المجلس الأعلى للحسابات يشخص اختلالات صندوق التجهيز الجماعي

مساهمة محدودة في تمويل الجماعات الترابية، وضعية احتكار فعلي غير مستغلة بشكل جيد ونسب فوائد مرتفعة مع عدم تسديد الديون المتعثرة

 

سجل المجلس الأعلى للحسابات في معرض تقريره عن صندوق التجهيز الجماعي أنه بالرغم من التوصيات التي سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن أصدرها بخصوص تدخلات الصندوق والمؤطرة بإعلان السياسة العامة لسنة 1993 الذي يقدم بعض المبادئ التوجيهية لوضع استراتيجية للصندوق ترتكز على أهداف الفعالية وقواعد التدبير الجيد. وقد حدد هذا الإعلان شرطين أساسيين لمنح القروض وهما: نسبة مديونية تزيد عن 40%، وتمويل ذاتي يصل إلى 20 %. وبالرغم من مرور أكثر من عشرين سنة من إصداره، فإنه لم يتم تحيين إعلان السياسة العامة لتأخذ بعين الاعتبار النظام الأساسي للصندوق باعتباره بنكا، وكذا مستلزمات التنمية المحلية.

كما سجل المجلس عدم احترام بعض الشروط التي نص عليها إعلان السياسة العامة لاسيما: – موافقة لجنة القروض على طلبات القروض لجماعات ترابية تتجاوز مديونيتها 40%؛ – منح امتياز بالموافقة على طلبات القروض لفائدة بعض الجماعات بدون توفرها على شرط التمويل الذاتي المحدد في 20% من تكلفة المشروع؛ – تمويل قطاعات غير مشمولة على غرار تمويل المساهمة في الحساب الجاري للشركاء.
وضعية احتكار فعلي غير مستغلة بشكل جيد

يستفيد الصندوق من وضعية احتكار فعلي لتمويل الجماعات الترابية. ولم يلاحظ أي تطور في هذا المجال رغم التوصية الصادرة عن المجلس سنة 2011. وبالرغم من أن التشريع الحالي لا يمنع تمويل الجماعات الترابية عن طريق السوق البنكي الوطني، إلا أن هذا النوع من العمليات يبقى نادرا. إن هذه الوضعية لم تشجع الصندوق على تطوير خدماته وطرق تدخله لفائدة القطاع العمومي المحلي. فسهولة التسويق التي يتمتع بها، مع شبه غياب المخاطر في استرداد ديونه جعلت مواكبة الجماعات الترابية محدودة جدا، خاصة فيما يتعلق بإعداد المشاريع والتقييم البعدي.

نسب فائدة مرتفعة

رغم الغياب النسبي لمخاطر القرض، فإن الصندوق يطبق شروطا تجارية مماثلة أو أعلى من تلك المطبقة في السوق البنكي. وبالرغم من تحسن شروط تمويل صندوق التجهيز الجماعي من السوق السندية والبنكية، فإن غياب المنافسة لا يسمح بتطور منحنى الفوائد لصالح زبنائه.
ويلخص الجدول التالي تطور نسب الفوائد المطبقة من طرف الصندوق منذ 2003
يلاحظ أن النسب المطبقة لم تنخفض بشكل واضح. فخلال العشرية (2006-2015) لم تسجل نسب الفائدة الثابتة والمتغيرة إلا انخفاضا طفيفا ب 75 نقطة من القاعدة، بالرغم من انخفاض تكاليف موارد الصندوق بشكل واضح. كما أن النسب البنكية المطبقة من طرف المؤسسات في تمويل مشاريع الاستثمارات الخاصة (المقاولات، والأشخاص) قد انخفضت بوتيرة مطردة.
كما أن نسبة الفائدة المطبقة من طرف الصندوق لا تأخذ بعين الاعتبار نوعية الجماعة الترابية وحجمها والقطاع المعني بالاستثمار.
وبعد أن أصبح الصندوق يحقق نتائج بنكية مهمة، تقرر لأول مرة في إطار قانون المالية لسنة 2013، دفع جزء من أرباحه لفائدة الدولة. حيث دفع الصندوق إلى الميزانية العامة للدولة مبلغا إجماليا قدره 353 مليون درهم برسم السنتين 2013 و2014. كما وافق المجلس الإداري بتاريخ 30 أكتوبر 2015 على دفع مبلغ صاف مقداره 150 مليون درهم طبقا لمقتضيات قانون المالية لسنة 2015. وقد تجاوزت هذه الدفعات 500 مليون درهم برسم ثلاث سنوات، إلا أنه لم يرافقها تصور يرمي إلى استفادة الجماعات الترابية من نتائجها.
غياب إطار يحدد العلاقة بين الصندوق ووزارة الداخلية

