الشاعر الذي لم يلتفت جهة الحزن ولا البكاء

 

حسم عبد الحميد بن داوود الكائن والمبدع والصحفي والكاتب والشاعر والانسان والفيلسوف وصديقي إلى غير ذلك من صفات أنداده، مبكراً رزم أوراقه عن الوجود واقعا ومعرفة وتجربة وفكرا، نظف الطوية جيدا وألقى بالزوائد في سلة المهملات. وخرج إلى الحياة إلى أن خرج منها إلى دار البقاء والاستكانة الأبدية كما يقال.
فعل ذلك بقوة وكأنه في وضعية يحيى وهو يؤتى كتابه لأول وهلة، ونفض عنه الدهشة، ولم يلتفت لا يُمنة جهة الحزن ولا يساراً جهة البكاء.
كنت أتصور ومنذ عرفته أنه قرأ كتاب «فريديريك إنجلز» «أصل العائلة والملكية والدولة» فهم معناه وإشاراته وطلاسمه وألقى بالكتاب في شلالات « تازة « من أجل فتح جديد ربما أو محو مبين، وربما دفنه وإلى الأبد في مغارة «فري واطو» الأسطورية لكي يظل الكتاب ذاكرة لتاريخ ما وأنشودة للحالمين بأواصر الدم والوظيفة والعائلة والمناصب والنياشين والكراسي المترفة والحاجة الملحة في الزيف والمظاهر وقضايا أخرى.
وعاش حياة أخرى مغايرة ومختلفة عن الآخر والآخرين معاً، عاش حياة تليق بملك ضليل كما هو حال امرئ القيس في أعتاب المعلقات الشريفة، عاش حياة الصفاء والضياء مثل روحه، عاش متصوفا زاهدا عن مستلزمات الدنيا إلا قليلا، وعاش بالفصوص والفُتات ولم يَجُعْ يوما كانت أمعاءه نظيفة وصافية ونقية ولا تتغذى إلا للضرورة ومن أجل البقاء ليس إلا.
تعرفت إلى عبد الحميد بن داوود في بداية عهده بالدار البيضاء وبداية عمله صحفيا بجريدة الاتحاد الاشتراكي نهاية ثمانينيات القرن الماضي عرفني به صديقي الشاعر جلال الحكماوي الذي كان يقطن معه في سكن واحد في شارع وادي الذهب – جميلة 7- سباتة .
ومنذ أن التقينا للمرة الأولى تعامل معي عبد الحميد كما لو أنه يعرفني من مليون سنة ومنذ ذاك اليوم أنا الآخر اعتمدته أخا عزيزا وظل هذا الأمر قائما بيننا في السر والعلن ترعاه السماء أولا والأرض أولا بأول
حدث أننا كنا نجلس إلى بعضنا البعض حدث هذا مرات وفي مدن عديدة البيضاء، الجديدة، الرباط، سلا، أصيلة، العرائش، تارة مع الأصدقاء وتارة أخرى وحدنا.
يومها قال عبد الحميد بنداوود
في أخر جلسة بيننا رأسا للرأس
وكأسا لكأس
وكنت أصغي إليه
إنهم يتحكمون فينا عبر أجهزة تتحكم عن بعد
وعبر الأقمار الاصطناعية
والدليل أنظر إلى عيني كيف ترفرف..؟
وأشار إلى عينه اليسرى أو اليمنى وللتدقيق لم أعد أذكر
لكن الشهادة لله كانت إحدى عينيه تقفز
وأشار إلي أنت الآخر لم تسلم من شرهم
انظر إلى عينك فهي الآخرى بدأت تقفز
ومن حسنات خذر الكأس التي دارت بيننا كترجمان
للحظات الشوق والسعادة المحتملة
قلت له يا عبد الحميد ونحن نضحك من سخرية الأقدار
ما دمنا بهذه الأهمية يا عبد الحميد
اتركهم يتحكمون إذا ما وجدوا حاسة ستلتفت لخيالهم الضالْ
وضحكنا.


الكاتب : إدريس علوش

  

بتاريخ : 14/06/2019