الرقابة والاضطهاد في العالم العربي .. بيدرو بوينديا

 

في عام 1994 تمّ إعلان أستاذ الجامعة المصريّ نصر حامد أبو زيد مرتدّا ومطرودا من جامعة القاهرة ومجبرا بشكل شرعيّ على طلاق زوجته وبعد ذلك مغادرة مصر تحت التهديد بالموت. في بلد اعتاد الاضطهاد والرقابة، لم تكن حالة أبو زيد مجرّد مثال آخر على الاضطهاد السياسيّ، بل كان هجوما مفتوحا من قبل عديد الجبهات في المجتمع المصري ضدّ واحد من أهمّ المراجع العالمية في تأويل القرآن، كان عقابا جماعيا لا يستند إلى قانون والحكومة المصرية لم تستطع أو لم تشأ أن تتدخّل فيه. قانون الأحوال الشخصية، الصحافة المصرية نفسها، جامعة الأزهر الألفية، زُمَرٌ متنوّعة من الإسلاميين، العديد من المساجد وجامعة القاهرة نفسها، حفنة من المحامين غير المدقّقين، كلّ هؤلاء قاموا بهذا العمل، والحكومة المضطهدة والديكتاتورية لنظام حسني مبارك، لأوّل مرة، لم تكن على علاقة بالأمر أو كانت على علاقة طفيفة به. كانت جريمة نصر أبو زيد أنه قام بالتدليل أكاديميا، كما فعل إراسموس قبله بعدّة قرون في أوروبا، على أنه لا بدّ من تأويل القرآن كنصّ أدبيّ عبر الفيلولوجيا والنقد الأدبيّ.
إنّ عقاب ِأبو زيد، في أوج فترة “السياسة الواقعية” realpolitik الأمريكية وأوروبا النائمة بعد الحرب الباردة، تمّت، بالكاد، الإشارة إليه في الإعلام الغربيّ. ومع ذلك كان الذروة لسلسلة طويلة من الهجوم على حرية التعبير والتي بدأت في العشرينات، في مصر كذلك، مع العلامة على عبد الرازق ومع الكاتب طه حسين ومع شيخ شقيّ آخر يدعى حامد أبو زيد.
الأمر الخطير في الحالات السابقة ليس أنها شكلت حلقات أساسية وجوهرية من السلسلة التي لا تنتهي من الاستغلال واغتصاب الحريات التي تحدث يوميا في البلاد العربية المضطهدة (بكسر الهاء) منذ أكثر من ثلاثة عقود، إنّ الخطير في الأمر حقيقة هو خروج هذه الحالات من مؤسّسات أو محاكم بعيدة عن السلطة والحكومة ونشأت بين فاعلين وطبقات كالجامعة والصحافة والدوائر الدينية، أجهزة تنتمي جميعا لما يسمى المجتمع المدني، وهذا يعني أنّ المواطنين العرب لم يكن عليهم أن ينشغلوا فقط منذ سنوات بعيدة بالاضطهاد الذي تمارسه عليهم حكومات استبدادية وديكتاتورية، بل إنّ هذه المجتمعات نفسها تكون بمثابة أدوات فاعلة للاضطهاد والرقابة والتي تعمل من داخل النسيج الاجتماعيّ نفسه.

الكهنوت والسلطة السياسية: التحالفات الدينية
أبرز فريد زكريا، بشكل صائب، أنه في حوالي الخمسينات من القرن الماضي، وقبل صعود عبد الناصر إلى السلطة، كانت لدى البلاد العربية آمال أفضل في النمو والتقدم من بعض المناطق الأخرى في العالم مثل كوريا الجنوبية وماليزيا، ومع الاستقلال الناشئ كانت هناك آمال كبيرة في استعادة الماضي المشرق. كانت النزعة الإنسانية العربية منذ نهاية القرن التاسع عشر قد باشرت إعادة تفعيل واعدة بشكل مؤكد على أيدي عبد الرحمن الكواكبي وقاسم أمين وهدى شعرواي وغيرهم. كانت الحكومات المضطهدة تبحث في الدين عن الشرعية التي لا تجدها، إن المملكة العربية السعودية وسودان النميري وباكستان ضياء الحق في حقبة رونالد ريجان لهي أمثلة واضحة على ذلك. في حلقة مفرغة لا تتوقف قامت الحكومات الديكتاتورية بالتنازل تدريجيا لمطالب السلطة من قبل الطبقات الدينية كي تتمكّن من التحلي بالشرعية التي تتوق إليها. حسب كلمات ليز جارون فإنّ هذه الحكومات أخذت في تشكيل مجتمعات ” اعتادت على انتظار أي شيء من النظام وسعيدة بالاستماع إلى خطبهم حول الديمقراطية والحرية والتعددية” لقد امتدّ نوع من الديكور المزيّف للديمقراطية أينما حلّ إلى جانب الصور الموجودة في كلّ مكان لحافظ الأسد وبن علي والحسن الثاني ومبارك. بدورها، حيث النظام الشمولي يقطف ثمار الاقتصاد وينسى وظائفه، فإنّ الحركة الإسلامية كانت تحلّ محلّه ببطء في المجتمع المدنيّ. كان الاتّفاق قد تمّ: للدولة الحرية في اشتراع القوانين وإقرار السياسة الخارجية وإدارة الاقتصاد على هواها، وفي المقابل للدوائر الدينية الرسمية ضوء أخضر كي تدير المجتمع كما يحلو لها. نؤكّد على أنّ السلطة المتنازل عنها للفاعلين الدينيين ليست ذات طبيعة سياسية، بل القدرة على التدخل بحرية في الحياة اليومية للمجتمع. إذا كانت الدولة فاسدة فكذلك هم العلماء من نوعية شيل وحط المصدق عليهم من قبل الحكومة. إن الإمام الأكبر للجامع الأزهر يعين من قبل حكومة مبارك وله رتبة وزير. في مصر تحولت جامعة الأزهر إلى الرقيب الأساسي على الحياة الثقافية والأدبية. “رغم أنّ القانون، يشرح تريفور موستين، قد قصر بشكل تقليدي دور الأزهر على مراجعة الكتب التي تتعلق بالقرآن والسنة. مع نمو الحركة الإسلامية السياسية فإنّ المزاحمات شبه الرسمية للأزهر زادت كذلك بشكل متصاعد. إن المنع الديني لم يتوقف عند الارتيابية في وجود الله أو في الأنبياء أو في القرآن، لكن نطاق الرقابة الأزهرية امتد حتى شمل كل ما له علاقة بالإسلام سواء أكان على شاكلة ثقافية أو تاريخية أو تحليلية أو سياسية أو تخيلية”. أحيانا تكون مجرد مكالمة تليفونية من الأزهر كافية لإلغاء نشر كتاب أو أن يعلق ناشر مشاريعه.


الكاتب : ترجمة: أحمد يماني

  

بتاريخ : 18/08/2017