إن مواكبة الوصاية للصندوق، من خلال المديرية العامة للجماعات المحلية، تكتسي طابعا مهما في تعزيز العلاقات بين الجماعات المحلية، وذلك من أجل تحديد الحاجيات واحترام الشروط المطلوبة من طرف الصندوق للموافقة على التمويلات. وتزداد هذه الأهمية عندما يتعلق الأمر بتنزيل برامج التنمية القطاعية الحكومية (PAGER ،PERG وتنمية المناطق الصناعية) على المستوى المحلي. غير أن العلاقات بين الصندوق وهذه المديرية وأقسام المالية المحلية، لا ينظمها إطار يحدد مسؤولية الأطراف والمساطر التي يجب اتباعها (مساطر وآجال معالجة الطلبات ومدتها والحصول على المعطيات، وقائمة المعلومات…).
تغطية محدودة للجماعات الترابية

خلال اثني عشر سنة (2003-2014)، لم يتجاوز عدد الجماعات الترابية المستفيدة 620 جماعة، أي بنسبة 38,90% من مجموع الجماعات الترابية بكل فئاتها. فالأقاليم والجماعات القروية تعتبر الأقل استفادة بتغطية تقدر على التوالي ب 30,77% و32,61%، في حين استفاد 81,25% من الجهات و72,4% من الجماعات الحضرية. رغم أن قدرة الجماعات القروية على الاستدانة أقل من قدرة الجماعات الحضرية، وأن اللجوء إلى قروض الصندوق قرار يرجع اتخاذه للمستشارين الجماعيين، فإن عدم تغطية ثلثي الجماعات القروية يطرح التساؤل حول الشروط التقييدية للحصول على التمويل.
عدم التحكم في الوضعية العقارية للمشاريع

لوحظ أن أغلبية ملفات طلبات القروض لا تتضمن المذكرة المتعلقة بالوضعية القانونية للعقار الذي سيقام عليه المشروع. هذه المذكرة يفرضها دليل التمويل ضمن الوثائق المكونة للملف الإداري لطلب القرض. ويتعلق الأمر خصوصا بمشاريع التجهيز التجاري والتجهيز المتخصص والتجهيز الرياضي والثقافي.
وبالتالي، فإن المشاكل المتعلقة بالوضعية القانونية للعقار يمكن أن تسبب في التأخير على مستوى إنجاز بعض المشاريع وعلى مستوى سحب القروض. وقد قام صندوق التجهيز الجماعي بإعداد جدول يلخص الوضعية القانونية للعقارات المعنية بالقروض الممنوحة لتمويل مشاريع التجهيز خلال الفترة 2010-2014. لكن المجلس يسجل أن بعض العمليات لم تكن مبررة فيما يخص الوضعية العقارية للأراضي (أوريكا، خريبكة، صفرو، الرماني).
لذا، يوصي المجلس الأعلى للحسابات صندوق التجهيز الجماعي باحترام دليل التمويل وبوجو تقديم كل الوثائق التبريرية المتعلقة بالوضعية القانونية للأراضي المخصصة للمشاريع. كما يوصي أن يكون منح القروض مشروطا بتسوية الوضعية القانونية لهذه الأراضي.
وسجل المجلس محدودية عملية تعبئة التمويل الذاتي تنضوي تعبئة التمويل الذاتي من طرف الجماعة المقترضة بنسبة 20% من تكلفة المشروع ضمن شروط قبول طلب القرض. ويمكن أن يكون التمويل الذاتي على شكل فائض الميزانية أو مساهمة عينية أو مساهمة أو هبة.
ويفرض دليل التمويل تبرير البرمجة أو توفر التمويل الذاتي كأهم الوثائق المكونة لملف طلب القرض. في حين لوحظ أن أغلب تلك الملفات لا تتضمن أي وثيقة من هذا النوع، مما يحول دون تأكد الصندوق من أن الجماعة عبأت فعلا المساهمة التي صرحت بها في ملف طلب القرض.
من جهة أخرى، وعلى المستوى العملي، فإن الصندوق يقبل مساهمات الشركاء، في إطار اتفاقية، كمساهمة من طرف الجماعة.
أما بالنسبة للقروض المتعاقد بشأنها في إطار خطوط القرض، فإنه يعتبر التمويل الذاتي بنسبة 20 % تمويلا ذاتيا لخط القرض كله وليس فقط لكل قرض منه على حدة. مما يؤدي إلى التمويل الكلي لبعض المشاريع، في حين أن التمويل الذاتي بنسبة 20% لم يتحقق بالنسبة لمجموع خط القرض.
كما سجل المجلس ضعف نموذج تحليل الوضعية المالية للجماعات الترابية يتم التحليل المالي لطلبات القروض على أساس الحسابات الإدارية التي تم التصويت عليها خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وبناء على ميزانية السنة الجارية المصادق عليها. وقد أثار اللجوء إلى هذه المنهجية الملاحظات التالية: – غياب مسطرة معتمدة للتحليل المالي للجماعات الترابية المعنية؛ – الاعتماد على سجل المنجزات في الموارد والنفقات وكذا الإسقاطات على المدى القصير، بينما قد تمتد مدة القرض إلى 15 سنة؛
مراجعة غير مبررة لمبالغ طلبات القروض

