الريف في صلب الحدث الوطني: ديبلوماسيا، أمنيا، شعبيا ورسميا

جلالة الملك يأمر بالتحقيق في تعثر مشاريع «الحسيمة، منارة المتوسط» وترتيب المسؤوليات
مسيرات غير مسبوقة يوم عيد الفطر بالإقليم ومواجهات متعددة في العديد من المدن
مواجهات بين المتظاهرين والأمن يخلف عشرات الضحايا والاعتقالات وتضامن شعبي واسع

أصدر جلالة الملك تعليماته لوزيري الداخلية والمالية، قصد قيام كل من المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية والمفتشية العامة للمالية، بالأبحاث والتحريات اللازمة بشأن عدم تنفيذ المشاريع المبرمجة ضمن «برنامج الحسيمة منارة المتوسط» وتحديد المسؤوليات، ورفع تقرير بهذا الشأن، في أقرب الآجال.
وعبر جلالته في بداية الاجتماع للحكومة وللوزراء المعنيين ببرنامج الحسيمة منارة المتوسط، بصفة خاصة – بالقصر الملكي بالدار البيضاء، خلال ترؤسه مجلسا وزاريا- عن استيائه وانزعاجه وقلقه، بخصوص عدم تنفيذ المشاريع التي يتضمنها هذا البرنامج التنموي الكبير، الذي تم توقيعه تحت رئاسته الفعلية بتطوان، في أكتوبر 2015، في الآجال المحددة لها.
كما قرر جلالته عدم الترخيص للوزراء المعنيين بالاستفادة من العطلة السنوية، والانكباب على متابعة سير أعمال المشاريع المذكورة.
كما ذكر جلالة الملك، مرة أخرى، بتعليماته السامية، التي سبق أن أعطاها للمسؤولين وللحكومات السابقة، بألا يتم تقديم أمام جلالة الملك، إلا المشاريع والاتفاقيات التي تستوفي جميع شروط الإنجاز، سواء في ما يتعلق بتصفية وضعية العقار، أو توفير التمويل، أو القيام بالدراسات، على أن تعطى الانطلاقة الفعلية للأشغال في أجل معقول. وأكد جلالته على ضرورة تجنب تسييس المشاريع الاجتماعية والتنموية التي يتم إنجازها، أو استغلالها لأغراض ضيقة.
للإشارة فإن من أهداف مخطط التنمية المجالية «الحسيمة منارة المتوسط» جعل إقليم الحسيمة قطبا تنمويا بامتياز، وقد رصدت له استثمارات مهمة الغرض منها مصاحبة النمو الديمغرافي الذي يعرفه الإقليم وتعزيز موقعه الاقتصادي.
ولفك العزلة عن المناطق النائية بالإقليم فقد عمد مخطط التنمية المجالية إلى إنجاز مجموعة من المشاريع التنموية تهم البنيات التحتية الأساسية كتهيئة الطرق والمسالك، بحيث كان من المقرر أن يعرف الإقليم تهيئة مجموعة من الطرق وخلق أخرى مدارية، كإنجاز وتهيئة 100 كلم من المسالك القروية لضمان ولوج الدواوير إلى الطرق الرئيسية وإحداث 200 كلم من المسالك القروية في إطار برنامج وزارة الفلاحة (مخطط المغرب الأخضر). كما أن 15 مركزا ناشئا و 16 مركزا قرويا بالإقليم كانت ستعرف هي الأخرى تهيئة طرقية وممرات داخلية وإحداث ساحات ومناطق خضراء وربطها بشبكة الصرف الصحي، إضافة إلى إحداث أسواق أسبوعية جديدة ومناطق للأنشطة الاقتصادية، علاوة على ربط 23 دوارا بالكهربة القروية لبلوغ التغطية الشاملة لجميع تراب إقليم الحسيمة .
أما في ما يتعلق بحماية البيئة وتدبير المخاطر فقد كان من المقرر خلق وتأهيل مجموعة من المشاريع التي تعنى بالبيئة، كتأهيل المطرح المراقب بالحسيمة، وتأهيل ثلاثة مطارح غير مراقبة بالإقليم، وإحداث مطرح مراقب بترجيست، وكذا العمل على القضاء على كل النقط السوداء ، إضافة إلى إحداث محطتين لمعالجة المياه المستعملة بكل من امزورن واجدير. كما أن هناك منجزات كان من المفروض أن ترى النور في هذا المجال، ونخص بالذكر إنجاز متحف بحري وآخر بيئي ومختبر للأبحاث البحرية وكذا تثمين المنتزه الوطني.

