المحطة الطرقية أولاد زيان … مداخيل مالية «بئيسة» وفشل تدبيري يركب حافلة الإفلاس

معظم المرافق الحيوية للعاصمة الاقتصادية، تعيش على إيقاع التذبذب والاندحار، بدءا بقطاع النظافة الذي يعد عصب قيام أي مدينة فما بالك بعاصمة للمال، والأعمال وثالث أكبر مدينة افريقيا، هذا القطاع الذي يعرف مشاكل عديدة ومتعددة، فقط ترافقه وعود عسلية حول إصلاحه، إلا أن هذا الإصلاح لم يظهر منذ سنتين في شوارع المدينة ودروبها.

ثاني قطاع مهم يعرف تعثرا مخجلا هو قطاع النقل الحضري عبر الحافلات، الذي لم يستقم حاله منذ سنة 2004 الى الآن، وبعد أن ظهر بصيص أمل، أخبرنا المدبرون أنهم سيعتمدون في عملية إصلاح القطاع، خلال الفترة الأولى على 400 حافلة، لفظتها بعض عواصم أوربا.
المتتبع للشأن المحلي البيضاوي لن يستغرب التعثرات التي تعرفها مثل هذه القطاعات المهمة الكبرى. خاصة اذا ما قام بإطلالة على مرافق أخرى لم تفشل في تدبيرها حتى أصغر البلديات. ولن تفشل في تدبيرها حتى الجمعيات. الأمر يتعلق بالمحطة الطرقية أولاد زيان.
كما يعلم الجميع هذه المحطة بنيت خلال الولاية التي تربع على رأس مجموعتها الحضرية، عبد المغيث السليماني وكمو. وظلت لسنوات مصدرا ماليا مهما، لرسم الخريطة الانتخابية البيضاوية، في الحقيقة لم يفصح أعضاء مجلس المجموعة الحضرية عن الكيفية التي تمت بها عملية تفويت هذه المحطة الطرقية. لكن رافق عملية إحداثها تطبيل كبير، كونها ستكون مصدر مداخيل مالية لخزينة الدار البيضاء، وستنظم عملية السفر بالنسبة للمواطنين، وستشغل عددا لا يستهان به من شباب المدينة، كما أنهم سيخلقون داخلها نشاطا تجاريا محترما، سيستقطب زوارا كثرا، وسيجد المسافر فيها كل سبل الراحة.
بمجرد ما انطلقت هذه المحطة في نشاطها، حتى تضاعف عدد المحلات التجارية، وتحولت بعض المحلات التي بنيت من أجل إسعاف المرضى أو من أصيب بعطب مفاجئ، إلى محلات تجارية، في خرق سافر للتصميم المدون في دفتر التحملات الذي قدم للمستشارين في تلك الحقبة.
خرجت الشركة المدبرة للمحطة الطرقية في سنة 2018، تاركا وراءها ديونا فاقت المليار لصالح المدينة لكن حين الغوص في تفاصيل الإجراءات والتدابير، سيتضح أن بناء المحطة لم تسبقه أي دراسة علمية، من شأنها أن تفي بغرض حسن تنظيم السفر عبر الحافلات وتوفير مداخيل كافية للشركة، من خلالها تنتعش الخزينة المالية للمدينة، التي وضعت ثمن 600 مليون سنتيم في كل سنة كواجب للكراء.
المداخيل المالية للمحطة الطرقية اليوم لا تتعدى مبلغ 30 ألف درهم في اليوم كمعدل وفي أحسن الأحوال أي خلال المناسبات لا يتجاوز مدخولها 45ا ألف درهم. وهي واجب الاستخلاص من الحافلات المنطلقة منها أو القادمة إليها. إذ يؤدي كل صاحب حافلة 0,25 درهم من الكيلوميتر الواحد. وهي أرخص سومة على صعيد جميع المحطات الطرقية المؤثثة للمدن المغربية. أضف إلى ذلك أن التسيب يضعف المداخيل، بحكم أن معظم حافلات المسافرين، تنطلق من خارج المحطة دون أن تؤدي الرسوم الواجبة. ومع ذلك لم يكن هناك تدخل فعلي وحازم للقضاء على هذه الفوضى وهذا التسيب.
اليوم يعيش هذا المرفق على ايقاع الفراغ التدبيري، فبعد أن وصل عقد التدبير بين الشركة المسيرة منذ التسعينات ومجلس المدينة في سنة 2018 وجد المسؤولون في المدينة أنهم أمام مشكل حقيقي، محطة تغيرت معالمها، يتحكم في مفاصيلها »”الكورتية”« والغرباء المتطفلون.
