القياس الموضوعي لحاجات الناس الخاصة و العامة أمر واجب 

قال تعالى : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ) النحل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مثل المؤمنين في توادِّهم وتعاطُفهم وتراحمهم؛ مَثَلُ الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ، تَدَاعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى» رواه مسلم

ان من القواعد الشرعية التي يجب استحصارها واعمالها في الواقع لانجاز وتحقيق المصالح العامة والتجاوب مع ارادة الناس  : (المشقَّة تجلب التيسير)، و (إذا ضاق الأمر اتَّسع)، و (الضرورات تبيح المحظورات)، و ( الضرورة تقدر بقدرها)،و  (الحاجة تُنَزَّل منزلة الضرورة)،
ان إعمال الحساب و القياس الموضوعي النسبي  لحاجات الناس  الشخصية والمشتركة والعامة امر ضروري وباب لاقرار عدالة اجتماعية …اذ لابد لاولي الامر وحتى للانسان الفرد ان يعرف حاجات الناس والامهم ولو انه لايعاني منها ولم يعشها ..وعدم تقدير المعرفة والحالة الخاصة في علاقة بالوضع العام باب للوقوع في الاخطاء والانزلاقات  ..و مدخل لاجابات غير صحيحة على اسئلة وانتظارات جوهرية تطرح ..
ان سوء تدبير الزمن والواقع واستصغار او تجاهل مشاكل الناس ومطالبهم ..وتقديم حلول على اساس انها لابديل عنها وانها الامثل لاينعكس ايجابا على اوضاع المواطنين والمواطنات او فئات منهم  يخلق عدم ثقة ويقوي  التشكك  ويولد رفضا تجاه  راي وجواب وحلول من اية جهة يعتبرها مماطلة ومسوفة  بل ويراها هي المسؤولة عن اوضاعه   , فيتحول اغلب الذين كانوا يتوسمون خيرا من محدثيهم وقادتهم  ويفرزون  منهم ناطقين باسمهم ومفاوضين بدلا عنهم  رافضين بذلك ان ينيبوا عنهم من لم يهتم لامورهم ممن يخول لهم القانون ذلك ..وهذا امر عملت به الادارة  طوال عقدين مع التنسيقيات ولجن من السكان مما اصبح عرفا يجري به العمل ويحقق بعض الغايات بظهور هيئات مجتمعية مدنية يخذم البعض منها اجندات مذهبية خاصة , ويتحرك البعض منها لتشكيل نخب سياسية تكون جاهزة كواجهة مؤقتة لمشهد تدبر به ازمنة وملفات , ويعمل البعض منها من اجل تمييع وتلغيم وتشويه وتحريف اي عمل مطلبي موضوعي  , وهذا غذى ويغذي تصورات واحكام جاهزة يسهر على توليدها ونشرها  كل من غايتهم  اضعاف الاخر  وتحييد الاحزاب والقوى الحية وتعطيل ادوارها الفعلية ليصبح لكل مطلب وكل حراك هياته المسيرة والناطقة ..
ان التعامل بتجاهل او عنف لفظي او معنوي او جسدي  مع كل  الح في طلبه ودافع عن حقه  او ما رآه حقا مستلبا ومضيعا لا يقدم حلا ناجعا لاية مشكلة بل يراكمها ويجمعها حتى تصعب وترتفع تكلفة المعالجة وتطول مدتها  ….كما ان  الخطاب والوعود التي لاترى النور ولايراها الناس في الواقع يتسبب في تكريس الغموض وبناء الرفض للاخر   بالتشكيك في مصداقية النخب  الحزبية  والنقابية والحقوقية والمؤسسات التمثيلية والتنفيذية من حكومة والبرلمان بغرفتيه والجماعات الترابية بالجهة والاقليم والجماعات والغرف المهنية …الخ التي الاغلبية الساحقة منها  من الاحزاب والنقابات  .. ان تراجع دور الاحزاب وعدم تقديرها للاحوال والاوضاع بما ينجح ويثمن ادوارها و عدم قدرتها على تقوية وتماسك صفوفها وتدبير اختلافاتها وحماية هويتها ..سينتج عنه تحول ورد فعل منطقي وطبيعي من   الجماهير التي ستتحرك دفاعا عن نفسها وخصوصياتها ومصالحها  بصفتها الفئوية او القبلية او المناطقية او الثقافية  وستصبح حركات نضالية مطلبية تمثل نفسها  تسعى الى توجيه الانتباه الى مؤسسات الدولة   والى الاحزاب والنقابات  على ان من سيمثلها وسيتواصل مع كل من يعنيهم واقعهم هم من يقودون حراكهم وحركتهم او تنسيقياتهم وليس من يرون انهم تخلوا عنهم او لم يهتموا لامرهم …
