العقوبات البديلة.. وسيلة لمكافحة حالات العود وتخفيف «وطأة» الاكتظاظ

«أظهرت نتائج البحث الوطني الذي نشرته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2016 حول تصور الأسر لبعض مرامي الأهداف الرئيسية للتنمية المستدامة، الأهمية القصوى التي يكتسيها الأمن لدى المواطنين» يقول التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، مشيرا إلى أنه «بنهاية سنة 2017 ، سجلت بلادنا توقيف 541 140 شخصاً في إطار قضايا جنائية تم عرضها على النيابة العامة. وتتعلق 136409 منها بجرائم وجنح تم ارتكابها ضد أشخاص. ومن ناحية أخرى، وبحكم الموقع الجغرافي للمغرب المتميز بوجوده في ملتقى قارتين، فقد أوقفت قوات الأمن 107787 شخصاً لصلتهم المفترضة بتجارة المخدرات. كما مكنت الجهود المبذولة، في إطار مكافحة الإرهاب ، من إيقاف 358 شخصاً لتورطهم المفترض في التخطيط لارتكاب أعمال إرهابية» .
و«تشير هذه الأرقام على العموم، حسب خلاصات التقرير، إلى المنحى المستقر للجريمة بالمغرب مقارنة بالسنوات الأخيرة، حيث إن معدل الجريمة بالمملكة يبلغ 21 قضية لكل 1000 مواطن»، لافتا إلى أنه «ينبغي إيلاء مزيد من الاهتمام لمحاربة الجرائم التي تُقَوِّضُ شعور المواطن بالأمن في الفضاء العام، من قبيل السرقة باستعمال السلاح أو حالات الاعتداء أو التحرش وباقي أشكال العنف الذي قد تتعرض لها النساء والأطفال على وجه الخصوص في الشارع، بحيث تؤدي تلك الجرائم إلى انتشار الشعور بانعدام الأمن، وإلى تكاثر الأخبار الزائفة والخطابات المروجة للأخطار، حول الجريمة بالبلاد، سيما على شبكات التواصل الاجتماعي».
وذكر التقرير بـ «الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدتها المديرية العامة للأمن الوطني، في إطار مخطط العمل 2015 – 2018 ، والتي جرى في سياقها إحداث وحدات متنقلة لشرطة النجدة بالعديد من المناطق الإقليمية الأمنية، على أن يتم تعميم هذه الوحدات على مجموع التراب الوطني في الأمد المتوسط».
وأكد التقرير، في نفس السياق، أن «مكافحة الجريمة وحالات العود تظل رهينة بشكل وثيق بالسياسة السجنية والجنائية المعتمدة. وفي هذا الصدد، بُذلت جهود على الصعيد الوطني من أجل تحسين ظروف الاعتقال، وهو ما تجلى بشكل خاص في بناء مؤسسات سجنية جديدة من أجل التخفيف من حدة الاكتظاظ الذي تعرفه بعض مراكز الاعتقال. وقد تم بهذا الخصوص إطلاق الدراسات الأولية في سنة 2017 من أجل بناء مؤسسات سجنية جديدة، سيَّما في الأقاليم الجنوبية للمملكة. كما اتخذت جملة من الإجراءات الهادفة إلى أنسنة الوسط السجني، من خلال تحسين الحياة اليومية بالسجون «الرفع من المساحة المتوسطة المخصصة لكل سجين، والرفع من نسبة التأطير الطبي وشبه الطبي…». وفضلا عن ذلك، تم خلال سنة 2017 منع تسلم قفة المؤونة الغذائية من أقارب المعتقلين، من أجل محاربة تسريب مختلف أنواع الممنوعات إلى المؤسسات السجنية. كما تم بالموازاة ، مع ذلك، تحسين جودة التغذية».
وتطرق التقرير، كذلك ، إلى «مختلف الأوراش التي تم إطلاقها من أجل تأهيل السجناء للاندماج السوسيو- مهني عند انتهاء عقوبتهم السجنية، من قبيل مراكز التكوين المهني المحدثة داخل المؤسسات السجنية وبرامج التعليم بالسجون التي تسمح لكل سجين بمتابعة دروس لمحو الأمية ودراسة نظامية ملائمة لمستواه الدراسي».
و«قد استفاد من هذين البرنامجين منذ إطلاقهما، وفق خلاصات التقرير ، نحو 70 في المائة من نزلاء المؤسسات السجنية، منهم 11000 برسم الموسم الدراسي 2016 – 2017 .كما شهدت سنة 2017 إطلاق برنامج «مصالحة « لفائدة نزلاء المؤسسات السجنية المدانين في إطار قضايا التطرف والإرهاب. ويستهدف هذا البرنامج، الذي تم إعداده بتعاون مع خبراء مختصين في الحقل الديني، مصالحة نزلاء المؤسسات السجنية مع مبادئ التسامح وقبول الآخر وفهم واستيعاب النص الديني بالشكل الصحيح».
و«فضلا عن تحسين ظروف الاعتقال، والتي تمثل بدون شك وسيلة مهمة لتفادي أن يصبح السجن أرضية خصبة لتوليد العنف في المستقبل، يتابع التقرير ، ينبغي أن يتم الانكباب على إعادة النظر في سياسة الاعتماد الكلي على العقوبة السجنية كوسيلة للعقاب في بلادنا. فقد بلغ عدد السجناء مع نهاية 2017 حوالي 83102 نزيل، مقابل 78116 نزيلا في متم 2016، 40.6 في المائة منهم مسجونون في إطار الاعتقال الاحتياطي، أي 33791 شخصاً، 97 في المائة منهم ذكور».
و«أول ما يطرحه عدد السجناء، الذي ما فتئ يرتفع في السنوات الأخيرة» 5.6 في المائة بين 2016 و2017 ، و6.2 في المائة بين سنتي 2015 و 2016، «يقول التقرير، هو مشكلة الاكتظاظ بالسجون وتكلفة تدبير المنظومة السجنية الملقاة على عاتق المجتمع، كما يطرح بشكل خاص مدى نجاعة العقوبة السالبة للحرية». وبهذا الخصوص تضمنت خلاصات التقرير، دعوة إلى «الإسراع بإصلاح مسطرة ومدة الاعتقال الاحتياطي، من جهة، والعمل من جهة أخرى على إدراج العقوبات البديلة في القانون الجنائي باعتبارها وسيلة لمكافحة حالات العود وتخفيف الضغط على المؤسسات السجنية». و«تساهم هذه العقوبات البديلة، التي تتخذ عموما شكل القيام بأعمال للصالح العام، حسب المصدر ذاته، في الإدماج المهني للنزلاء الشباب مع تجنيبهم الوصم الذي قد يطالهم بسبب قضائهم عقوبة سجنية، بالإضافة إلى دفع الشخص المعني بالأمر إلى تحمل مسؤولية الضرر الذي ألحقه بالمجتمع».


بتاريخ : 25/09/2018