الملك فيليبي يؤكد ان كاتالونيا جزء لا يتجزأ من اسبانيا منددا بمحاولة الانفصال

ندد العاهل الاسباني الملك فيليب السادس بما اعتبره “محاولة انفصال غير مقبولة”، في اشارة الى إقليم كاتالونيا، في وقت تستعد الحكومة الاسبانية لاتخاذ خطوات غير مسبوقة لاستعادة بعض الصلاحيات الممنوحة للإقليم.
وابدى قادة الاتحاد الاوروبي دعمهم لمدريد، ومنهم رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني الذي حذر من ان محاولات اعادة رسم خارطة اوروبا أسفرت في معظم الأحيان عن “جحيم من الفوضى”.

اعتبر فيليب السادس في خطاب تميز بلهجة عاطفية خلال توزيع جوائز اميرة استورياس، ان كاتالونيا “جزء اساسي من اسبانيا القرن الحادي والعشرين”، قائلا ان الازمة التي تسبب بها الاستفتاء المحظور في الأول من اكتوبر يجب ان ت حل “عبر المؤسسات الديموقراطية الشرعية”.
واضاف “لا نريد التفريط بما بنيناه سوية”، مشددا على التقد م الذي تحقق في اسبانيا التي نجحت بتجاوز “اخطاء الماضي”، في اشارة ضمنية الى ديكتاتورية فرانكو (1939-1975).
وتابع “لقد عشنا وتشاركنا النجاحات والاخفاقات والانتصارات والتضحيات التي وحد تنا بالفرح والمعاناة. لا يمكن ان ننسى هذا”.
واعتبر الملك فيليب ان انجازات اسبانيا كانت ممكنة “بفضل رغبة صادقة بالعيش المشترك والتفهم ومراعاة القوانين والديموقراطية”.
وجاء حديث الملك فيما تستعد حكومة رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي للانعقاد السبت بهدف تحديد السلطات التي ت خط ط لاستعادتها من المنطقة الشمالية الشرقية، فيما يرفض زعيم اقليم كاتالونيا كارليس بوتشيمون التخل ي عن تهديده بإعلان الانفصال.
وتدير حكومة كاتالونيا حالي ا شرطتها الخاصة ومؤس ساتها التربوية والنظام الصحي، لكن هناك تقارير عن ان راخوي يستعد لاحتمال استعادة السيطرة على الشرطة.
كما يمكن ان يفرض اجراء انتخابات جديدة في البرلمان الكاتالوني الذي يسيطر الانفصاليون على غالبيته منذ عام 2015.
وخلال القمة الاوروب ية التي كان مقر ر ا ان تتعامل مع قضية بريكست وجاءت أزمة كاتالونيا لت ضاف الى مشاكلها، قال راخوي ان الازمة بلغت “نقطة حاسمة” وان على حكومته التصر ف من أجل وقف “تصفية” حكم القانون.
ويقول بوتشيمون إن لديه تفويض ا باعلان الاستقلال بعد الاستفتاء الذي صو ت فيه 90% بتأييد الانفصال.
وحض رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك ورئيس البرلمان تاجاني ورئيس المفو ضية الاوروبية جان كلود يونكر خلال استلامهم الجمعة جائزة أميرة استورياس على ضرورة احترام القانون، في اشارة الى كاتالونيا.
وقال تاجاني في مدينة اوفييدو في شمال اسبانيا “البعض يبذرون الخلافات عبر تجاهل القانون عمدا”.

راخوي يطلب إقالة حكومة كاتالونيا
طلب رئيس الوزراء الاسباني المحافظ ماريانو راخوي من مجلس الشيوخ تعليق مهام حكومة كاتالونيا برئاسة كارليس بوتشيمون والدعوة الى انتخابات محلية في غضون ستة أشهر لضبط الاقليم الذي يلوح بالانفصال، وهو ما رفضه بوتشيمون.
واستنادا الى المادة 155 في الدستور التي لم تستخدم من قبل، طلب رئيس الحكومة المحافظ من مجلس الشيوخ منحه صلاحية حل برلمان كاتالونيا “للدعوة الى انتخابات خلال مدة اقصاها ستة اشهر”.
كما طلب إقالة الحكومة الكاتالونية التي يرأسها بوتشيمون كاملة، على ان تمارس “مهامها من حيث المبدأ الوزارات (الوطنية) طوال المدة التي سيدوم فيها هذا الوضع الاستثنائي”.
