المصالحة أخلاق

 

نجاح المصالحة الداخليةعملية متعددة الأبعاد، إنها بالتأكيد ضرورة تاريخية نابعة من تقدير سياسي ووعي استراتيجي بطبيعة المرحلة وضروراتها التنظيمية والفكرية والسياسية، في أفق إعادة الاعتبار للصف الوطني الديمقراطي التقدمي، وتصحيح موازين القوى في اتجاه تعزيز المسار الديمقراطي الناشئ ومواجهة تيارات النكوص والارتداد والعدمية التي أصبحت تهدد كل ما راكمه الشعب المغربي وقواه الحية على امتداد عقود من النضال الصعب والقاسي في كثير من الفترات.
المصالحة بهذا الأفق انطلاق سيرورة جديدة، بدايتها تجميع كل الطاقات الاتحادية المؤمنة بأن الاتحاد ليس فقط تاريخا وذكرى وإنما هو مشروع مجتمعي متجدد، وغايتها إعادة اللحمة لقوى اليسار حتى يكون قادرا على تحقيق التنمية العادلة والديمقراطية الشاملة والحداثة الخلاقة المتشبعة بقيم الحرية والتسامح والعقلانية…
بهذا المعنى تحتاج المصالحة بذل مجهود فكري ومجاهدة نفسية من قبل الجميع. فنحن بحاجة ماسة إلى تحديد موضوعي لعيوب ممارستنا التنظيمية ولعلاقاتنا المؤسسية والإنسانية، وإلى مساءلة مدى مطابقة تلك الممارسات والعلاقات للفكر الاتحادي الديمقراطي الحداثي. وفي الوقت نفسه تتطلب المصالحة من كل مناضل ومناضلة أن يشتغل على ذاته حتى يكون قادرا على تجاوز ما شاب حياتنا التنظيمية وعلاقاتنا الإنسانية من تشنج وخصام ونفور، ومن أحقاد تكشف عنها ما يتفوه به السفهاء منا تجاه من يسعون إلى المصالحة.
وإذا كان من متطلبات المصالحة السياسية فتح حوار أخوي بين كل الاتحاديين والاتحاديات القابلين مبدئيا بالمبادرة والمستعدين فعلا للانخراط فيها، بغية الإسهام الجماعي في تصحيح ما ينبغي تصحيحه، وتقويم ما يحتاج إلى تقويم، وتقديم أفكار جديدة ورؤى متطورة تهم الخط السياسي والعمل التنظيمي، فإن المتطلب الأساس في نظري هو المتطلب الأخلاقي، وأعني به الحرص على التحلي بقيم أصيلة ساعدت دوما على تجاوز معضلات تنظيمية وخلافات سياسية في ما يخدم الوحدة. أول تلك القيم النزاهة في الحكم على الآخر دون تبخيس لذاته ولا مس بشخصه ولا تشكيك في انتمائه ونضاله. إن من يسعى لإيذاء أخ أو أخت له في التنظيم، بالفعل أم باللسان، في السر أم في العلن، هو في نهاية الأمر عدو للمصالحة ومخرب للمبادرة، ويحق أن يكون موضوع شك له ما يبرره. ثاني القيم الصدق في القول والعمل، وليس من الصدق في شيء أن يكون المناضل(ة) حمالا لأوجه تتلون حسب المجالس والجليس. المصالحة بحاجة إلى شجاعة فكرية ووضوح المواقف، كما هي بحاجة إلى الإنصات والتفهم وتقدير الآخر واحترامه كشخص ورأي. ثالث القيم التواضع، ومفاده ألا يعتبر أي كان(ت) أنه مناضل(ة) خارق، هو كل شيء ولا شيء دونه. نحن مناضلون ومناضلات متساوون في الحقوق والواجبات، ولا فضل لبعضنا على بعض الا بالتقوى التي تعني في السياسة الوفاء للفكرة والالتزام بفروض الانتماء. طبعا من حق قادتنا ورموزنا علينا أن نقدر دورهم ونثمن عطاءهم ونجعل لنا منهم مصدر حكمة وروية وتبصر، دون تبجيل ولا مديح، ونرى فيهم الأقدر على إنجاح المصالحة باعتبارها مبادرة سياسية وتنظيمية وضعت نصب عينيها أفقا اتحاديا واعدا.
بدون الصون الأخلاقي لمبادرة المصالحة، لن يكتب للمبادرة النجاح، إن الاتحادي والاتحادية الأقوى ليس هو(ي) من يزهو بنفسه ويبخس غيره، وليس هو (ي) من يعتقد أن السباب على الحائط الأزرق شجاعة أدبية وبطولة لغوية، وليس هو من يلقي بالأحكام على عواهنها ولا ينظر إلى تاريخه في المرآة.


الكاتب : عبد السلام الرجواني

  

بتاريخ : 19/11/2019