لوحظ أن عددا مهما من طلبات القروض عرفت مراجعة غير مبررة لمبالغ القروض قصد النقص منها أو الزيادة فيها. وبالمقابل، تم تعديل 46 طلبا. (10 %) بمبلغ إجمالي قدره 423 مليون درهم، بالزيادة في مبلغها بقيمة 25 مليون درهم، دون تقديم طلب رسمي من طرف الجماعات المعنية، منها 17 مليون درهم همت سبع (7) طلبات استفادت من زيادة تجاوزت مليون درهم لكل طلب. وقد سجل بهذا الخصوص الملاحظات التالية:
– عدم التمكن من أدوات تقدير الإعداد التقني والمالي للمشاريع، خاصة ما يتعلق باستعمال وتحيين اللائحة المرجعية للأثمان حسب طبيعة المشاريع والمناطق المتواجدة بها؛
– تسوية طلبات القروض بالقبول الضمني لطلب ثان موضوع المراجعة بعد اجتماع لجنة القرض؛ – عدم تبرير المراجعات بدراسات جديدة أو بمعطيات متعلقة بالمشاريع.
لذا، يوصي المجلس الأعلى للحسابات الصندوق بمراجعة مبالغ القروض على أساس طلبات أولية مدعمة بدراسات موثوق بها أو بمعطيات محينة تتعلق بالمشاريع.
عدم تسديد الديون المتعثرة

تهم الديون غير المسددة الأقساط السنوية التي لم يتم دفعها في الآجال التعاقدية المحددة. فحسب معطيات مديرية المالية، انتقلت هذه الديون بين سنتي 2010 و2014 من 142,9 مليون درهم إلى 67,2 مليون درهم. كما بلغت الديون المتعثرة مبلغ 97,98 مليون درهم سنة 2011 و100,5 مليون درهم سنة 2012، قبل أن تنخفض إلى 37,14 مليون درهم سنة 2014.
وقد وقع الصندوق، في نونبر 2014، اتفاقية مع المديرية العامة للجماعات المحلية تلتزم هذه الأخيرة بموجبها بتسديد الديون غير المدفوعة (خارج فوائد التأخير) وتلك الواجب تسديدها بصفة استباقية بالنسبة لثلاث جماعات ترابية: (بوشفيعة، وسميعة وباركين)، بمبلغ إجمالي قدره 28,07 مليون درهم. في المقابل، التزم الصندوق بإلغاء فوائد
التأخير المتعلقة بالجماعات الثلاث، والتي وصلت إلى 14,03 مليون درهم. وتثير هذه العملية الملاحظتين التاليتين:
– تنفيذ التزام الصندوق في غياب قرار المجلس الإداري؛
– عدم تعميم هذه العملية على 10 جماعات، ووكالة مستقلة، بذمتها ديون غير مسددة لأكثر من 10 سنوات، منها الحالة الخاصة للجماعة القروية كزناية التي لم تقم بتسديد 15 قسطا سنويا (من 1996 إلى 2010) بمبلغ 732.197,60 درهم.
الحالة الخاصة المتعلقة بديون قروض وزارة التربية الوطنية
ترمي الاتفاقية المبرمة بين وزارات الداخلية، والتربية الوطنية، والاقتصاد والمالية، والصندوق بتاريخ 27 أكتوبر 1999، إلى تنفيذ برنامج إعادة تأهيل وتطوير البنية التحتية للمدارس، خصوصا في العالم القروي وفي ضواحي المدن بمبلغ إجمالي يصل إلى 1,5 مليار درهم مستحقة على مدى خمس سنوات انطلاقا من سنة 2009،
بمعدل 300 مليون درهم في السنة.
فمنذ سنة 2010، عرف تسديد القروض الممنوحة من أجل تطوير المؤسسات المدرسية (ووزارة التربة الوطنية) تأخرا كبيرا، تولدت عنه متأخرات متكررة للصندوق وبقيت حساباته معلقة بسبب الديون المتعثرة. حيث بلغت ديون وزارة التربة الوطنية في أواخر أكتوبر2015، ما مجموعه 24 مليون درهما من أصل 101 مليون درهم من الديون
المتعثرة. وقد ارتفعت هذه الديون سنة 2013 إلى 40 مليون درهم.
وقد لوحظ عدم تمكن مختلف الأطراف المعنية بهذه البرامج من معالجة العوائق التي عرقلت تنفيذها وكذا وضع الحلول النهائية لها.
وللتذكير، فإن المجلس سبق له تسجيل ملاحظاته، في تقريره الخاص لسنة 2011، إلى المشاكل المتعلقة بتنفيذ هذا المشروع.
لذا، يوصي المجلس الأعلى للحسابات الصندوق بالسهر على تصفية الديون المعلقة الأداء في أقر الآجال، وخاصة ما يتعلق منها ببرامج وزارة التربية الوطنية.
× تحويلات مفقودة تحتوي حسابات الصندوق على ديون غير مستخلصة بسبب تحويلات مفقودة وصل مبلغها الإجمالي عند متم سنة
2014 إلى 2,6 مليون درهم. ويرجع أقدمها إلى شهر أبريل 2000 وأحدثها إلى نفس الشهر من سنة 2013.
وقد لوحظ، خلال القيام بتسوية الأقساط السنوية، أن التحويلات لم تصل إلى الخزينة العامة للمملكة. وبالرغم من تأكيد كل القباض المعنيين للصندوق أن التسديدات قد تمت بالفعل، إلا أن المبالغ لم تحول بعد إلى حساب الصندوق المفتوح لدى الخزينة العامة للمملكة. وتجدر الإشارة إلى أن الصندوق والخزينة العامة للمملكة قد وقعا اتفاقية شراكة بتاريخ 24 يناير2007، تتعلق بالإجراءات المتبعة في الخدمات التي تقدمها للصندوق.
عدم التحكم في تغيير محتوى البرامج