لكنه سارع إلى التأكيد على “عدم تعليق الاستقلالية ولا الحكم الذاتي” للاقليم، محاولا طمأنة الكاتالونيين المتمسكين باستقلاليتهم المكتسبة بعد نهاية ديكتاتورية فرانشيسكو فرنكو في 1975.
غير ان تفاصيل هذه الاجراءات التي نشرتها اجهزته لاحقا أظهرت سعي مدريد إلى الامساك بجميع مقابض إدارة الاقليم من الشرطة المستقلة الى الاذاعة والتلفزيون العامين، إضافة إلى وضع البرلمان الاقليمي تحت الوصاية.
ويتوقع ان يوافق مجلس الشيوخ، حيث يملك حزب راخوي الأكثرية، قبل 27 اكتوبر على الاجراءات التي طلبها راخوي، خصوصا بعد حصوله على دعم الحزب الاشتراكي، التشكيل الرئيسي للمعارضة، ودعم وسطيي كيودادانوس.
لكن رد الفعل لم يتأخر في كاتالونيا حيث انطلقت جوقات قرع على الاواني المعدنية في عدد من أحياء برشلونة.
وقال الزعيم الكاتالوني بوتشيمون مساء السبت ان اجراءات الحكومة الاسبانية لاقالة حكومة الاقليم وتنظيم انتخابات جديدة، لا تحترم دولة القانون.
واضاف في كلمة عبر التلفزيون ان هذه الاجراءات “لا تتلاءم مع السلوك الديموقراطي ولا تحترم دولة القانون”، داعيا برلمان كاتالونيا للاجتماع لبحث الازمة.
ومتوجها الى الاوروبيين بالإنكليزية، اكد بوتشيمون ان “القيم الاوروبية” باتت “في خطر”.
وكان بوتشيمون تصدر بعد الظهر تظاهرة كبرى كانت مخصصة في البداية للمطالبة باطلاق سراح اثنين من قياديي الدعوة للاستقلال المسجونين منذ الاثنين بتهمة العصيان.
وسار عشرات الالاف في الشوارع على وقع هتافات “حرية” و”استقلال”.
وقالت ميريتشيل اغوت، موظفة المصرف البالغة 22 عاما “يريدون تدمير الحكومة (الكاتالونية)، يمكنهم تدمير كل ما يشاؤون لكننا سنواصل النضال”.
وكان بوتشيمون هدد بدعوة البرلمان الاقليمي لإعلان الاستقلال في حال تفعيل مدريد للمادة 155.
وأفاد احد المتحدثين باسم نيابة مدريد وكالة فرانس برس انها تستعد لملاحقة بوتشيمون بتهمة “التمرد” في حال نفذ وعيده، وهي جريمة تصل عقوبتها الى السجن 30 عاما.
ويؤكد راخوي أنه يسعى إلى إعادة كاتالونيا إلى سكة القانون وإعادة بناء التعايش في مجتمع مزقته مسألة الاستقلال.

طبيعة الاجراءات الرادعة

فعلى ماذا تنطوي هذه الاقتراحات تحديدا؟
طلبت الحكومة الإسبانية من مجلس الشيوخ إقالة جميع أعضاء حكومة إقليم كاتالونيا، بمن فيهم رئيسها كارليس بوتشيمون ونائبه أوريول جونكيراس.
وقال راخوي للصحافيين إن الفكرة تتمثل في أن تتولى كل وزارة من حكومته ممارسة مهام أعضاء الحكومة الكاتالونية طوال المدة التي سيستمر فيها “هذا الوضع الاستثنائي”.

وطلبت الحكومة الإسبانية كذلك منح راخوي سلطة حل البرلمان الكاتالوني والدعوة إلى انتخابات في الإقليم “خلال مدة اقصاها ستة أشهر من تاريخ إقرار مجلس الشيوخ” الاجراءات. ويعتبر هذا من اختصاصات بوتشيمون في الأحوال العادية.
وليست الحكومة الكاتالونية وحدها من طاولها هذا القرار اذ أن مدريد طلبت الحصول على اذن لاستبدال أي شخص يعمل في الهيئات العامة الواقعة تحت سلطة حكومة الإقليم، في حال لزم الأمر.
