الشاعرة مريم كرودي لـ «الاتحاد الإشتراكي»: الحركة الإبداعية بالشمال تكاد تتوقف ولا أعرف أين الخلل

مريم كرودي شاعرة وكاتبة صحفية شاركت في العديد من المحافل الشعرية  والمهرجانات الأدبية، أهمها المهرجان المتوسطي للشعر بالمضيق والمهرجان الوطني للشعر والزجل بطنجة ،ليلة المبدعات بدار الشعر بتطوان .كما استطاعت أن تحرز على المركز الأول في مسابقة طنجة الكبرى للشعر والزجل ( صنف الفصيح) سنة 2017، ونشر لها ديوان شعري مشترك مع نخبة من الشعراء الشباب من إصدار دار الشعر بمراكش .
كرودي كاتبة رأي نشرت عدة مقالات في منابر إلكترونية وورقية وكاتبة حاليا في ركن «العايلة مولاتي» الأسبوعي ببريس تطوان،مؤطرة لوشة الشاعر الصغير للأطفال بالمركز السوسيو ثقافي.
في هذا الحوار نكتشف مع مريم كرودي مساراتها مع القصيدة وعلاقاتها مع الكتابة الصحفية وكذا تطلعاتها المستقبلية  مع الشعر والقصيدة .

 

p كيف بدأت مسارات القصيدة والشعر عند مريم كرودي ؟
n مرحلة الطفولة كان لها الأثر الكبير في تكوين القصيدة بداخلي، فالشغف لازمني منذ نعومة أظافري حيث أن ميولي كان أدبيا محضا وكنت أحب كل ما له علاقة له بالتعبير شفهيا كان أو كتابة. إذ كنت أتفنن في استعمال المجاز والتشبيه و..  من أجل خلق صورة شعرية جميلة وإنجاز أعمال متناسقة ومتكاملة ..
أرجع الفضل كله لوالديَّ اللذين كانا بمثابة نور مشع أتبعه للوصول إلى ما أسمو إليه، عملا جاهدين على غرس حب القراءة بي ومرناني على التعبير عن نفسي وعن مشاعري وعن ما يقلقني بسلاسة ودون تكلف.
وأعتبر نفسي محظوظة جدا لوعيهما التام بأن مواكبة حلم طفلتهما وتشجعيها عليه أمران أساسيان لبنائه.

p ما الذي دفعك للكتابة والشعر  ؟
n الجميل في الكتابة أني لم أندفع نحوها، هي من فعلت ذلك! لم أختر الكتابة يوما ولم أقرر أن أكتب هي التي اختارتني، وجدتني أحبها وأستمتع بها وألبي دعوتها متى دعتني.
الكتابة ملجأ وملاذ وفضاء للفضفضة وعبور للروح تجاه العالم، صوت داخلي آن له الأوان أن يخرج عن صمته ويدوي فوق الورق. وكما يروق لي أن أسميها :إدمان لطيف، مكنني من النظر للمحيط من زوايا عدة وشحنني بالأمل والتطلع لقادم أفضل.

p هل هناك مرجعية خاصة تعتمد عليها الشاعرة مريم في بناء قصيدتها؟
n ذكرني هذا السؤال بقصة جميلة لأبي نواس، وقيل أنه استأذن خلفًا الأحمر في نظم الشعر، فقال له:‏ ‏ لا آذن لك في عمل الشعر إلا أن تحفظ ألف مقطوع للعرب ما بين أرجوزة وقصيدة ومقطوعة.‏ ‏ فغاب عنه مدة وحضر إليه، وقال له:‏ ‏ قد حفظتُها.‏ ‏ فقال له خلف الأحمر: أَنشِدْها.‏ ‏ فأنشده أكثرها في عدة أيام. ثم سأله أن يأذن له في نظم الشعر، فقال له:‏ ‏ لا آذن لك إلا أن تنسى هذه الألف أرجوزة كأنك لم تحفظها.‏ ‏ فقال له:‏ ‏ هذا أمرٌ يصعب عليَّ، فإني قد أتقنت حفظها.‏  فقال له:‏ ‏ لا آذن لك إلا أن تنساها.‏ ‏ فذهب أبو نواس إلى بعض الأديرة، وخلا بنفسه، وأقام مدّة حتى نسيها. ثم حضر فقال:‏ ‏ قد نسيتها حتى كأن لم أكن حفظتها قط.‏ ‏ فقال له خلف:‏ ‏ الآن انظم الشِّعر! ‏
أنا تماما كأبي نواس، لا مرجعية محددة لي أعتمد عليها في بناء قصيدتي، أقرأ لشعراء عدة من أجيال مختلفة وجنسيات مختلفة (عرب وأجانب)، ما يثيرني حقيقة هو جمالية النص وشاعريته، أسافر بين الجمل الشعرية بمختلف أصنافها وألوانها، بغض النظر عن من خطها شعرا.
وأشعر أن للشعر لغة موحدة مهما لونتها الألسن تظل قريبة من القلب في كل زمان.

