المجلس الأعلى للتربية والتكوين يرصد تفاقم العجـز التـربوي جـراء الفـوارق الاجتماعية

قال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، «إنه بالرغـم من مـرور مـا يـربو عـن ثلاث سـنوات علـى تبنـي الرؤيـة الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 خارطـة المدرسة المغربية، فـإن تطبيقهـا الفعلـي، مـا زال مشـوبا ببعـض التــردد، ممـا يعنــي أن أزمـة التــربية أزمـة بنــيوية، وتشـكل تحديـا كبيـرا للأمة المغربية.»

وأبرز المجلس في تقريره السنوي حول حصيلته وأفاق عمله ل2018، أنه مـن مظاهـر هـذه الأزمة، ضعـف مكتسـبات التلاميذ، وعـدم ملاءمتها لحاجـات البـلاد الحاليـة والمستقبلية، ولسـوق الشـغل، كمـا تجليهـا طبيعـة القيـم التـي تلقنهـا المدرسة، علاوة علـى انعـدام الإنصاف، وتعميـق الفـوارق، موضحا أن مهمـة المدرسة يتعيـن أن تقـوم علـى فـك الارتباط بيـن الفـوارق الاجتماعية الأصلية الموجودة بيـن التلاميذ، وبيـن مسـتقبلهم الدراسي والتكويـنـي والاجتماعي، ممـا يجعـل العجـز التـربوي متفاقمـا جـراء الفـوارق الاجتماعية، التـي تعيـد المدرسة إنتاجهـا.
ووقـف التقريــر، على أن الفوارق الاجتماعية، تــرتبط ارتباطـا وثيقـا بنمـط توزيـع الثــروات، والفقـر، وضعـف الولـوج إلـى الرفـاه الاجتماعي، كمـا تتوسـع أكثـر فـي النظـام الاجتماعي، جـراء اختلالات المدرسة، خصوصـا أن هـذه الفـوارق الاجتماعية الأصلية للتلاميذ، كانـت مـن ضـروب الظواهـر التـي توجـد خـارج أسـوار المدرسة، مشيرا إلى أنها قد تتكرس بفعل المنظومة التـربوية نفسها، ذلك أن الفوارق الحاصلة في التـربية والتكويـن، تحمل فـي طياتهـا وسـيلة لإعادة إنتـاج الفـوارق الاجتماعية.
وجاء في التقرير، « تتسـم المنظومة التـربوية الوطنـية بتقاطب اجتماعـي ومدرسـي بيـن عـدة أنـواع للتعليـم، المدرسة العموميـة القرويـة، والشـبه حضريـة مـن جهـة، والمدرسة الحضريـة فـي الأحياء الراقيـة مـن جهـة أخـرى، والمدرسة الخاصـة، ومـدارس البعثـات الأجنبية، وهـو تعـدد لـه انعـكاس سـلبي جلـي علـى المناخ المدرسي.»
وذكر المصدر ذاته، أن الفوارق الاجتماعية، والفوارق المدرسية، والتفاعل الجدلي بيـنهما، تعد مصدر كبح لتطور للمجتمع.
ودعا المجلس إلى بناء نموذج تربوي قوامه العدالة المدرسية يتيح نفس الفرص الولوج والنجاح لجميع التلاميذ في إطار الطموح المتعلق بتحقيق مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء للجميع.
وأكد أنه لتحقيق هذا الطموح يفتـرض، بالضرورة، الربط بيـن محاربة الفوارق الاجتماعية والمدرسية على السواء، وبيــن ضمـان تنميـة اقتصاديـة مسـتدامة، لذلـك، تعتبــر معرفـة الفـوارق الحاصلـة داخـل المنظومة التــربوية، والاعتراف بها، تحديا أولا، يجب رفعه في طريق تجديد النموذج التنموي، علاوة على تحدي الحد من إرث الفوارق المدرسية، وتحد حاسـم يهـم بناء نمـوذج تـربوي قائم على العدالة المدرسية، يتابع التقرير.
وخلص التقرير، أن العدالة المدرسية تقتضي تمكيـن التلاميذ عند نهاية التعليم الإلزامي من اللغتـيـن الوطنـيتـيـن، العربية والأمازيغية، شـفهيا وكتابـة، ومـن لغتـيـن أجنبيتـيـن علـى الأقل، علاوة علـى التمكـن مـن الأساليب الرياضيـة والعلميـة، والثقافـة المنفتحة على العالم، والتمكن من تكنولوجـيا الإعلام والاتصال، وتملك الكفايات الاجتماعية والأخلاقية، وهو ما يدعو إلى توفيـر الموارد التـربوية للتلاميذ، ليس تبعا لمواهبهم ومهاراتهم الذاتـية فحسب، وإنما استجابة لحاجاتهم فـي هـذا المجال كذلك.
وكشف المجلس الأعلى للتربية والتكوين، أنه بعد تحليـل معطيـات الدراسـة الدوليــة لقيــاس مــدى تقــدم القراءاتــية، التي تنجزها الجمعية الدولية لتقييم التحصيل التربوي كل خمس سنوات، تبين أن المغرب قـد سـجل تقدمـا ملحوظـا بيــن سنتــي 2011 و2016، إذ ارتفعـت النتـيجة مـن 310 إلـى 358 نقطـة فـي المعدل العـام، مشيرا إلى أنـه مـا زالـت هـذه النتـيجة لا تقترب مـن المعدل الدولـي 500 نقطـة، ومـازال المغرب يحتـل المراتب الأخيرة فـي التصنــيف الدولـي، كمـا أن نســبة كبيــرة مـن التلامذة المغاربة 64 بالمئة حصلوا على مسـتوى أداء دون الأدنى.
وأضاف «مما يضـع المغرب ضمـن البلـدان الثالثيـة، مـع كل مـن مصـر وجنـوب إفريقيــا، التـي لا يمتلــك تلامذتها الكفايــات الأولية فـي مجــال فهـم النصـوص المكتوبة.»
وتبيــن الدراسـة أن التلامذة المتمدرسين بالمؤسسات الخاصــة هــم أحســن أداء مــن نظرائهــم بالمؤسسات العموميـة، إذ يبلغ أداؤهم 461 مقابل 340 نقطة.
ومن بيـن العوامل الفردية التـي تؤثـر بشكل ملموس في مستوى مكتسـبات التلامذة توجـد الثقـة فـي النفـس والتأخـر عـن السـن القانونـي، والمعارف المبكرة فـي القـراءة والتغيـب.
أمـا على المستوى السياقي، أوضح المصدر ذاته، أن العوامل المرتبطة بموقع المدرسة والمستوى السوسيو اقتصادي لتلامذتها، وبالمشاكل المرتبطة بالسـلوك والانضباط وبمسـتوى الإلحاح علـى النجـاح، كلهـا تعلـل الفـوارق الموجودة فـي النتائـج.
وتتطلـب هـذه النتائـج حسب ذات المصدر، بـذل المزيد مـن الجهـود للرفـع مـن مسـتوى جـودة الكفايـات فـي القراءاتـية لـدى التلاميذ، بـدءا بتعميـم التعليـم الأولي، الـذي تبيـن الدراسـة الصلـة بيـنه وبيـن مسـتوى الكفايـات، باعتبـار أن التعليـم الأولي يقـوم بـدور حاسـم فـي إكسـاب الطفـل الكفايـات المبكرة فـي القـراءة والكتابـة، والتـي تؤثـر لاحقـا بشـكل إيجابـي فـي تعلمـات التلامذة.


الكاتب : التازي أنوار

  

بتاريخ : 31/08/2019