وبموجب الاجراءات المقترحة، سيصبح جهاز شرطة منطقة كاتالونيا “موسوز ديسكوادرا” تحت سلطة مدريد بشكل مباشر.
وبحسب الوثيقة التي حددت أطر الاجراءات المقترحة، سيوجه الشخص الذي تعينه الحكومة المركزية لتولي زمام الأمور في وزارة داخلية الإقليم “تعليمات مباشرة إلى أعضاء شرطة كاتالونيا +موسوز ديسكوادرا+ سيتعين عليهم الالتزام بها”.
وفي حال لزم الأمر، سيكون من الممكن استبدال أعضاء القوة الأمنية الكاتالونية “بقوات أمن الدولة،” بحسب الوثيقة التي لم تأت على ذكر قائد شرطة الإقليم جوزيب لويس ترابيرو الذي يواجه اتهامات بإثارة الفتنة للاشتباه بأنه فشل في منع الاستفتاء المحظور على الاستقلال في 1 اكتوبر.
ولكن الشخص المسؤول عن وزارة داخلية الإقليم سيتمتع بالسلطة لاستبداله.
ستخضع “الاتصالات والخدمات الرقمية” كذلك إلى سلطة مدريد.
ويشمل ذلك مركز الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الذي يسيطر على جميع اتصالات الحكومة الكاتالونية وخدمات الانترنت فيها.
وبموجب الاجراءات المقترحة، سيكون من الممكن استبدال المدراء أو الموظفين في الإعلام الرسمي الكاتالوني.
وأكدت الحكومة الاسبانية في اقتراحاتها أنها ترغب في “ضمان نقل المعلومات الصادقة والموضوعية والمتوازنة والتي تحترم التعددية السياسية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى التوزان بين الأقاليم”.

ويعني ذلك أنه سيكون بمقدور مدريد تقرير ما سيتم بثه عبر قنوات تلفزيونية كاتالونية شعبية مثل “تي في3”.
واتهمت النقابات “تي في3” المحطة ببث معلومات منحازة لصالح الاستقلال تماما كما اتهمت النقابات قناة “تي في اي” الاسبانية الأخيرة بالانحياز لصالح مدريد.
اقترحت مدريد كذلك السيطرة على أنشطة البرلمان الكاتالوني، حيث يمتلك النواب المؤيدون للاستقلال الأغلبية الساحقة (72 مقعدا من 135).
ولم تدع الحكومة الإسبانية إلى استبدال كارمي فورساديل — رئيسة البرلمان الكاتالوني والمؤيدة بشكل قوي للاستقلال.
إلا ان وثيقة مدريد تنص على أنه “لن يكون بإمكان (برلمان الإقليم) التعامل مع مبادرات
تتعارض مع” الاجراءات المقترحة.
ولضمان عدم حدوث ذلك، تسعى الحكومة المركزية إلى تعيين كيان يضمن أن يكون كل نص يتعامل معه البرلمان متماشيا مع الاجراءات.
ويتضمن ذلك أي مشاريع قوانين يتم تقديمها إلى برلمان الإقليم.
ضد اوروبا

ويدفع الجناح المتشدد في التحالف الحكومي الاقليمي بوتشيمون إلى المضي في عملية الانفصال، لكن الصحافي السابق الذي يبلغ 54 عاما يماطل أمام التداعيات الاقتصادية للأزمة وقلة الدعم الدولي.
فقد دانت فرنسا والمانيا بحزم جهوده الانفصالية فيما يكرر الاتحاد الاوروبي التأكيد على عدم الاعتراف باستقلال كاتالونيا التي ستستبعد تلقائيا من الاتحاد.
والجمعة ندد رئيس البرلمان الاوروبي انطونيو تاجاني بحدة بالذين “يؤججون الخلاف (و)يتعمدون تجاهل القانون”.
ويقول مؤيدو الانفصال ان الاقليم الغني الذي يوفر خمس اقتصاد اسبانيا يقدم الكثير لدعم باقي الاقتصاد الوطني ويمكن ان يزدهر اذا ما مضى في خطته، لكن المعارضين يقولون ان كاتالونيا أقوى كجزء من اسبانيا وان الانفصال يمكن ان يؤدي الى كارثة اقتصادية وسياسية.
ومنذ الاستفتاء نقلت نحو 1200 شركة مقارها الى مناطق اسبانية أخرى، وسط تعليق للاستثمارات وتراجع الحجوزات الفندقية في الوجهة المفضلة للسياح في اسبانيا.
اسبانيا الجمعة لتعليق الحكم الذاتي في كاتالونيا والسيطرة بشكل مباشر على المؤسسات في الاقليم فيما تطالب الاحزاب السياسية باجراء انتخابات كحل للخروج من أسوأ أزمة سياسية تشهدها البلاد منذ عقود.
وكان مئات الانفصاليين يقومون بسحوبات مالية كبيرة ورمزية من بنوك كاتالونية احتجاجا على اعلان مدريد الخميس القيام باجراءات غير مسبوقة لفرض سيطرتها المباشرة على مؤسسات الاقليم الذي يتمتع بشبه حكم ذاتي، بعد ان هدد زعيمه باعلان الاستقلال.
والحكم الذاتي مسألة بالغة الحساسية في كاتالونيا التي انتزعت منها سلطاتها اثناء الحكم الديكتاتوري العسكري وهناك مخاوف من اندلاع اضطرابات في الاقليم الغني الواقع في شمال شرق اسبانيا، في حال قامت مدريد بالغائه.
وحذر رئيس الاقليم كارليس بوتشيمون من أن خطوات كتلك، يمكن ان تجبر المشرعين في برلمان الاقليم على اعلان الاستقلال من جانب واحد بعد استفتاء اثار الفوضى في الاول من اكتوبر حول مسالة الانفصال عن اسبانيا.
وتجتمع حكومة ماريانو راخوي السبت لاتخاذ قرار بشأن المؤسسات التي ستتسلم ادارتها مدريد من كاتالونيا التي تدير قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والشرطة، وقال راخوي الجمعة انه تم التوصل الى “نقطة حاسمة” في الازمة.
لكن فرناندو مارتينيز-مايو، المسؤول الثالث في حزب الشعب المحافظ بزعامة راخوي، قال ان اسبانيا يمكن ان تتجنب اجراءات جذرية كتلك اذا تراجع بوتشيمون عن قراره قبل ان يلتقي مجلس الشيوخ لمناقشة الخطط، بحلول نهاية اكتوبر على الارجح.
واكد ان بوتشيمون “يمكنه تغيير المسار، يمكنه العودة الى قانونية الدستور”.
من ناحيتها فإن الاحزاب الاسبانية الكبرى التي تجاوزت انقساماتها للتضافر لتجنب تفكيك اسبانيا، تدفع نحو انتخابات مبكرة للبرلمان الكاتالوني الذي يهيمن عليه الانفصاليون منذ 2015.
والانتخابات التي توافق عليها مدريد — بعكس الاستفتاء الذي اعتبر غير دستوري — سيسمح للناخبين بالتعبير عن رأيهم حول كيفية المضي قدما.
وذكرت تقارير صحافية ان الحكومة والمعارضة الاشتراكية وافقت على الدعوة لانتخابات مبكرة في يناير كأقرب موعد، وهو ما اكدته كارمن كالفو كبيرة المفاوضين عن الحزب الاشتراكي.
واضاف مارتينيز-مايو “واضح انه يتعين تنظيم انتخابات”.
في برشلونة تجمع انصار الاستقلال في البنوك وامام اجهزة الصرف الالي لسحب الاموال احتجاجا على الحكومة المركزية وعلى البنوك التي غادرت كاتالونيا، فيما ترخي الازمة بثقلها على احد اهم مكامن الاقتصاد في اسبانيا.
وكان بعض المحتجين يسحبون مبالغ رمزية لا تتعدى 155 يورو (183 دولار) في اشارة الى المادة 155 في الدستور تتعلق باجراء لم يستخدم من قبل، يسمح لمدريد بالسيطرة المباشرة على مؤسسات كاتالونيا.
وسحب آخرون مبلغ 1,714 يورو وهو رقم يطابق سنة 1714 عندما استولت قوات الملك فيليبي الخامس على برشلونة وقام الملك بعدها بتقليص حقوق المناطق التي وقفت ضده في حرب الخلافة. ويرى الكاتالونيون في هذا التاريخ رمزا لخسارتهم استقلالهم.
وقالت المحامية روزير كوبوس (42 عاما) التي سحبت 1714 يورو “انها طريقة للاحتجاج. لا نريد ان نلحق اي ضرر بالاقتصاد الاسباني او الكاتالوني”.
