الغرب والقرآن 31- أفكار حول توحيد نص القرآن 2/1

التفكير في النص القرآني، وشرحه وتفسيره وحصر معناه، ليس انشغالا عربيا، فقد دأب المستشرقون، ومعهم الدارسون القرآنيون، على محاولة تفكيك الخطاب القرآني وارتياد علومه ومباحثه ولغاته، وتحديد نوازله ومفاتيح فهمه، وذلك في مواجهة التيارات الدينية التي تحاول فرض أساليبها بمنطق استغلاقي واحتكاري وإيماني، لا يستقيم الآن مع تعدد المناهج وطرق البحث العلمية التي تنبني على التشخيص والتحليل والتدقيق والتمحيص واستدعاء القرائن العلمية المادية والتاريخية.

 

في فصل من كتابه يحمل عنوان “أفكار حول توحيد نص القرآن”، يكتب المستشرق جون جلكرايست:
“كنا قد تعاملنا مع سبع قراءات مختلفة كما تم التعامل معها خلال القرون الأولى من عمر الإسلام. ومع ذلك فقد جاء الوقت كي نرى هذا الموضوع من منظور نقدي آخر. هل نستطيع أن نقبل مجملا بأن كل القراءات المختلفة للقرآن، حتى إذا راعينا فقط اختلاف اللهجات وليست الاختلافات النصية الجوهرية، يمكن أن تؤخذ على إنها ببساطة مجازة إلهيا على أساس رواية منسوبة لمحمد كون القرآن جاء بالأصل بسبع قراءات مختلفة؟ نحن نعرف ما أصبحت عليه تلك القراءات أخيرا: بعد ثلاثة قرون من وفاة محمد اختار بن مجاهد وفق رأيه الخاص وببساطة سبعة من القراءات العديدة المختلفة التي كانت سائدة على زمانه ليعلنها قراءات مجازة إلهيا. ليس هناك عالِما للنص القرآني يتحلى بالموضوعية يمكن أن يقبل هكذا مقاربة إعتباطية أحادية الجانب وجازمة إلى هذا الحد، ومع ذلك، يمكن أن يعتبر فعل بن مجاهد محاولة طموحة لجعل القراءات المختلفة للقرآن في زمانه تناسب مفهوم القراءات الأصلية السبع. عمل المفسر في القرن الرابع هو نوع من لفت الأنظار بعيدا عن طريق المسائل الحقيقية المتصلة بهذا الموضوع.
“السؤال الرئيسي هو: ما الذي كانت عليه تلك القراءات السبع المختلفة في زمن محمد حقيقةً؟ ما المفروض أن تكون عليه أصلا؟ لدينا عمليا الجواب المقدّم سلفا: لايجوز لأحد القول بأن الأحاديث المدوّنة الأولى عموما أشارت إلى إن هذه القراءات كانت مقتصرة على الاختلاف في اللهجات ونادرا ما كانت تؤثر على النص الساكن الحقيقي.
“لدينا حديث حول القراءات السبع المختلفة من جهة، ومن جهة أخرى عدد ضخم من الأمثلة على القراءات المختلفة فعليا التي لايمكن أن تكون وثيقة الصلة بالحديث بأي من الطرق المعروفة. يدّعي ديزاي أن عثمان تخلص من ستة قراءات وأبقى على واحدة فقط بإعتبارها معيار النص الوحيد للقرآن. بسلطتها اختزل القرآن بصيغة واحدة من القراءات السبع المختلفة التي لم يحدد ديزاي أيهما يعني، بل ليلتف حول الاستنتاج الواضح بأن ست من الصيغ الإلهية للقرآن قد فقدت بتلك الوسيلة وتمّ التخلص منها، يدعي أن القراءات المختلفة كانت مع ذلك مصانة منفصلة. يقول في كراسته:
“التصنيف المنفصل لكل صيغة تلاوة لم تُشمل رسميا بمقياس رسم الخط كان بأمر حضرة عثمان (رض). (ديزاي، القرآن لا يرقى إليه الشك، ص 36).