من جهة أخرى، وفي علاقة بالحراك بإقليم الحسيمة، تم منع المسيرة الموحدة والتي كان من المقرر تنظيمها صبيحة عيد الفطر، حيث تسارعت الأحداث بالإقليم بعدما عمدت السلطات إلى الإنزال الأمني المكثف على الطرق الرئيسية والفرعية وفي مداخل بلدات الإقليم وشوارع وأزقة المدينة لمنع تنفيذ مسيرة العيد التي كانت مقررة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين.
فقد استفاق إقليم الحسيمة صباح العيد على حضور أمني مكثف شمل كل المحاور الطرقية الرئيسية والفرعية التي تؤدي إلى الحسيمة، وهكذا تم وضع أزيد من 5 حواجز أمنية بين امزورن والحسيمة، حيث كان يتم إيقاف أية سيارة قادمة على الطريق و تفتيشها والتحقق من هوية الأشخاص الذين في داخلها و سؤالهم عن وجهتهم وتنقيطهم، ويشمل هذا الإجراء كل مستعملي الطريق سواء عبر سيارات الأجرة أو السيارات الخاصة.
في نفس الإطار انتشرت عناصر أمنية على هضبة «اعبوثن»المطلة على بلدة بوكيدان، كما انتشرت سيارات الأمن والدرك والقوات المساعدة على كل المحاور الطرقية والبلدات المجاورة للحسيمة، كما منع نشطاء من الناظور والدرويش كانوا قادمين إلى الحسيمة من استكمال طريقهم وتم إرجاعهم من حيث أتوا.
ومع اقتراب توقيت انطلاق المسيرة التي كانت مقررة في الساعة الثالثة بعد الزوال، تم إغلاق بعض المحاور الطرقية كليا ومنع الناس من مواصلة طريقهم إلى الحسيمة إلا في الحالات الاستثنائية، ورغم ذلك تمكن العديد من المواطنين من امزورن وتماسينت من الوصول إلى المدينة مشيا على الأقدام أو عبر طرق فرعية غير معبدة، ومع موعد انطلاق المسيرة بدأ المواطنون يتقاطرون على وسط المدينة فانطلقت حملة اعتقالات عشوائية استهدفت كل من يتحرك باتجاه الساحة أو أي تجمع بشري.
وبعد أن تعذر على المواطنين الالتحاق بوسط المدينة، اندلعت مظاهرات متفرقة بوسط المدينة، وقامت القوات العمومية بتفريقها باستعمال العصي والهراوات والغاز المسيل للدموع، الذي قامت بإطلاقه بشكل مكثف باتجاه المحتجين لتفريقهم، غير أن أجواء الكر والفر دامت طويلا حيث يتجمع المحتجون عند كل عملية لتفريقهم لينظموا مسيرات متفرقة يرددون خلالها شعارات تمجد معتقلي الحراك وتطالب بإطلاق سراحهم، وكذلك شعارات أخرى تفضل الموت على «المذلة»وشعارات تطالب برفع العسكرة ووقف الاعتقالات، حيث كان المتظاهرون يرددون شعارات تفيد بسلمية أشكالهم الاحتجاجي وعدالة مطالبهم.
ومباشرة بعد محاولة تفريق المتظاهرين وسط المدينة انطلقت مسيرات متفرقة بكل من حي حدو وموروفييخو وآفزار وادهار مسعود، حيث قامت القوات العمومية باستخدام مفرط للغاز المسيل للدموع لتشتيتها، والذي عم فضاء المدينة وتسبب في إصابة العديد من الأطفال والنساء بأزمات تنفسية استدعت نقلهم للمستشفى الإقليمي بالحسيمة، لتلقي العلاجات الضرورية، كما تم تسجيل استخدام القوات العمومية للعنف اللفظي والجسدي في تفريق المتظاهرين الذين انطلقوا بمسيرات بمختلف شوارع الحسيمة، حيث تدخلت بعنف مفرط لتفريقها وتشتيت إحداها والتي كان مسرحها شارع مبارك البكاي، إذ طبعت هراوات الأمن والمخازنية أجساد المتظاهرين الذين فروا باتجاهات مختلفة، ولم تنجوا حتى النساء من الضرب اللواتي أغمي على ما لا يقل عن 10 منهن ليتم نقل بعضن باتجاه المستشفى لتلقي العلاجات الضرورية.