حاول مجلس المدينة تدبيرها بشكل مباشر من خلال عاملين تابعين له. لكن مدة 16 ساعة كانت كافية. لتظهر بأن المداخيل لم تصل حتى إلى ربع المداخيل المعتادة. ليضطر رئيس المجلس، إلى الاستغاثة بالموظفين التابعين للشركة المغادرة. من جديد. وهم الموظفون الذين قضوا هناك زهاء 21 سنة لهم من التجربة ما يكفي لإعادة الأمور إلى نصابها. هؤلاء وجدوا أنفسهم في حالة معلقة بعد أن غادرت شركتهم الأم، منهم من لجأ للقضاء لضمان حقوقه، ومنهم من ظل في انتظار حل قد يأتي او لا يأتي، وممن استمروا في عملهم، تؤدي أجورهم شركة مياومة خاصة بالنظافة والحراسة، كانت لها عقدة مع الشركة الأم. هنا سيزداد الخلط على المسؤولين إذ كيف لشركة مياومة لها عقدة مع شركة غادرت المحطة ظلت هي مشتغلة ومن وقع معها عقد الاستمرار؟
المعطيات ذهبت الى أن مجلس المدينة، كلف شركة التنمية المحلية »الدر البيضاء للنقل« بتدبير المحطة، وهي من رخصت لشركة المياومة الاستمرار في عملها. إذ كان مجلس المدينة قد صوت في إحدى دوراته بأن تتكلف شركة التنمية المحلية بتدبير المحطة، هذه الاخيرة لما قدمت للمحطة في زيارة واحدة يتيمة وعدت الموظفين بأنها ستستمر في تشغيلهم ولن تستغني عنهم، لكن العجيب والمثير أن كازاطرانسبور لم يعد يظهر لها أثر في هذه المحطة، بعد أن قالت بأنها ستعيد إصلاح المحطة، حيث اكتفت باقتناء بابين كبيرين، واحد تم تركيبه والثاني يواجه الصدأ في أحد أركان المحطة.
بعد هذا الإجراء، سيطفو على السطح موضوع أحقية الشركة في استخلاص الإتاوات من أصحاب الحافلات، إذ بالرجوع إلى القرار الجبائي الجماعي المحدد للإتاوات الخاصة بالمرافق والمحلات التجارية، لا نجد أي أثر للمحطة الطرقية، وهنا يطرح السؤال كيف حدد مدبرو هذه المحطة سومة 0,25 درهم للكيلو متر بالنسبة للحافلات. وعلى أي أساس تم اعتماد هذه السومة؟
الجواب حين الرجوع إلى رسوم التصاميم الخاصة بتهيئة المدينة، فالمحطة لا وجود لها أساسا، ولم ترخص الوكالة الحضرية بإحداثها أصلا وهو ما يطرح عدة علامات استفهام. منها لماذا لم يصحح وضع المحطة، وهل ما يتم استخلاصه منها جائز قانونا أم لا؟
وبحسب الرواية التي يعرفها كل متتبعي الشأن المحلي، فإن المحطة الطرقية، شيدت على أرض وهبتها بنت ابن امسيك للدار البيضاء بغرض إحداث مقبرة. وهي المقبرة المعروفة الآن بالروضة المنسية وكذا إحداث حديقة كبرى تكون متنفسا للبيضاويين وهي التي تم تحويلها إلى محطة طرقية. وإذا علمنا أن الهبة تكون شروطها محددة، فإن إحداث هذه المحطة خارج عن البنود القانونية المحددة لهذه الهبة. وبالتالي لا يحق لأحد أن يستثمر في العقار المعني بها غير ماهو مدون في الهبة.
هذه المعطيات جعلت شركة الدار البيضاء للنقل، تسحب علامتها التعريفية من الوصولات المقدمة لأصحاب الحافلات، ولم تقو على مطالبة أصحاب المحلات التجارية داخل المحطة بأداء واجب الأكرية، الأمر الذي حدد من مداخيلها المالية أكثر.
اليوم، هناك تفكير في أن يدبر مجلس المدينة هذا المرفق بشكل مباشر، لكن هل يتوفر على مقومات التدبير، أي هل له من الموظفين من له التجربة في هذا الباب؟ و هل قام أصلا بتصحيح الوضعية القانونية لأكبر محطة طرقية على صعيد البلاد؟
أكثر من هذا أو ذاك هل موقعها الآن لا يشكل تعثرا للمدينة وللمسافرين؟ في أفق تفويض تدبيرها إلى شركة للتنمية المحلية. من جديد على مدبري الشأن المحلي البيضاوي خلق أرضية سليمة كي تؤدي هذه المحطة الدور الذي أحدثت من أجله.


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 15/02/2020