“كالمعتاد ليس هناك توثيق واضح يدعم هذا الإدعاء يعطيه مولانا لقرآئه، مرة أخرى علينا القبول ببساطة بما يقوله بدون تحقيق. لا يقول لنا شيئا لا عن هذه المجموعات المنتشرة ولا عن مصدر إدعائه بأن عثمان أمر بأنها توضع سوية. عمل مثل هذا من قبل خليفة المسلمين يمكن فقط أن يعتبر بمجمله بعيد الإحتمال على ضوء حقيقة تعبّر عن غايته للتخلص الكامل من القرآءات المختلفة التي وجدت من أجل الحفاظ على النص الفريد الذي اختاره.
“ومع ذلك تظهر الهشاشة إلى حد بعيد في مجمل حجة مولانا من وجهة نظر أخرى. فإذا كانت القراءات الست الأخرى، حسب مايدعي، محفوظة بدقة، فماذا كانت؟ هل يستطيع ديزاي أن يدوّن لنا اليوم سبعة نصوص مختلفة للقرآن كاملة الألفاظ، تُظهر جميع القراءات المختلفة التي وُجدت على زمن تنقيح عثمان الذي كان يقال عنه مُجاز إلهيا وتمّ تقديمه كما ينبغي بسبعة صيغ مختلفة؟ حتى لو استطاع، سنسأله على أي مرجع يتوقع منّا أن نعتمد لقبول صيغ قراءاته السبعة المختلفة المقترحة للقرآن باعتبارها كانت ما تحدّث عنه محمد تماما.
“دراسة القراءات الأولى، بكلتا الحالتين ما يخص اللهجات أو الأصلية، ستظهر لنا بأن مثل هذا التعهد هو مهمة مستحيلة. هذه القراءات أحيانا يجب أن تأخذ من أحد الصحابة وفي أحيان أخرى من صحابي آخر، ومن حين لآخر من عدد من الصحابة مجتمعين. ليس هناك إشارة لتقسيم فعلي لكل هذه الاختلافات إلى سبعة صيغ واضحة حتى ولو تلميحا في المدونات الأولى. ومن المستحيل تماما تحديد ما يفترض أن تكون عليه تلك القراءات السبع المختلفة بشكل جازم.
“وبالتالي فإن الأحاديث المدوّنة عن السبعة أحرف حقيقة ليست ذات مغزى. لايمكن تطبيقها، بدون درجة كبيرة من التخمين والظن، على القراءات المختلفة للقرآن التي حفظت عبر القرون. ليس للرقم ” سبعة” بأية حال أي صلة بما نأخذه بعين الإعتبار على الإطلاق. كل ماحدث هو إن لدينا، بجانب النص الوحيد للقرآن بالصيغة الساكنة التي جُعلت معيارا من قبل عثمان، عددا ضخما من الفقرات التي قيل إنها فقدت، وحشد من القراءات المختلفة لنصوص معينة، مع فروقات دقيقة في حروف النص. هذه الأدلة تتناقض بقوة مع الرأي الشائع بأن القرآن محفوظ تماما حتى آخر نقطة وآخر حرف، ولم يُفقد منه شيء، ولم يغيّر أو يعدّل.
“الرواية الغامضة عن الصيغ السبعة المختلفة المنتشرة للقرآن تصبح غطاءا مناسبا ليشمل كل القراءات المعروف إنها موجودة وكذلك إعطائها الترخيص الإلهي. هذه هي كل فكرة كراسة ديزاي- كل اختلاف يمكن أن يواجهنا هو بإختصار يمكن أن يصرح به كونه موحى به إلهيا كواحد من القراءات السبعة حتى وإن كان مولانا لايأمل أن يتمكن من تحديد افتراض ما كانت عليه القراءات السبع بدقة، ولأي واحدة من السبعة تنتمي كل قراءة، أو على الأقل أي أدلة تثبت مثل هذا التعريف أو يقول على أي مرجع يبني استنتاجاته. التقليد المتوارث حول السبعة أحرف أصبح ذريعة مرخصة لإدعاء الإجازة الإلهية لأي اختلاف يمكن أن يحدث- وهكذا يحافظ مولانا على الوجدان الشعبي، وعلى الفرضية التي تقول بأن لا شيء من القرآن قد فقد أو بُدّل من قبل أي شيء سوى القرار الإلهي”.


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 01/06/2020

أخبار مرتبطة

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

: داخل مجتمع اللاتلامس، لم تعد نظرة العشق الأولى موضوع تبادل في الشارع، أو داخل حانة، أو في عربة من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *