العيش وحيدا بدون مخالطة الآخرين… الثمن الباهظ للعزل

قبل ستة أسابيع فقط، كان شيلي هاورد يتنقل ستة أيام في الأسبوع بين مطاعم وحانات شيكاغو لاحتساء الشراب مع أصدقائه، لكن على هذا الأمريكي اليوم كما الملايين في الأرض، قضاء أمسياته وحيدا في شقته، بسبب وباء كوفيد­19 العالمي.
وهاورد البالغ من العمر 73 عاما اجتماعي جدا بطبعه، ينشر دوما صور سهراته الحيوية التي غالبا ما يظهر فيها وهو يصافح ويعانق أصدقائه.
لكن في ظل العزل وإغلاق كافة المتاجر غير الأساسية، انقطع هاورد الذي يعمل مصمم غرافيك في قطاع الموسيقى بشكل شبه تام عن أي تواصل بشري.
ويقول هاورد «أنا شخص يحب معانقة الآخرين، والناس يحبوني جدا، لكن هذا الواقع يفرض علي البقاء في البيت».
تشبه تجربة هاورد تجارب كثر حول العالم، هم مكتئبون لعدم مخالطة الآخرين التي كانت تعتبر مكتسبا حتميا، ويرى العلماء أنها حيوية.
تشير مديرة معهد «تاتش ريسيرتش» في كلية الطب في جامعة ميامي تامي فيلد إلى أن «ما يحصل عند لمس الآخرين عبارة عن تغيير جسدي بحت».
وتوضح أنه في تلك اللحظة «يتباطأ الجهاز العصبي، معدل ضربات القلب ينخفض، وكذلك ضغط الدم، الموجات الدماغية تتجه نحو مزيد من الاسترخاء، وهو ما يؤدي إلى انخفاض في الكورتيزول، الهورمون المسؤول عن التوتر».
تشعر ليليا شاكون، المديرة العامة للاتصال في مدينة سانتا فاي في ولاية نيومكسيكو أيضا بالحنين إلى الحقبة التي كان فيها التواصل البشري أمرا ممكنا في حياتها. تعيش شاكون البالغة من العمر 65 عاما بمفردها وتعمل من المنزل.
تروي شاكون « كيف يمكن لواقعك أن يتغير بهذه السرعة، أشاهد التلفاز، أرى أشخاصا جالسين جميعا على طاولة واحدة، يتعانقون، وأقول: يا إلهي، الأمور لا تجري كذلك حاليا …».
وللتعويض عن هذا النقص، تلجأ لمكالمات الفيديو مع أصدقائها.
وتؤكد «نجد طرقا للحفاظ على الصداقات والحميمية، بات أساسيا لي استخدام «مكالمات الفيديو» عبر فايس تايم، أن أبقى على تواصل مع أصدقائي بشكل مرئي وليس فقط عبر المكالمات الصوتية، وهذا الأمر يساعد».
أكثر المتضررين من العزل هم الأشخاص الأكبر سنا، فهم أكثر عرضة للفيروس وغالبا ما يعيشون بمفردهم.
تشجع ماري كارلسون عالمة الأعصاب في كلية الطب في هارفرد على التواصل النظري. وتخصصت كارلسون في مجال الحرمان الحسي بعدما درست حالة الرضع الذين كبروا في منشآت في رومانيا في التسعينيات كان فيها عدد قليل من الموظفين.
وتقول «أشجع الناس على التفاعل الاجتماعي عبر النظر والسمع»، مضيفة «لمن يعيشون وحدهم، التكنولوجيا تتيح هذا التفاعل عبر المكالمة الهاتفية أو الفيديو للتعويض عن هذه الحقبة الضرورية والمؤقتة من القيود على اللمس».
تطمئن كارلسون القلقين من فقدان مقدرة التواصل الطبيعي في مرحلة ما بعد الوباء وتشرح «أعطي دائما مثال نيلسون مانديلا الذي أمضى 27 عاما في السجن»، موضحة «نعلم جميعا ما حصل حين خرج، شاهدناه على التلفزيون وسمعنا كل ما قاله، لم يفقد إطلاقا قدراته الاجتماعية وحساسيته تجاه الآخرين».
رغم أن ذلك لا يعوض عن التواصل الجسدي مع إنسان آخر، لكن تامي فيلد من معهد «تاتش ريسيرتش» توصي على سبيل المثال الناس الذين يعيشون بمفردهم على الجلوس أرضا والقيام بتمارين تمديد العضلات، والاستحمام والسير لتحفيز مستقبلاتهم الحسية.
تعيش شارلوت كولن البالغة 46 عاما والتي تدير شركة علاقات عامة في قطاع العقارات في مانهاتان، وحيدة أيضا وتعمل من المنزل، وبالنسبة لها، مدة فرض القيود هي المشكلة.
وترى كولن التي تغلبت على مرض السرطان وتعاني من مرض مناعة ذاتية، وتقدر بالتالي تدابير العزل، «أن تقضي شهرا في بيتك أمر، وأن يدوم ذلك 18 شهرا أمر آخر».
في شيكاغو، يعوض شيلي هاورد عن طريق الترويج لحفلات موسيقية منزلية لصديق له على مواقع التواصل الاجتماعي.
يعتمد أيضا على وجود قطتيه، ويقول «ليس الأمر سيان، لكن أحدهما تنام على يدي، أقضي بذلك عشر ساعات ملتصقا بهذا الكائن الحي الذي يتنفس»، مضيفا «تنام الأخرى على ركبتي أو صدري، ولذلك أنا على تواصل مع كائنات حية».


بتاريخ : 06/04/2020