وبين اكثر من 90 شركة نقلت مقارها الى اماكن اخرى في اسبانيا، مصرفي كايجا بنك وسابادل اكبر مصرف في كاتالونيا. ويثير استمرار الازمة القلق لدى المستثمرين.
وخفضت مدريد هذا الاسبوع توقعاتها للنمو الوطني للسنة القادمة من 2,6 بالمئة الى 2,3 بالمئة، وقالت ان الازمة تثير حالة من عدم اليقين.
تزيد الازمة في كاتالونيا من متاعب الاتحاد الاوروبي الذي يواجه مسألة بريكست. لكن رئيس الاتحاد الاوروبي دونالد توسك قال الخميس ان الاتحاد لن يتوسط بين الطرفين فيما يستمر الانفصاليون في مطالبهم.
وتصر بروكسل على ان كاتالونيا مشكلة داخلية وحلها بيد اسبانيا.
وقال توسك امام قمة اوروبية في بروكسل “لدينا جميعا مشاعرنا واراؤنا وتقديراتنا لكن رسميا ليس هناك مجال لتدخل الاتحاد الاوروبي هنا”.
ورمت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بثقلهما خلف مدريد.
وقالت ميركل “ندعم موقف الحكومة الاسبانية”.
البرصا بين سندان الاقليم ومطرقة اسبانيا

وضعت الأزمة الحادة حول استفتاء استقلال كاتالونيا، نادي برشلونة – الممثل الرياضي الأبرز للاقليم – بين سندان المشجعين المؤيدين للاستقلال، ومطرقة الذين يريدونه ان يبقى جزءا لا يتجزأ من الدوري الاسباني لكرة القدم.
ومنذ إجراء الاستفتاء في الأول من اكتوبر، وسط معارضة صارمة من الحكومة المركزية التي حاولت منعه بالقوة واصطدمت قواتها الأمنية مع الكاتالونيين، يجد النادي نفسه في موقع الباحث عن توازن بين الرياضة والتطلعات السياسية.
وأمام الجمعية العمومية السبت، شدد رئيس برشلونة جوسيب ماريا بارتوميو على ان النادي “ليس أداة يتم التلاعب بها لمصالح سياسية، مضيفا بحزم “لا يمكن لأحد ان يستولي على شعارنا أو رايتنا”.
ومن اليوم الأول، وجد برشلونة نفسه في عين عاصفة الاستفتاء حول استقلال الاقليم الواقع بشمال شرق البلاد. يوم التصويت، كان من المقرر ان يستضيف على ملعبه كامب نو لاس بالماس ضمن بطولة اسبانيا. لم يخف النادي الزائر رغبته في رفع علم المملكة، في مواجهة ناد يؤيد لاعبون منه، لاسيما المدافع جيرار بيكيه، حق الاقليم في تقرير المصير على الأقل.
وبعد رفض رابطة الدوري إرجاء المباراة على رغم جرح المئات في الصدامات مع الشرطة، قرر برشلونة إقامة اللقاء خلف أبواب موصدة، في خطوة احتجاجية. وعلى رغم ذلك، استقال عضوان من مجلس إدارة برشلونة احتجاجا على قرار خوض المباراة.
وقال بارتوميو السبت ان هذا القرار كان “من الأصعب” خلال رئاسته للنادي، نافيا ابتعاد برشلونة عن قاعدة مشجعيه الكاتالونية.
وقال “لا يمكن لأحد ان يشكك في التزام برشلونة حيال المجتمع الكاتالوني. ندافع عن مبادىء الديموقراطية، الحق بالتقرير والرأي”.
وكان بارتوميو أبدى سابقا رغبة النادي في الحوار بين طرفي الأزمة. ولم يعلن النادي دعمه علنا لاستقلال الاقليم، لكنه لم يخف دعمه لحق كاتالونيا في تقرير المصير بالبقاء جزءا من اسبانيا أو الاستقلال.
وعلى هامش مباراة في دوري أبطال أبطال أوروبا أمام ضيفه أولمبياكوس اليوناني الأربعاء، رفع النادي لافتة عملاقة قاربت مساحتها 2,500 متر مربع، كتب فيها “حوار، احترام، رياضة”.
الا ان هذا الموقف الرمادي بدأ يلاقي اعتراضات من مسؤولين كاتالونيين، والذين رفض عدد منهم دعوة رسمية من النادي للحضور الى المنصة الرسمية خلال المباراة الأوروبية.
وجاء في بيان لبرلمان الاقليم “نعتقد ان رسالة نادي برشلونة لكرة القدم لا تمثل شعور غالبية قاعدة المشجعين المؤيدة له”.
واعتبر البرلمان ان رسالة الملعب لا تكفي، لاسيما وان المباراة أقيمت غداة توقيف الشرطة رئيسي المنظمتين الانفصاليتين الاساسيتين، جوردي سانشيز وجوردي كوشارت، على خلفية اتهامات بالعصيان والتحريض.
ورفع مشجعون في الملعب لافتة تطالب بالافراج عن سانشيز وكوشارت، علما ان قوانين الاتحاد القاري للعبة (ويفا) تمنع رفع أي شعارات ذات طبيعة سياسية خلال المباراة. وأشارت تقارير الى ان إدارة برشلونة منعت إدخال لافتات أخرى.
واعتبر بارتوميو السبت انه “من غير المقبول في هذه البلاد، وجود أشخاص ي السجن ببسب آرائهم السياسية”.
ويسود الانقسام أيضا في أوساط أعضاء النادي، والبالغ عددهم 150 ألفا. كما يحظى النادي بأكثر من 100 مليون “معجب” بصفحته على موقع “فيسبوك” للتواصل.
وبدأت بعض رابطات المشجعين بدعوة النادي للتركيز على الأداء في أرض الملعب، بدلا من التلهي بالأزمة السياسية.
وفي بيان مشترك أصدرته الأربعاء، اعتبرت رابطات مشجعين من منطقة ليون بشمال اسبانيا، ان “على النادي ان يكون دائما مثالا على احترام تعددية الرأي بين أعضائه، وهم مالكوه، وترك السياسة جانبا”.
ما الصحافة، فرأت ان بارتوميو في موقف لا يحسد عليه.
وقالت صحيفة “إل كونفيدنسيال” الالكترونية الخميس انه في الشأن السياسي “يرى البعض ان بارتوميو يذهب بعيدا، بينما يرى آخرون انه لا يقوم بما يكفي. مهما كان ما يقوم به، لا يرضي أحدا أبدا”.
ويشكل سكان كاتالونيا 92 بالمئة من أعضاء برشلونة، ولن يكون التباين معهم سهلا على بارتوميو، رجل الأعمال البالغ 54 عاما، والمعروف بلباقة حديثه، على رغم انه اعتاد مواجهة الأزمات.
فهو تولى رئاسة النادي خلفا لساندرو روسيل بعد استقالة الأخير على خلفية الشبهات حول صفقة انضمام البرازيلي نيمار من سانتوس عام 2013. وعندما واجه في 2015 ضغوطا لإجراء انتخابات مبكرة في النادي، حقق فوزا عريضا ضمن له ولاية جديدة.
وفي الصيف الحالي، بدا بارتوميو في مواجهة أزمة جديدة، بعد انتقال نيمار الى باريس سان جرمان الفرنسي مقابل قيمتها 222 مليون يورو، وضعف النادي في فترة الانتقالات وتأخره في تعويض نيمار.
الا ان النادي يجد نفسه هذا الموسم غير متأثر بغياب البرازيلي، اذ فاز في 10 مباريات من أصل 11 في مختلف المسابقات.
وتبحث الجمعية العمومية المصادقة على موازنة بإيرادات قياسية تبلغ 897 مليون يورو (1,06 مليار دولار). كما يخوض برشلونة مفاوضات لإطلاق اسم جديد على ملعبه، في صفقة ستؤول عائداتها لتمويل مشروع تأهيل للملعب ومحيطه بكلفة 600 مليون يورو.
وتبدو الايرادات عاملا رئيسيا في تعامل برشلونة مع الأزمة.
فقد رجح رئيس رابطة الدوري خافيير تيباس هذا الأسبوع، ان الدوري الاسباني لكرة القدم قد يخسر 20 بالمئة من قيمة حقوق النقل التلفزيوني للمباريات، في حال غياب برشلونة.
ولن تكون التداعيات بسيطة على النادي كذلك.
ويقول استاذ الاقتصاد في جامعة برشلونة خوسيه ماريا غاي دي لييبانا، ان النادي “لن يعود قادرا على ضم لاعبين بارزين عالميا”، وانه سيواجه خطر التحول “الى ناد متوسط الحجم”.


بتاريخ : 24/10/2017