ان التحولات السياسية بالبلد ما بعد 2002 وكذا التحولات الاجتماعية   التي اثرت بشكل سلبي على منظومة النضال الوطني  الديموقراطي وعلى المسار الديموقراطي والتي تاثرت بحال الاحزاب السياسية الوطنية والتقدمية وانشغالها شبه التام  بمشاكلها واختلافاتها وتنقضاتها …حيث تغيرت اولويات العمل السياسي والنضالي بشكل جعل فئات مهمة من المجتمع تضع لنفسها اليات وبرامج نضالية تتحكم فيها وحدها وهي من تحدد مالاتها …
فعندما قلنا ان عدم احساس النخب بمؤسسات الدولة  وبالقوى السياسية بشكل متفاعل معرفة وتدخلا ومعالجة  فلان الامر يفهم عند العامة انه تجاهل قصدي وتدبير متعمد ..
ان العلاقات الاجتماعية والانسانية والوعي المشترك وفق الثقافة والمعرفة التي انبنت عليها الشخصية بالمجتمع بقدر ما هي معقدة هي بسيطة جدا قياسا الى ما جاء به الدين من اجل الناس ..
فالدين عندما فرض الزكاة وجعلها ركنا  وحث على الاحسان والكرم والتعاون ومساعدة المحتاجين ..فذلك ليعرف الناس من دينهم ان هناك انواع عدة من الفقر لابد من ان يعمل الجميع بالامر الالهي من اجل القضاء على الفقر والخصاص  ليرضى عنهم الرب ….
فعندما  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به.»
فهو يدفع الانسان الى ضرورة معرفة احوال جيرانه يوما بيوم ومشاكلهم والتاكيد على تقاسم وتشارك الاسر لارزاقها مع اسر اخرى لاتجد اكلا ولا عملا تقتات منه  …
وعندما قال الدين لاتجوز  الاساءة  للحيوانات  ولا تجويعها ولا ارهاقها ولا اهمالها  فهو ينبه من باب اولى واحرى الى  قداسة الانسان وضرورة احترامه وتكريمه وعدم الاساءة اليه ..
وعندما قال الدين من عاذ وزار وآزر مريضا فسيجد الله عنده.. وقال الرسول الكريم  ان دعاء المريض يستجاب له ..فمعنى هذا ان الاهتمام بصحة الانسان من تجليات الاسلام  ..
فليعلم الناس  ان من اراد ان يحبه الله ويحسن اليه  فمن الواجب عليه ان يحسن للناس  ويوفر لهم  العيش الكريم  والتعلم والعلاج والرعاية الصحية والسكن الذي يستر وتتوفر فيه مستلزمات الاستقرار الدنيا  ….
…ان الانسان بتجاربه وخبراته يستطيع ان يميز بين صراخ الطفل الرضيع لرغبة في الاكل و الشرب ,  او لحاجته الى من يحدثه ويضحك معه  , او لألم …كما يستطيع التمييز بين الانسان المظلوم والظالم عندما يتقابلان ويتواجهان وتستحضر  معطيات الشكاية والمظلمة  ..وبمغربنا وتربيتنا فآخر شيئ يقدم عليه الفرد او الاسرة او اية جماعة هو الاحتجاج لانه ربي من والديه والفقهاء   على القناعة والصبر وانتظار الفرج ويتجنب التشكي او الاستجداء ..الا  لضرورات قصوى
وعندما هاجر الانسان من البادية الى المدينة فالجميع يعلم انه لما  ضاقت به سبل العيش بقريته تنقل بين البلدان بالوطن وخارجه  للبحث عن مورد عيش وحياة  افضل  مما كان وليساهم في تنمية مسقط راسه ويساعد اسرته واهل مسقط راسه ..وعندما يتنقل اهل البادية وماشيتهم من منطقة الى اخرى فمعنى ذلك ان الماء والكلا انعدم او لايستجيب لحياة الناس وماشيتهم ومتطلبات حياتهم المختلفة …
وعندما تقوم الدولة باجراء احصاءات علمية تهم السكان وانماط العيش ونسبة البطالة واصنافها وانواعها ومستوى الدخل وطبيعة السكن ..وتتعرف على المناطق الفقيرة والاشد فقرا والمتخلفة والناقصة ان لم تكن منعدمة التجهيز ..فمعنى هذا ان على الذين يقراون الاحصائيات والدراسات العلمية الميدانية ان يقراوا ايضا علم الاجتماع وحركة المجتمع والفكر وان يستفيدوا من تجارب امم عبر التاريخ بالتعجيل بالاستجابة الصريحة والواضحة وفق اولويات يعلمها الجميع ويطمئن اليها وببرنامج عمل في مخطط استعجالي  مرحلي واستراتيجي تنفيذي قولا وعملا وتاطيرا ومواكبة يرعاه الناس ويحرصون على نجاحه …
