الحزب وخدمة المصالح العليا للوطن.


الكاتب : بقلم : عبد الحق عندليب

  

بتاريخ : 08/10/2018