الممرضون أكثر عرضة للأزمات النفسية من غيرهم

 

إن المهنيين في قطاع الصحة، باختلاف فئاتهم ومن مختلف المواقع وبتنوع المسؤوليات، هم عرضة للعديد من الانتكاسات الصحية، خاصة منها الأزمات النفسية، وذلك بنسبة تتراوح ما بين 40 و 45 في المئة من مجموع المهنيين، أطباء كانوا أو ممرضين أو مسعفين، الذين يكونون في اتصال دائم بمختلف الحالات المرضية ويعاينون يوميا الإصابات الناجمة عن حوادث تختلف درجات خطورتها، سواء تعلق الأمر بالأحياء أو بالأموات، لأن ذلك مرتبط بالطابع الخاص للمهنة وخصوصيتها، لهذا تتداخل العديد من العوامل التي تكون سببا في هذا الوضع، منها ما هو مرتبط بنوعية التدخل الميداني، ومنها ما هو مرتبط بالجانب العلائقي والتواصلي، إلى جانب ما له صلة بفضاءات العمل وظروف الاشتغال بشكل عام.
سأحاول تسليط الضوء على جانب من الجوانب ارتباطا بهذا الموضوع في علاقة بالممرضين، الذين يقضون أطول مدة مع المرضى مقارنة بغيرهم، والذين تتحكم العديد من العوامل في سقوطهم ضحية لصدمات وتأثيرات نفسية متعددة التبعات، منها ما هو متعلق بالعلاقة فيما بينهم، أو مع بعض الأطباء، أو باقي المتدخلين في المجال الصحي، ومنها ما له صلة كما أسلفت بطبيعة العمل وتنظيمه، على مستوى التوقيت وعدد ساعات العمل والحراسة الليلية وغيرها، ثم الجانب الذي لا يجب إغفاله كذلك والذي يخص المرضى المعالَجين، خاصة من هم في وضعية خطيرة، يتواجدون في مصالح الإنعاش، وفي الطب الجراحي وغيره، وكذا في مصالح الطب النفسي التي يتعاظم الأمر فيها بالنظر لبعض الحالات المرضية التي تتصف بالعدوانية، وترفض تناول الدواء، مما يتطلب التعامل معهم اعتماد نهج خاص والتحلي بسعة الصدر وبالصبر، ثم العلاقة بأسر المرضى، والضغط الذي يمارسونه من أجل الحصول على علاجات معينة قد لا تكون متوفرة، أو غير صحيحة ووضعية المريض لا تتطلب ذلك التدخل، وأخيرا المحيط الذي تشتغل في ظله هذه الفئة من مهنيي الصحة، بأعطابه المادية والمعنوية، بالقطاعين العام والخاص على حدّ سواء، في ظل الاكتظاظ، الأنين، الصراخ، صخب الآلات، ضوضاء بعض المواطنين وكل أشكال الضجيج بشكل عام، دون إغفال الشق القانوني المرتبط بالحماية.
هذا الوضع، جزئيا أو كليا، سيكون سببا مباشرا في فقدان المهني للإحساس بالذات وبالغير، وسيعاني من إرهاق جسدي ونفسي، سيحكم على علاقاته بمحيطه وأسرته بالتغيير، خاصة في ظل استمرار الضغوط وتكرار حالاتها، الأمر الذي سيتسبب في حالة ضغط نفسي متواصلة، يحاول البعض التكيّف معه لمواصلة العمل والحفاظ عليه، بل والظهور بمظهر عادٍ و»طبيعي»، خاصة حين يكون بعض المسؤولين غير مهتمين وغير معنيين بالوضعية الصحية للمهنيين الذين يمارسون في مؤسساتهم الصحية، لا سيما في القطاع الخاص، مما يحكم على «المريض» بالإرهاق بل وحتى ما يعرف بـ «الاحتراق الداخلي»، وبالانهيار العصبي في لحظة من اللحظات، والاكتئاب، وبالتعرض لأمراض نفسية جسدية، على مستوى المفاصل والجهاز الهضمي وغيرها، وانعكاسات على النوم وعلى الحياة الجنسية واللائحة طويلة، التي قد تحتم على المعني بالأمر الانقطاع عن العمل الذي قد يمتد لمدة طويلة.
إن هذه التداعيات قد لا يتعرض لها الجميع لكن هناك من يعيشها في كل لحظة وفي صمت، وذلك مرتبط بشخصية المعني بالأمر وتكوينه وتفاعله مع الأحداث التي تصادفه يوميا، وبمدى قدرته على القيام بواجبه في أحسن الظروف، وهو ما يحتّم تخصيص سبل للاستماع والتواصل والدعم النفسي، في القطاعين العام والخاص على حد سواء، من أجل الوقاية من أية تبعات وخيمة، وتمكين مهنيي الصحة، كل من موقعه، من القدرة على التعامل مع ضغوطات العمل، كما يجب على المسؤولين استيعاب هذا المشكل وتوفير مناخ ملائم للعمل، وتوفير الموارد، وتحفيز المهنيين ماديا ومعنويا، ومراعاة الوضعية الصحية للمرضى والمهنيين، وتسطير برامج للتكوين المستمر في مجال تدبير المشاعر وتجاوز الأزمات وتنمية الكفاءات.

اختصاصي في مجال
الصحة النفسية والعقلية


الكاتب : الدكتور محمد هاشم تيال

  

بتاريخ : 01/02/2020