من جهة أخرى عاين الموقع وجود العشرات من الجرحى في صفوف المحتجين، الذين أصيبوا بجروح وكدمات مختلفة، جراء التدخل العنيف الذي شنته القوات العمومية في حقهم، منها حالة شخص أصيب بجرح غائر على مستوى رأسه تطلب رتقه 9 غرزات.
وحسب مصدر طبي فإنه لحدود الساعة الرابعة مساء استقبل المستشفى الإقليمي بالحسيمة، ما لا يقل عن 6 جرحى من رجال الأمن، و 4 عناصر من الدرك، وفرد واحد من أفراد القوات المساعدة، و 4 أفراد من المدنيين، حيث قدمت لهم الإسعافات اللازمة بعد إصابتهم في عمليات مختلفة بإقليم الحسيمة.
وعرفت الحسيمة عشرات التوقيفات في حق المواطنين الذين تصادف وجودهم وسط المدينة، وتم اقتيادهم لمخفر الشرطة، وما زالت تجهل القرارات المتخذة في حقهم، بالإضافة لمنع المواطنين من المرور بعرباتهم من بعض الشوارع وإرغامهم على مغادرة وسط المدينة ومطاردتهم وتوقيف بعضهم لمجرد الاشتباه في انتمائهم للمحتجين.
من جهتها، أفادت السلطات المحلية لإقليم الحسيمة بأن مجموعة من الأشخاص تضم بين صفوفها أشخاصا ملثمين، قامت باستفزاز القوات العمومية ومهاجمتها رشقا بالحجارة، مما أدى إلى إصابة 39 من أفراد هذه القوات بجروح متفاوتة الخطورة نقلوا على إثرها إلى المستشفى لتلقي الإسعافات اللازمة.
وأضاف المصدر ذاته أن هؤلاء الأشخاص عمدوا أيضا إلى مهاجمة مستعجلات المستشفى الإقليمي وإلحاق خسائر وأضرار مادية بمرافق المستشفى وبإحدى سيارات الإسعاف التي كانت تقل عنصرين من أفراد القوات العمومية المصابين، حيث تم الاعتداء على المصابين الذين كانا بداخلها وكذا على عناصر الوقاية المدنية.
أما بمنطقة أيت يوسف أوعلي، فقد أكدت السلطات المحلية أن مجموعة من الأشخاص أقدمت على تخريب إحدى سيارات المصلحة التابعة للسلطة المحلية، مشيرة إلى أنه تم توقيف كذلك ثلاث أشخاص قاموا بالاعتداء بواسطة عبوات الغاز المسيل للدموع على عناصر الدرك الملكي العاملين بسد المراقبة الطرقية على مستوى منطقة أجدير .
من جهتها أصدرت عائلات معتقلي الحراك بالريف بلاغا إلى الرأي العام على إثر الاجتماع الموسع للعائلات طالبوا فيه بالإطلاق الفوري لسراح كل المعتقلين السياسيين على خلفية الحراك السلمي بالريف، وإسقاط التهم التي يتم التحقيق فيها معهم، وإلغاء المتابعات وأعلنوااعن تشبثهم ببراءة أبنائهم من التهم الثقيلة التي لفقت لهم .
وأدان البلاغ ما أسماه التحركات التي قامت وتقوم بها السلطات المحلية بتوظيف أجهزتها وإمكاناتها من أجل التأثير على عائلات المعتقلين واستغلال ظروفهم الاجتماعية والنفسية المزرية التي يمرون بها من أجل توقيع رسائل استعطاف بشكل فردي لإيهامهم بإطلاق سراح أبنائهم، كما عبروا عن استنكارهم لجميع المحاولات التي تبتغي استغلال معاناة المعتقلين وعائلاتهم والمتاجرة بها لتحقيق أهداف سياسية ضيقة.


الكاتب : محمد رامي

  

بتاريخ : 28/06/2017