النيابة العامة.. جهاز قانوني ينوب عن المجتمع في الدفاع عن حقه في حياة آمنة

النيابة العامة هي جهاز قانوني يمثل المجتمع من خلال السلطات التي منحها لها المشرع. فإذا كان هدف الطرف المدني المتضرر أو المدعي هو الحصول على التعويض بصفة أساسية، فإن هدف النيابة العامة هو تمثيل المجتمع من خلال سلطتها العقابية، فهذا كله يجعل النيابة العامة تتميز بمجموعة من الخصائص كما أنها تختلف عن باقي الأجهزة من حيث التنظيم.
خصائص النيابة العامة
صفة الوحدة

تعتبر خاصية النيابة العامة المتمثلة في الوحدة من بين الخصائص المميزة لجهاز النيابة العامة، وذلك بغض النظر عن درجة المحكمة، ذلك أن النيابة العامة وحدة لا تتجزأ، فهي بالتالي وحدة في التمثيل ووحدة في التعبير.
ويقصد بخضوع النيابة العامة لمبدأ الوحدة غير المجزئة، هو أن النيابة العامة تمثل على صعيد المحاكم الابتدائية على سبيل المثال لا الحصر، سواء من طرف وكيل الملك شخصيا أو أحد نوابه بغض النظر عن شخصية النائب الممثل لوكيل الملك في الجلسة. وبالتالي فإن أي عضو من أعضاء النيابة العامة يمكن أن يقوم بأي إجراء من إجراءات الدعوى العمومية، عوض عضو آخر في هذه الهيأة، ففي الجلسة الواحدة يمكن أن يخلف أحد أعضاء النيابة العامة زميله والمحاكمة جارية لا تتوقف، لكن كل هذا مرتبط بشرط احترام الاختصاص الترابي، فلا يجوز لعضو من أعضاء النيابة العامة أمام محكمة عادية أن يقوم باتخاذ إجراء أمام محكمة الثنائية نيابة عن أحد قضاة النيابة العامة في هذه الأخيرة بمقولة أن : <<النيابة العامة وحدة لا تتبعض>>.
صفة الاستقلال

تتميز مؤسسة النيابة العامة بالاستقلال عن كل من الخصوم في الدعوى والمحكمة والإدارة، فاستقلالها عن الخصوم مؤكد في سلطة الملاءمة الثابتة لها بقوة القانون ، المادتان 40 بالنسبة لوكيل الملك و 49 بالنسبة للوكيل العام للملك، في تحريكها للدعوى العمومية أو تركها بحسب ما يتبدى لها من الظروف والملابسات وما يحقق مصلحة المجتمع العليا.
أما استقلالها عن المحكمة فثابت كذلك، إذ لا يجوز لقاضي الحكم أن يضع يده مباشرة على قضية من القضايا، دون أن تقام بها الدعوى من طرف النيابة العامة وإن هذه الأخيرة أثارت الدعوى العمومية فلها أن تساند مطالبها وتدافع عنها بواسطة ممثليها وتشرح آراءها بغية إقناع المحكمة بها دون ما أي تدخل توجيه من قبل المحكمة اللهم ما اقتضاه نظام حسن سير العدالة وتحصين حقوق الدفاع.
أما استقلالها تجاه الإدارة، فأعضاء النيابة العامة قضاة ينتمون للسلك التراتبي القضائي، بما يتطلبه ذلك من تكوين وشروط خاصة يتميز بها أعضاء النيابة العامة عن باقي الموظفين ،وهي لا تختلف عما يشترطه في قضاة الأحكام، كما أنهم يتمتعون بمجموعة من الضمانات أكبر من تلك التي تخول للموظفين العاديين، ويتجسد استقلال النيابة العامة كذلك في المداخلات الشفوية.
صفة عدم المسؤولية

صفة عدم مسؤولية أعضاء النيابة العامة عن أعمالها أثناء ممارستهم لمهامهم في المتابعة والمراقبة، بما أنها تقوم بالدفاع عن المجتمع من الأشرار وحفظه من داء الجريمة، لذلك فإن هي انتهت متابعة شخص ما إلى التبرئة مثلا فلا يسوغ، والحالة هذه ،أن يقوم هذا المبرأ (وقد يكون قبلا خضع للاعتقال بأمر من النيابة العامة) ويطالب بتعويضه شخصيا من النيابة العامة الذي يكون اتخذ الإجراء طبقا لقواعد المسؤولية المدنية، وبالتالي فأعضاء النيابة العامة يقومون بمهام جسيمة، فلا يمكن تهديدهم لا بالنصوص الجنائية ولا بالإجراءات المدنية، وما يزكي هذا كله هو السهر على مصلحة المجتمع بالدرجة الأولى.
صفة عدم القابلية للتجريح

المقصود بهذه الخاصية هو عدم السماح بخصومها من مدعى عليهم ومساهمين ومشاركين في الجريمة بتقديم طلبات ترمي إلى نزع صلاحية أعضاء النيابة العامة في ممارسة إجراء متعلق بالخصومة الجنائية عموما مخافة تحيز أو تحامل ، إلى غير ذلك من الأسباب التي قد يراها المدعى عليه قائمة لصداقة هذا العضو لأحد الأطراف أو لدائنيته له.. إلخ. فمكن المشرع المغربي تجريح قضاة الحكم والتحقيق دون أعضاء النيابة العامة.
خاصية التدرج والخضوع الرئاسي

إن كل عضو من أعضاء النيابة العامة مرؤوس خاضع لرئيس الهيئة التي يتبعها في حدود الدائرة القضائية التي تختص بها هذه الهيئة.
هذا ولعل أهم تساؤل يتعلق بهذه الخصيصة التي نحن بصددها ، يتمحور في مدى صحة إجراء يتخذه أعضاء هيئة النيابة العامة خلافا للتعليمات التي قد يكون قد تلقاها من رئيسه ؟
الجواب هو أن كل مرؤوس عليه التقيد بتعليمات رئيسه عند القيام بكل الإجراءات المتعلقة بالخصومة الجنائية من بدايتها إلى نهايتها وإن هو خالفها – وبغض النظر عن إمكانية مجازاته تأديبا – فإن الإجراء المنجز خلافا للتعليمات الموجهة لرئيس المرؤوس يكون صحيحا، ومثال ذلك في الحالة التي يأمر فيها وزير العدل الوكيل العام للملك بإحدى المحاكم بعدم إثارة المتابعة وحفظها أو بعدم التماس تحقيق أو الكف عن ممارسته طرق الطعن… إلخ، لكن الوكيل العام للملك خالف تلك الأوامر فإن كل التصرفات القانونية التي قام بها تكون صحيحة.
الطرف الأصلي في الدعوى العمومية

بمجرد ما تثار الدعوى العمومية تصير النيابة العامة طرفا أصليا فيها وامتنع عليها بالتالي التخلي عن متابعتها ومراقبتها وخصوصا بالإمساك عن سلوك طرق الطعن في الأحكام الصادرة فيها خارج الحدود التي يخولها لها إعمال سلطة الملاءمة، فصفة الطرف الأصلي الثابت للنيابة العامة في الدعوى العمومية، فحضورها واجب بخلاف المتهم أو غيره، ففي حالة عدم حضورها فإن رئيس المحكمة يكلف أحد القضاة للقيام بالمهام المنوطة بها (المادة 46 من ق.م.ج)، فإن عدم ذكر حضور النيابة العامة في الحكم يجعله عرضة للنقض . وتجدر الإشارة إلى أن القضاء في كل من فرنسا ومصر يتطلب وجوبا ذكر حضور ممثل النيابة العامة في الحكم فقط من دون اشتراط لذكر بالتحديد اسمه الشخصي والعائلي.
عدم ارتباط النيابة العامة بمطالبها

هذه الخاصية نابعة من كون النيابة العامة وإن كانت خصما أصليا في الدعوى العمومية، فهي مع ذلك خصم يوصف «بالشريف»مادامت ترمي إلى تحقيق العدالة بالدرجة الأولى، ويرى بعض الفقهاء أن جهاز النيابة العامة له مصطلح آخر أكثر دلالة ودقة في التعبير والمعنى، وهو المتمثل في اعتباره «جهاز جهة الحق العام».
وباعتبار النيابة العامة كذلك تسهر على تطبيق القانون الجنائي وتعاقب المجرمين وإحقاق العدالة الجنائية الحقة، وما للنيابة العامة من سلطة ، فقد تطالب بالبراءة الكاملة لمصلحة شخص وقعت متابعته وفقا للأصول أمام المحكمة أو مؤاخذته مؤاخذة مخففة ويصدر الحكم وفق طلباتها، لأنها تطالب بالإدانة أو تشديد العقوبة عند طلبها الاستئناف لأنها اكتشفت أسبابا للإدانة، أو التشديد لم تظهر لها من قبل …
تنظيم النيابة العامة في القضاء الجنائي

دأب الباحثون على اصطلاح القضاء الواقف على جهاز النيابة العامة لكونها تقدم ملتمساتها للمحكمة وهي واقفة. وقد نظم المشرع النيابة العامة كجهاز قضائي حتى تدخل في تكوين المحكمة الابتدائية والاستئنافية والمجلس الأعلى.
أمام المحكمة الابتدائية

يمثل النيابة العامة أمام المحاكم الابتدائية وكيل الملك أو أحد نوابه، ويلتزم وكيل الملك بإخبار رئيسه الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بجميع الجنايات التي من ِشأنها المساس بالنظام والأمن العمومي للمملكة.
لدى محاكم الاستئناف

تتكون النيابة العامة لدى محاكم الاستئناف من وكيل عام للملك أو أحد نوابه. ويمارس الوكيل العام للملك أو أحد نوابه الدعوى العمومية في الجنايات في حدود دائرة نفوذه.
عموما فإن الوكيل العام للملك يمارس الدعوى العمومية في الجنايات والجنح استثناء وحالات التلبس المنصوص عليها في الفصل 56 من ق.م.ج.
ويرى بعض الباحثين أن النيابة العامة لدى محاكم الاستئناف أصبحت تهتم بالطعون المقدمة إليها ابتدائيا عوض الاهتمام بتنظيمها.
أمام المجلس الأعلى

المجلس الأعلى باعتباره محكمة قانون يقوم بمراقبة تطبيق القانون من لدن محاكم المملكة من خلال الطعون المقدمة إليه بالنقض ومن خلالها أيضا يوحد اجتهادات القضاء.
يمثل النيابة العامة لدى المجلس الأعلى الوكيل العام للملك ويساعده محامون مقبولون لدى المجلس الأعلى، ومن بين أهم مهامها المناقشة القانونية من أجل تطبيق القانون خصوصا ما يتعلق ب ق.م.ج ، وللوكيل العام للملك مراقبة الوكلاء العامين، وكلاء الملك بمحاكم الاستئناف والابتدائية. يلتزم الوكيل العام للملك بالمجلس الأعلى بتبليغ وزير العدل بجميع الملاحظات المتعلقة بالإخلالات التي قد تسود عمل بعض القضاة، ومن خلالها يطلع وزير العدل النيابة العامة على التوجهات العامة للسياسة الجنائية.
أمام المحكمة الدائمة للقوات المسلحة الملكية

يمارسها مندوبون عن الحكومة ويتم تعيين من بين قضاة النيابة العامة مستشار لدى محكمة الاستئناف ليتم التعاون مع قضاة عسكريين يساعد المندوب العسكري نواب من بين ضباط القضاء.
بالمحكمة العليا للعدل

تتكون من أعضاء يعينون من طرف مجلس النواب تتركز متابعتهم ضد أعضاء الحكومة بسبب الجرائم التي يقترفونها بمناسبة ممارستهم لمهامهم.
المكلفون بمهام النيابة العامة

تتكون النيابة العامة من قضاة مهنيين، إلى جانب موظفين إداريين ، وذلك لأن بعض المهام لا يمكن أن يمارسها إلا موظفون، ومن خلال هذا تصبح النيابة العامة جهازا مستقلا بذاته. وجلي من البيان أن المشرع خول لمجموعة من الإدارات استثناء تحريك الدعوى العمومية كإدارة المياه والغابات وإدارة الجمارك ومصالح الضرائب. ومع ذلك فالأمر لا يخفي الدور البارز للنيابة العامة في ممارسة الدعوى العمومية حيث تصبح أكثر ضمانة «…»
تحريك الدعوى العمومية

يمثل وكيل الملك شخصيا أو بواسطة نوابه النيابة العامة في دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية المعين بها ويمارس الدعوى العمومية تحت مراقبة الوكيل العام إما تلقائيا أو بناء على شكاية شخص متضرر. كما يمارس وكيل الملك سلطته على نوابه، وله أثناء أداء مهامه الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة، – وهذا ما نصت عليه إحدى مواد قانون المسطرة الجنائية – وهكذا يتضح أن الأصل في مهام النيابة العامة أنها تقوم وبمساعدة الشرطة القضائية التي تعمل تحت إشرافها، بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة – هذا هو الأسلوب القانوني – فيها والبحث عن مرتكبيها، ثم إقامة الدعوى العمومية ضد من يكثف البحث عن ضلوعه في ارتكاب الجريمة كفاعل أصلي أو شريك أو مساعد، لتطبق عليه العقوبة المقررة في القانون الجنائي.
كما أن النيابة العامة ومالها من سلطة ملاءمة ، تبقى لها إمكانية تحريك الدعوى العمومية والمتابعة من عدمها، حيث لا يفرض عليها عند الوصول إلى علمها نبأ ما متعلق بجريمة معينة تعمل على تحريك الدعوى العمومية ولو كانت تفيد على أن الجريمة اقترفت من طرف شخص ما وإنما تبقى لها سلطة تقديرية في هذه الحالة، فإذا تبين لها عدم كفاية الأدلة ضد هذا الشخص الذي نسب اقتراف هذه الجريمة الشيء الذي سيؤدي في الأخير إلى تبرئته من طرف المحكمة، هذا ما يصطلح عليه بالأسلوب التقديري.
ومن ثم فإن النيابة العامة تنوب عن المجتمع في الدفاع عن حقه في حياة آمنة، وحماية جميع أفراده من كل فعل يمس حقوقهم في الحياة بحقوقهم المادية والمعنوية وذلك عوض إسناد هذه المحكمة الخطيرة إلى المجتمع نفسه كما كان سائدا في العهود الغابرة.
ولذلك فيجب على وكيل الملك أن يخبر الوكيل العام للملك بالجنايات التي تبلغ إلى علمه وكذا بمختلف الأحداث والجرائم الخطيرة أو التي من شأنها أن تخل بالأمن العام.
وقد عرف المشرع المصري النيابة العامة بأنها شعبة من شعب السلطة القضائية، وهي النائبة عن المجتمع والممثلة له ، وتتولى تمثيل المصالح العامة، وتسعى في تحقيق موجبات القانون – المادة الأولى – وتختص أساسا – دون غيرها – بتحريك الدعوى الجنائية، وذلك بإجراء التحقيق بنفسها أو بمن تنتدبه لذلك من مأموري الضبط القضائي أو بطلب ندب قاضي التحقيق أو بتكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة الجنائية المختصة لمحاكمته – المادة الثانية –.
وتباشر النيابة العامة الدعوى الجنائية، بمتابعة سيرها أمام المحاكم حتى يصدر فيها حكم بات، وتقوم بأداء وظيفة النيابة العامة لدى محكمة النقض نيابة عامة مستقلة تشكل طبقا لأحكام القانون السلطة القضائية، ولهذه النيابة – بناء على طلب المحكمة – حضور مداولات الدوائر المدنية والتجارية والأحوال الشخصية دون أن يكون لممثلها صوت معدود في المداولات – المادة الثالثة – وهكذا يتضح أن المشرع المصري وسع من الصلاحيات المسندة إلى النيابة العامة وجعلها تنهض بكافة الاختصاصات الأخرى التي تنص عليها مختلف القوانين أو تقتضيها وظيفتها الإدارية.
إيقاف سير الدعوى العمومية

من المهام الجديدة المسندة للنيابة العامة بموجب قانون رقم 22.01 إيقاف سير الدعوى العمومية، حيث أن بعض النزاعات التي تقع بين الأفراد وتعرض على المحاكم، خاصة عندما تكتسي طابعا عائليا، يكون من شأن التمادي فيها التأثير على الروابط والعلاقات الإنسانية القائمة بين طرفي النزاع خاصة حين يكون الضرر الاجتماعي ليس بالأهمية البالغة.
ورغبة في الحفاظ على هذه الروابط التي يؤدي الحكم فيها إلى أضرار لا تتحقق معها المصلحة العامة فقد أحدث المشرع آلية جديدة نصت عليها المادة 372 من قانون المسطرة الجنائية الجديد، وبمقتضاها يمكن للمحكمة في حال وقوع تنازل أو صلح أثناء سريان الدعوى أو إذا اقتضت المصلحة ذلك أن تأمر بإيقاف سير الدعوى العمومية وذلك بناء على ملتمس تقدمه النيابة العامة، مع إمكانية استئناف النظر بطلب من النيابة العامة أيضا ما لم تكن الدعوى قد اتفقت بأحد أسباب السقوط كالتقادم وغيره، وتدعم هذه الإمكانية الأخيرة الغاية المتوخاة من هذا الاستثناء وهي الحفاظ على النسيج الاجتماعي وتكون بمثابة رادع لأطراف النزاع، فمتى عادوا إلى نفس الأفعال يمكن استئناف النظر من جديد في الدعوى الجنائية.
حيث نصت المادة 372 المذكورة على أنه : <<إذا كان الأمر يتعلق بمتابعة من أجل جنحة من الجنح المنصوص عليها في المادة 41 من هذا القانون، فإنه يمكن للمحكمة المعروضة عليها القضية بناء على ملتمس تقدمه النيابة العامة في حالة تنازل الطرف المتضرر من الفعل الجرمي عن شكايته، أن توقف سير إجراءات الدعوى العمومية ما لم تكن قد بتت فيها بحكم نهائي>>.
وأضافت هذه المادة أنه : <<يمكن مواصلة النظر في الدعوى العمومية بطلب من النيابة العامة، إن ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية، ما لم تكن قد سقطت بالتقادم أو بسبب آخر>>.
وبذلك يتضح جليا أن المشرع قد وضع آلية جديدة تتوخى الحفاظ على الروابط الاجتماعية ووضع حد لتناسل الخلافات الاجتماعية.
مراقبة الشرطة القضائية

بالرجوع إلى نص المادة 17 من قانون المسطرة الجنائية المغربي الذي جاء فيه : <<توضع الشرطة القضائية في دائرة نفوذ كل محكمة استئناف تحت سلطة الوكيل العام للملك ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف المشار إليها في الفرع الخامس من هذا الباب>>.
من خلال استقراء حيثيات هذه المادة، نستخلص أن جل المهام التي أناط بها المشرع الشرطة القضائية تتم تحت مراقبة النيابة العامة ضمن دائرة نفوذها.
ولعل من أهم هذه المهام هي المحافظة على السر المهني ومن خلاله يظهر جليا مدى خطورة المراقبة بعدما تكون– النيابة العامة – قد ألزمت الشرطة القضائية بالقيام بكل التحريات وجميع الأدلة المرتبطة بجريمة معينة نسبت إلى شخص بعينه، وهذا ما نستشفه من خلال نص المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية حيث جاء فيها : <<يعهد إلى الشرطة القضائية تبعا للبيانات المقررة في هذا القسم بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها وبالبحث عن مرتكبيها.
تقوم بتنفيذ أوامر وإنابات قضاء التحقيق وأوامر النيابة العامة>>.
فالقضاء والموظفون وأعوان الشرطة القضائية عند قيامهم بمهام الشرطة القضائية يخضعون لإشراف وكيل الملك وتخضع الشرطة القضائية برمتها تحت إشراف ومراقبة رئيس النيابة العامة وللغرفة الجنحية التي حلت محل غرفة الاتهام سابقا.
والنيابة العامة في شخص الوكيل العام للملك ووكيل الملك ونوابه وكذا قاضي التحقيق يعتبرون ضباطا سامين للشرطة القضائية، كما يتسم بصفة ضابط الشرطة القضائية. أما أعوان الشرطة القضائية فقد نص عليهم الفصل 24 من قانون المسطرة الجنائية المعدل بظهير 18/09/1962 وتتحدد مأموريتهم في نطاق الفصل الموالي هذا الفصل 25 من ق.ج.ج.
وعلى العموم، فإن النيابة العامة تلعب دورا مهما بالنسبة للمهام التي تقوم بها الضابطة القضائية في سير الدعوى العمومية ومباشرتها من خلال البحث التمهيدي المنجز من طرفه، ذلك أن الضابطة تباشر مهامها من خلال الإشراف المباشر للنيابة العامة ومراقبة هاته الأخيرة لأعمالها وتوجيهها وإعطاء التعليمات المتطلبة قانونا لها، أما مباشرة أو عن طريق المراسلات الكتابية أو الهاتف.
فالدعوى العمومية باعتبار أنها قد تثار في بعض الأحيان مباشرة أمام الضابطة أو قد تحال عليها من طرف النيابة العامة بواسطة الشكايات المقدمة لهاته الأخيرة ،فإنه بالرغم من ذلك تخضع في تسييرها وتوجيهها للنيابة العامة من خلال التعليمات الموجهة لها خلال إجراءات البحث التمهيدي أو بعد الانتهاء منه.


الكاتب : رشيد صبيح

  

بتاريخ : 10/10/2017