p ماهي الإضافات التي أضافتها مشاركتك في بعض المهرجانات الشعرية خاصة بتطوان؟
n فعل الكتابة هو جرأة قبل أن يكون إبداعا، ومشاركة النص، فعل أكثر جرأة من سابقه،إذ يبقى الشعر بالنسبة لي مجرد حديث روحاني فردي مادام لم تتم مشاركته مع المتلقي، وهذا ما حصل معي وما يحصل دوما في كل مرة أعتلي فيها أحد المنابر الشعرية، أشعر وكأني أعيد كتابة قصيدتي من جديد لكن هذه المرة بمساعدة الحضور، أليس جميلا أن يشعر بك الآخر؟ أن ينتقل معك بتطلع من جملة شعرية لأخرى!  الأمر رائع جدا، في الشعر لا نحتاج لأن يفهمنا المتلقى يكفي أن يشعر بنا فقط، وهذا ما يحدث.
هي إضافات على المستوى الشخصي، تشجيع في حد ذاته واعتراف أيضا كما أنها التفاتة راقية من أشخاص لمسوا فينا الحس الشعري.

p كيف تقيمين الحركة الإبداعية بتطوان بصفة خاصة وبشمال المغرب بصفة عامة؟
n يوجد هنا عدد كبير من المبدعين في مجالات عدة وأظنه أمر طبيعي جدا، فالتواجد في مدينة كتطوان بجمالها، بهدوئها، بتاريخها وأندلسياتها ليس بالشيء الغريب.
لكن الغرابة تكمن في قلة الأنشطة الثقافية، للأسف فالحركة الإبداعية بالمنطقة تكاد تتوقف ولا أعلم أين الخلل!! الشيء الذي ينطبق تقريبا على كل مدن الشمال..!
فالحديث عن الحمامة البيضاء والجوهرة الزرقاء والعروس وغيرها من الجنات، يحرك بداخلنا الإبداع دوما ويعطينا انطباعا إيحابيا عن الثقافة .. وأظنه من واجبنا كجيل صاعد أن نحمل المشعل بجدية ونتمم ما شيده المبدعون السامقون الذين كتبوا التاريخ الثقافي بمداد من ذهب.
p كشاعرة ما موقع المرأة في قصائدك وإبداعاتك؟
n المرأة تسكنني، تعيش بداخلي وتخرج متى انبثق الشعر مني، إن لم أكتب عنها أو لها فأنا أكتبها. حاضرة وبقوة في أعمالي كفكر وروح؛
وقد أسميتها في أحد نصوصي : «شمعة زهرية، تضيء كل بقعة مظلمة في العالم وسحر آسر يجمل كل جميل يحتاج الجمال.» هي بالفعل شمعة تحرق نفسها أحياناً لتنير دروب من حولها ولا أظن أن ما تحتاجه في وقتنا الراهن هو صوت يتحدث باسمها أو وسيط يوصل صوتها..!  المرأة لها صوت يكفيها لتزلزل أرضا بأكملها، ما تريده حقا هو أن تعيش كما تريد هي أن تعيش، ليست في الحاجة لشخص أو أشخاص يرسمون سبيلها ويعبدونه، «أتركوني أحيا كما أود أن أحيا»  هذه أبسط مطالبها.

p بالنسبة لمريم كرودي هل تتخذ القصيدة للهروب من وضع ما أم أنك تتخذينها للانفتاح على كل ما هو جميل ؟
n القصيدة ملاذ السعيد والتعيس معا، لكنها غالبا ما تباغتني في أقوى اللحظات حلما، حزنا وأملا…؛ لم يحدث أن عانقتها وأنا أطير فرحا إلا قليلا جدا، وهذا أمر طبيعي للغاية لقلم عربي لم تكتب له السعادة بعد ولا يزال يفك لغز الهناء، إلا أنه لا يفقد الأمل أبدا ويظل يتغنى بالحياة ويتغزل بجمالها إلى أن تشرق شمس الرخاء من جديد.

p شغفك بالثقافة و الإبداع دفعك إلى عالم آخر يتعلق بالصحافة كيف جاء ذلك ؟
n حلم الصحافة كان يراودني منذ الصغر، كنت دائمة الالتصاق بشاشة التلفاز أو بالأحرى أمام الصحفيات والمذيعات أراقب حركاتهن ومخارج حروفهن، كنت أنجذب للأصوات النسائية الصادرة من المذياع والأقلام النسائية الجريئة خصوصا التي تكتب العمود.
كل هذا كون بداخلي دافعا قويا لاكتشاف المجال وكانت الثقافة بابا واسعا سنحت لي بولوجه.
شغف الكتابة نقلني بسلاسة ولم أتردد لحظة في التفكير مرتين قبل أخذ الخطوة الأولى.

p ماذا تعني أن تكون مريم كردودي شاعرة ؟
n أن تكون حرة في رقعة جغرافية لا وجود لها على أرض الواقع، بينما هي لبنة الواقع، أن تتربص بالوقائع من وجهة نظر مستقلة بها، أن تسمع أصوات القلوب التي تئن خوفا وأن تفهم نظرة الحالم دون أن يتحدث عن حلمه.
أن تدوي بداخلها التساؤلات وتتمسك بجمرة الاستفهام وتسلك سبيل الحالمين بالغد الأفضل وتمضي نحوه ولو سارت وحيدة عكس التيار.


الكاتب : عبد المالك الحطري

  

بتاريخ : 18/11/2019