تؤكد مسطرة الخدمة المعمول بها من طرف الصندوق على أن كل تعديل للبرنامج يجب أن يكون مسبوقا بمقرر للمجلس الجماعي. إلا أنه لوحظ اللجوء المفرط للزبائن لإدخال تعديلات على البرامج في غياب مقرر مسبق للمجلس الجماعي، خاصة ما يتعلق بالقروض التي تعاقدت عليها عدة مجالس تداولية، مع غياب الموافقة المسبقة للصندوق
الذي لا يتحكم في هذه التعديلات. من جهة أخرى، أعطى الصندوق موافقته خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2010 و2014، لما مجموعه 107 طلبا لتعديل البرامج من أصل 530 قرضا ممنوحا، أي ما يعادل 20 %. ولقد أثار تحليل هذه الطلبات الملاحظتين التاليتين:
– تم تعديل جميع البرامج قبل الموافقة المسبقة للصندوق الذي لا يطلع على هذه التغييرات، في غياب تتبعه للمشاريع، إلا بعد توصله بطلبات تحرير شرائح القروض؛
– تخص التعديلات المطلوبة في الأعم الأغلب تغيير الطرق والمسالك المبرمجة في عقود القروض والتخلي عن بعض مكونات المشاريع المبرمجة وكذا إدخال مكونات جديدة في التقييم التقني والمالي.
كما لم يوضح الصندوق أسباب تعديل البرامج من طرف الزبناء، خاصة ما يتعلق منها بالمحتوى والأهداف المحددة سلفا.
لذا يوصي المجلس صندوق التجهيز الجماعي بوضع مسطرة تحدد شروط تعديل البرامج مع ضمان تطبيقها.
× مبالغ مهمة متبقية بعد إعادة تخصيص الباقي من القروض أعطى الصندوق موافقته، خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2010 و 12015، على حوالي37 طلبا تخص إعادة تخصيص
الباقي من القروض، بمبلغ إجمالي قدره 73,77 مليون درهم أي بنسبة 12% من مجموع القروض الأولية.
وقد سجلت هذه الطلبات تأخرا كبيرا على مستوى الآجال بين السحب الأخير وطلب إعادة التخصيص التي بلغت أحيانا 1603 يوما. أي بمعدل 645 يوم. وهو نفس الأمر الذي ينطبق على آجال معالجة هذه الطلبات من طرف الصندوق التي تراوحت بين 20 و880 يوما، أي بمعدل 193 يوما.
لذا، يوصي المجلس صندوق التجهيز الجماعي بتتبع تنفيذ المشاريع وإلغاء ما تبقى من القروض المتعلقة بالمشاريع المنجزة والمنتهية أو التي تتجاوز، دون مبرر، الآجال التعاقدية لسحب الأموال.


بتاريخ : 25/04/2017