النسخة المغربية لمشروع «تغريد الطنان» تواصل نضالها البيئي من خلال أنشطة فنية وتحسيسية لسنتها الثانية

شهد المعهد الفرنسي ورواد حي النخيل وساكنة الدارالبيضاء، بشكل عام، يومي 5 و6 أكتوبرالجاري، الدورة الثانية لتظاهرة «تغريد الطنان»، والتي تدخل في إطار الموسم الثقافي المبرمج من طرف هاته المؤسسة خلال هاته السنة.
وتعد هاته التظاهرة النسخة المغربية لنظيرتها الفرنسية، والتي أطلقتها منذ سنوات بفرنسا «حركة الطنان» التي تأسست مبادؤها حول فلسفة الإيكولوجي «بيير رابحي». ويعتمد برنامجها على مساهمة مجموعة من الفاعلين المدنيين المهتمين بمجال التغذية والطاقة والسكن والاستهلاك المسؤول ..وغيرها من المجالات، في إطار«قرية المبادرات»، إذ تتضمن،عادة، معارض للتحسيس لتقديم مواد ومبادرات مشتركة، ثم محاضرات وموائد مستديرة تحسيسية إيكولوجية بالإضافة إلى سهرة فنية كبرى.
وكما السنة الفارطة، استمتع زوار حديقة «محمد عبده» وكذا الرصيف والشارع المحاذيين لمدرسة موليير، بعروض«إيكولوجيين»، وبالبرامج المختلفة التي اقترحتها هاته الدورة. ومن ضمن برنامج هذا المهرجان الإيكولوجي، محاضرة،عبارة عن نقاش، من تنشيط الصحفية حنان حراث، والتي استضافت متدخلين إيكولوجيين مثل زينب بنرحمون الإدريسي، و»مارك لامينارديير» بصفته عضو حركة «الطنان» ومخرج الفيلم الوثائقي»البحث عن معنى»، حضرها جمهورعريض من المهتمين واحتضنتها مدرسة موليير، كما تخللت الأنشطة المختلفة، لقاءات وندوات تحسيسية.
وفي هذا الصدد صرح مارتان شينو، مدير المعهد الفرنسي بالدارالبيضاء،بأن هذا البرنامج الثقافي، يستهدف كل الساكنة البيضاوية، وهو دعوة مفتوحة للتفكير الجماعي حول أفضل الطرق للعيش المشترك داخل مدينة كبيرة بحجم مدينة الدارالبيضاء، واسترسل مفسرا بأن السنة الأولى تم الإحتفال بمعية مؤسسي «حركة الطنان»، وكانوا يأملون من خلالها، كإدارة، أن يثيروا شهية الفاعلين البيئيين بالمغرب، ويعملوا على جمعهم حتى يتمكنوا من تقديم أنفسهم، الشيء الذي تم بنجاح،على حد قوله، بما أنه تم إنشاء حركة الطنان بالمغرب، التي تواكب إدارة المعهد أنشطتها، إذا استدعى الأمر، كما تستضيف اجتماعاتها، بشكل منتظم، داخل مقر المعهد.
وكما هو العرف خلال التظاهرة، كان لعشاق الموسيقى موعدا، ليلة السبت، مع العديد من الفنانين، الذين توالوا على المسرح المخصص لسهرة «تغريد الطنان»، من أجل تقديم لوحاتهم الفنية، مثل «مالك زياد» و«وليد بن سليم» و«خليل مونجي»، و«غاييل فور» و«أوريان لاكاي» و«أوا لي» و»ساندرا نكاكي» و«بيير فاصيني»، فعن طريق الموسيقى، يوضح مدير المعهد، يسعى «تغريد الطنان» إلى إشراك الكل في مسألة البيئة وأهميتها، فالموسيقى عالمية، تخاطب الجميع، كما أنها مناسبة للإستمتاع وتمرير الرسائل، وفرصة لدعوة أشخاص جدد، ممن يعتبرون بأن البيئة مسألة تهم البيئيين فقط، وأردف مفسرا، أنها محور المشروع، فتغريد الطنان كما يوحي أولا وقبل كل شيء إسمه، ينطلق من فكرة «الغناء»، وتنظيم تظاهرة ممتعة تتمحور حول السعادة التي يخلقها العيش بشكل جماعي، مع الإدراك بأهمية أن يكون ذلك في بيئة صحية.
ومن فوائد الجولة، داخل فضاء «قرية المبادرات» التي شهدت مشاركة جمعيات، ممن تهتم بالتغذية أو سبل تدبير الفضاءات الخضراء أو صناعة مستحضرات التجميل الطبيعية وتصنيع مواد التنظيف الإيكولوجية..إلخ، التعرف على العديد من ممثلي شركات التي تقترح منتجات تشتغل بطاقات بديلة، وقد تزودك بمعلومات تقنية عملية تثري ثقافتك الإيكولوجية. منها شركة، يمثلها كل من ربيع ونادية،و تقترح استعمال الطاقة الشمسية، في سخانات الماء مثلا، عوض تلك التي تستعمل الكهرباء أو الغاز، هي اقتصادية، حسب تقديمهم، و تبقى استثمارا مفيدا بالنسبة للطبقات الوسطى وما فوق، وتتواجد في السوق المغربي منذ سنوات، مما يستنبط منه أن العادات الإستهلاكية المهتمة بالبيئة، بدأت تدخل في الثقافة المغربية.
من بين الشركات أيضا، تلك التي يمثلها كل من بدر، أحد مؤسسيها، وروبا، العاملة السابقة في مجال الصناعة الصيدلية، المؤمنة بفلسفة مشروع تغريد الطنان»، المرتكزة على مبدأ «ربما لن أقوم بعمل ضخم، ولكنني على الأقل أنجز نصيبي منه»، وتقترح هاته المؤسسة، دراجات إيكولوجية تعمل بالكهرباء بنسبة مائة بالمائة، بدون تلوث صوتي أو هوائي واقتصادية مقارنة بالداراجات النارية التي تشتغل بالبنزين. منتجات تستهدف النقل الحضري، خاصة في المدن الكبرى مثل الدارالبيضاء، تراعي على حد تعريفهما، صحة السائق الذي يمتطي لساعات ومسافات طويلة، بما أنه لن يعاني من الأصوات والرائحة والدبدبات الصادرة عادة، كما تساهم في تقليص التلوث الصوتي الذي يعاني منه ساكنة هاته المدن.
من بين ما جادت عليه الجولة بين صفوف» قرية المبادرات،أيضا، اللقاء بأحمد بن سودة، المهندس المعماري المغربي الذي ازداد بالإمارات وعاش في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة طويلة، قبل أن يقرر العودة للمغرب من أجل الإستقرار في الدارالبيضاء، على حد قوله. واختراعه البيئي، يعتمد على فكرة تغيير المواطن لنظرته للنفايات من قشور الخضر والفواكه مثلا، وإعادة تدويرها لتصبح أسمدة تستعمل في الزراعة، ولهذه الغاية، قام بتصميم أواني طينية مكونة من ثلاث أو أربع طبقات، يتم خلالها إعداد هاته النفايات وتحويلها بشكل بسيط يمكن للجميع استيعابه.
حضورالشباب كان لافتا، أيضا، ومنذ ولوجك لهذا الفضاء الشاسع، حيث يتناثر البعض مرتديين أقمصة زرقاء كتب على ظهرها «لتطرح سؤالك»، هي دعوة لتقديم الخدمات للزوار ممن لديهم تساؤلات مختلفة. كما فسر الأمر للجريدة، كل من زكرياء ومها، قبل أن يعرفا نفسيهما بكونهما وسيطين ثقافيين متطوعين، ينشطان ضمن فرقة مكونة من حوالي 20 شخصا تتعامل بانتظام مع المعهد الفرنسي بالدارالبيضاء.
وفي رواقين بعيدين عن بعضهما ببضعة أمتار يعرض، من جهة، رجاء وأمين التلميذين بإحدى الثانويات بالدارالبيضاء، خدماتهما للتحسيس بأهمية البيئة واقتراح طرق للتعامل معها، والتعريف بأنشطة «جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض» بصففتهما يمثلانها،أهمها تلك المسيرة “من أجل المناخ”، التي عرفتها عدة مدن مغربية التي تحسس بأزمة المناخ والتغييرات المناخية التي تعرفها الكرة الأرضية. ومن جهة أخرى لبني وياسمين، التلميذتين بإحدى الثانويات، وهما متطوعتان تقومان بعرض كتب مستعملة في عملية يسمونها «تبادل الكتب»، إذ يستطيع أي زائر أن يأخذ كتابا بالمجان، كما بإمكانه تزويدهم بكتب أخرى لم يعودوا بحاجة إليها.
والملاحظ أن تواجد شباب بهذا الشكل عزز بشكل جلي عملية التواصل وتبادل المعلومات بين أشخاص من نفس السن خلال هاته التظاهرة.


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 21/10/2019