ومن الاسئلة المعلومة اجوبتها  هل هناك من يصيح ويحتج ويستنكر ويلح في الطلب دون مبرر وسبب و من اجل لاشيئ ..؟  وما هو رد فعل اي واحد من الناس كان فقيرا او غنيا مواطنا عاديا او مسؤولا عندما يقدم او تقدم له وعود والتزامات ولا يتحقق منها اي شيئ او ينجز اليسير فقط او  تكون نتائجها بعكس الغايات التي طرحها  المطالبون والمطالبات بها  ..؟
ان الام او الاهل عندما يكون الطفل هادئا اكثر من المعتاذ ينزعجون ويظنون انه مريض او به مس ما ..وعندما يتاخر اي كان عن النهوض في الوقت المالوف فان عائلته  ستتساءل  وقد تتسرب الى البعض منهم  وساوس وفرضيات مزعجة  …فحتى عندما تكون منتظرا وصول  صديق او قريب  عزيزين ويتاخر اكثر من المحتمل فان كل التخوفات تتحرك خاصة ان كان من سفر ات ..وباعمال نفس القاعدة  بالنسبة للمجتمع والدولة فالامر يصبح اهم واكبر لان  الناس يعلنون بالشعارات واللافتات والبيانات والخطب عن مشاكلهم والامهم وامالهم ومطالبهم  وهذه ظاهرة صحية ..لكن الاصعب هو ان يكون هناك مجتمع صامت لايتالم ولا يشتكي ولا يحتج لانك لن تعرف ما الذي سيقع على اعتبار ان البعض ليس من مصلحتهم ان يعبر الناس عن ارائهم ومطالبهم لانهم بذلك يعطلون سياسات من يسعى لاستغلال الفقر والدين لاغراض وغايات نراها في دول اخرى  خربت كل شيئ حتى روح الانسانية في الناس …
ان ضرورة الاسراع لتقديم اجابات على انتظارات وتساؤلات  ليس هو احتجاج الناس بل العلم القبلي بحقيقة اوضاعهم , واولوية الاهتمام الفعلي بها , وايجاد حلول عملية , لان المشاكل موجودة والعلم بها محقق اساسا من المتضررين ومن المسؤولين ..واي تاخر في التفاعل بمنطق التكامل وليس بمنطق الاوامر فلن يزيد الاوضاع الى تعقيدا ولن يصلح الاحوال بل يؤجل الاسوا الى اجل اخر   ..
وان الاهم في الدول المتحضرة او التي تتعامل بحكامة جيدة مع الناس والزمان والمكان وظروف العيش ان تسرع بالحلول ولو لم يطالب الناس بها او يحتجوا من اجل تحقيقها ..وهذا من تجليات الحكمة والتدبير الرشيد .
ان اغلب اسباب الازمات والمشاكل الاقتصادية والتنموية لاتكون من الناس بل بسبب سياسات وقرارات وممارسات حكومات وسلطات …
لهذا فبدلا من البحث عن كم من نملة دخلت مسكنها وكم من واحدة خرجت طوال الوقت وعدم التوجه الى المعالجة المثلى التي ليس من الاخلاق والمنطق السليم  التفكير بمرجعية  المنتصر والمنهزم في التعامل مع اي جراك او احتجاج ,  وجبت  الاجابة على سؤال صريح هو هل هناك مشاكل ومطالب موضوعية وحقوق واجب توفرها  في اي قطاع قطاع او اي اقليم او جهة او عبر تراب الوطن ام لا ؟
ان المصالحة السياسية التي اعقبت سنوات الجمر والرصاص من اجل طي صفحة الماضي ..تدفعنا الى القول بضرورة المصالحة الثقافية والاجتماعية والتنموية بين الدولة والفئات التي تشتكي من  التهميش و الفقر ..والتي اتعبها الخصاص في قطاعات وخدمات .. والتي اضاعت البطالة بكل انواعها طاقاتها  الهائلة بالاسر والمناطق وبالدولة …مصالحة تحقق عدالة اجتماعية وتضامن تنموي مستدام بعيدا عن الريع السياسوي المتخفي وراء المصالح الانتخابية او باسم الدين او المستغل والمستنزف لخيرات البلد وترواتها على حساب مناطق الثروة ..وعلى حساب الثروة الوطنية .
قال علي بن ابي طالب  «لو كان الفقر رجلاً لقتلته»-
تارودانت 27 يوليوز 2017.


الكاتب : بقلم : مصطفى المتوكل

  

بتاريخ : 28/07/2017