المخرج يسري نصر الله: المغرب استطاع في وقت وجيز أن يقدم نفسه كبلد سينمائي بامتياز

اعتبر المخرج المصري يسري نصر لله أن موقع مهرجان مراكش للفيلم الدولي يحتل مكانة مهمة بالنسبة إليه، ليس في إطار المجاملة أو المفاضلة بينه وبين المهرجانات الاخرى، خصوصا منها العربية، ولكن باعتبار ان المغرب البلد العربي الوحيد، باستثناء لبنان، الذي عرف أهمية تاسيس مهرجان بل مهرجانات، ومركز قومي للسينما (المركز السينمائي المغربي)، و نوادي السينما .. لتشجيع السينما الوطنية أولا، حيث أصبح هناك إنتاج محترم على مستوى الأفلام السينمائية المغربية الجيدة، و ثانيا لفتح البلد أمام شركات إنتاج أجنبية لتصوير افلامها بالمغرب، الذي يتوفر على طبيعة خلابة و متنوعة و على إمكانيات سينمائية محترمة، وعلى مهنيين سينمائيين وفنيين من مستوى عال..، ومن ثمة أرى المهرجان – يقول يسري نصر لله في حديث لـ «الاتحاد الاشتراكي» – واجهة أساسية للنشاط السينمائي بشكل اساسي، وكذا النشاط السياحي.. وهذا كله لم يكن اعتباطا، بدليل أن المهرجانات المغربية الاخرى بخريبكة، و الرباط وتطوان و طنجة وغيرها .. أضحت تفرض، هي الاخرى نفسها كواجهة هائلة للسينما المغربية، من خلال الحركية التي تسجلها، ومن خلال، أيضا، تقديم المغرب كمكان للتصوير السينمائي من الطراز العالي، إذ في وقت وجيز استطاع أن يقدم نفسه كبلد سينمائي بامتياز، فروبير دي نيرو وسكورسيزي وغيرهما لم يأتوا للمغرب من أجل المال، بل من أجل شيء آخر مرتبط بالسينما اكثر من شيء آخر، وهذا كله عكس ما يجرى عندنا بجمهورية مصر العربية، حيث هناك عدد كبير من المخاطبين، من وزارات وجمارك وإدارات، ينبغي الاتصال بهم وأخذ التصاريح منهم، من أجل تصوير فيلم معين، وهذا يعرقل عملية التصوير، ويصيب الكثير بالإحباط و التذمرخصوصا الشركات السينمائية الاجنبية التي تريد التصوير عندنا، وهذه الامور بقدر ما تبكي فإنها تضحك، هذا إضافة إلى بعض العراقيل الناتجة عن الرقابة، للأسف. فقد أضحى أنجاز فيلم بالمعني الحقيقي للفيلم بمثابة معجزة في عالم بشع.
وأضاف نصر لله، في هذا السياق، أن المشكلة الاساسية التي تواجهنا في السينما العربية اثناء مشاركتنا في المهرجانات، هو الحضور المرتبط بالأزمات، بمعنى أن أغلبية الأفلام تتكلم إما عن مشاكل المرأة، أو الختان، أو الربيع العربي أو عن الإرهاب..، أي أن أفلامنا تكون دائما ردا على تساؤلات تثيرها نشرات الاخبار لديهم، فمثلا عند شاركت بفيلمي «بعد الموقعة» في مهرجان « كان» سألوني في ندوة صحافية: أين الإخوان المسلمون في الفيلم؟؟، بمعنى أنهم يريدون توضيحات و تفسيرات لم تذيعها نشرات أخبارهم، وهذا اعتبره كلاما فارغا، لأن ما أقوم به هو حكاية، فيلم فقط من تصوري الخاص و قناعاتي الخاصة، وأكيد أن المخرجين العرب في العديد من المهرجانات يصادفون نفس الأسئلة و التساؤلات المغلوطة في هذا الجانب، لأنهم ليسوا سفراء، ولا «مخبيرين» صحافيين أو رجال سياسة أتوا للتوضيح.. فهم فنانون يريدون مناقشة أفلامهم فقط كأفلام ليس غير، وهذه هي أهمية التواجد بالمهرجانات بغض النظر عن ما يثيره ذلك من ردود الفعل على المستوى المحلي، حيث مثلا عندما أنجزت فيلما بسيطا بعنوان «سرقة صيفية» يتكلم عن عائلة من ملاك الأراضي في أيام عبد الناصر، قالوا لي بعده «بأي حق يتكلم الرجل داه عن عبد الناصر؟؟»، و»هل هذا التوقيت المناسب لإثارة هذا الموضوع الفلاني؟؟» فما هي المؤهلات التي ينبغي أن تكون لدي للتحدث عن عبد الناصر، بالطبع هي التي أعرفها وعشتها..، وكذلك الامر ينطبق على موضوع «الثورة» وغيرها. إذن فالمخرج، دائما، معرض للابتزاز في هذا السياق، عن ما هي المشروعية التي تخول للإنسان التكلم كفرد لديه نظرة للعالم و للاحداث التي تجري حوله .. ومؤهلة لكي تحكى في فيلم، أو لوحة أو قصيدة شعرية أو قصة أو رواية.. تعلق الأمر بموضوع الجنس، المخدرات، علاقات زوجية، علاقات مثلية، إلحاد، بالإستئناس مع الحكومة أو ضدها، أو بأقليات دينية و في كل شيء.. فكلما تتثار هذه المواضيع تخرج السكاكين من منطلق العادات والأعراف و«حاجة مش لها دعوة بك..» و« مش لها دعوة بالثقافة».. و بالتالي، هي «أعراف و تقاليد» أرى أنها بدل ما تساعدك على العيش فهي تخنقك. أي نحن نتكلم عن السينما وكانها بمعزل عن الحالة الثقافية لعالم رافض أن يعرف كيف أنه يعيش في الأمر… وهذا ينطبق، للأسف،على كل البلاد العربية.
وفي سؤال حول انعكاسات «الربيع العربي»، بما حمله من سلبيات و إيجابيات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي على الواقع العربي عموما والمصري خصوصا، على السينمات المحلية.. اكد يسري نصر ان «الربيع العربي» خلف ضحايا كثرا، لكن- يقول – 2011 كانت لحظة من 66 سنة كنا نناضل خلالها من أجل اكتساب حريات..، وفي لحظات معينة منها ننتزع شيئا، وفي لحظات أخرى العكس. واليوم عندما نقول سينما «الربيع العربي» فالخطر الاساسي الذي يواجه السينمائيين يتحول إلى السينما لإعلام للحكومات الخائفة من الربيع العربي. والسؤال الاساسي الذي يطرح في هذا الإطار كيف انجز فيلما لا يمكن منعه، وفي الوقت نفسه لا يزعج الحكومة، وهذه على الأقل، بالنسبة لي، هي مشكلتي الكبيرة، لكن في حقيقة الامر- يقول يسري نصر – «احنا تربينا كده نحاول حل هاته المعادلة»، وبالتالي كسينمائي، لا يمكن لي أن أضع «الربيع العربي» كتاريخ فاصل- بالرغم من أنه تاريخ فاصل في جانب معين – من أن الناس أضحوا ينظرون إلى قوتهم، ولكنهم خائفين في الوقت نفسه.
ويضيف نصر لله في هذا الاتجاه، فلما أخرجت فيلم «بعد الموقعة» عن الموضوع، هوجم الفيلم من كل النواحي ومن لدن العديدين، لكن في آخر الأمر لا يهمني الإجماع، لأني لن أدخل انتخابات وجمع أصوات، فنحن دخلنا ثورة وابتدات الثورة، وفجأة اكتشفنا أن الأمر خطير جدا، فقمنا بكنس ميدان التحرير، و قلنا «احنا مش بتوع جنس، وقمة الاخلاق…» وذقنا الحرية..، ورأى البعض أنها «أشياء بتخوف» فتراجعنا..، فكان هذا هو الفيلم، وكان هذا غضبي من الثورة، فالبنت الثورية، مثلا، ذهبت تقبل شخصا، ثم خافت، فأصبح هاجسها كيف تمسح هاته «البوسة» (القبلة).
وعن سؤال حول تفعيل بنود الاتفاقية التي وقعت بين المجلس الاعلى للسينما في مصر والمركز السينمائي المغربي في السنوات القليلة الماضية لتبادل الزيارات المهنية وتبسيط إجراءات التصوير ومنح الامتيارات بين مهنيي البلدين، وكذا إمكانية الاستفادة شخصيا من هاته الإجراءات لتصوير فيلم له بالمغرب، أجاب المخرج المصري يسري نصر لله «صراحة، ليس لدي ثقة كاملة في هاته الأشياء الرسمية. فأنا شخصيا، عندما أريد تصوير فيلم هنا بالمغرب لمن سأتوجه، سأتوجه، بالتأكيد، إلى أصحابي الذين أعرفهم وأقول لهم أريد التصوير هنا بالمغرب، سآتي على سبيل المثال لنور الدين الصايل، إلى نبيل عيوش وغيرهما، وهم سيوجهونني، وبالتالي فانا متاكد من معرفة الطريقة التي سأسلكها لتصوير هذا الفيلم، والامر نفسه بالنسبة لعيوش و هشام و ليلى المراكش..عندما يريدون التصوير بمصر سيكلمونني شخصيا بغض النظرعن الاتفاقيات و القرارات، إذا كانت موجودة بالفعل، و التي يمكن الرجوع عليها إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
وبخصوص متابعته للسينما المغربية، أفاد يسري نصر الله أنه بالفعل تابع العديد من الإفلام من قبيل افلام نور لخماري ك» كازا نيغرا» ونبيل عيوش و ليلى المراكشي،» وهي بدون مجاملة اعتبرها أفلام ممتازة، تثير الكثير من القضايا المهمة ولها تفرد خاص مهم جدا، وليس لها شبه ببقية الافلام العربية الاخرى، بالإضافة إلى أنه «لديكم ممثلين «هايلين» و رائعين».


الكاتب : مراكش: جمال الملحاني - تصوير الحسني البومسهولي

  

بتاريخ : 08/12/2018