«الواتساب» وزمن الكورونا..هذا التقاسم المجنون !!

يقول الروائي والمترجم المغربي محمد الشركي في أحدث تدوينة له بصفحته الرسمية على الفايسبوك» ما يحزننا في الظرفية الوبائية التراجيدية الحالية،» جائحة كورونا» أن كواسر النت، ينتهزون ويقتنصون المشاهد المؤلمة، ليغرقوا منصات التواصل بفيديوهات ترويعية ظاهرها المنافق التنبيه، وباطنها هاجس السعي الوقح إلى الرفع من أعداد متابعيهم. ويضيف صاحب رواية «العشاء السفلي» الصادرة سنة 1987، من المعروف في البراري الوحشية، أنه حيثما انتشرت رائحة الموت تتجمع الطيور القمّامة التي تغتذي على ما تتركه الضواري. مهما كانت الأضرار والمخاطر الجانبية التي تخلفها انتهازياتهم التي تركب على كل الطوارئ بذهنية افتراسية تظل وستظل، بعد انحسار الوباء أشد فتكا من أوبئة الأرض مجتمعة».
من شبه المؤكد أن عملية التقاسم عبر تطبيق الواتساب، أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي وظيفة حيوية لا غنى عنها لسائر البشر في مختلف مناطق العالم راهنا ومستقبلا، سواء تعلق الأمر بتدبير شؤون العمل الإداري وتصريف العلاقات المهنية أو تنشيط إدارة الأعمال،حيث ملايين من الأنشطة التجارية والخدماتية عبر العالم تنجز عبرهذا التطبيق الكوكبي المذهل.
ولم تتوقف فاعلية هذا التطبيق نجاعته الفائقة التأثير داخل الوسط الأسري والعائلي فحسب، بل تجاوزته لتجعل منه داخل القطاع التربوي والخدماتي الفاعل الأول دون منازع، حيث أضحى الوسيلة الأولى للتواصل بين الإدارة وكافة أطر وموظفي قطاع التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.
الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل أن هامش الحرية الكبير المجاني غير القابل للمساومة جعل من التفاعل مع إكراهات الحياة وتدبير المعيش اليومي للأفراد ومعالجة مشاكل وقضايا الجماعات أمر «واتسابي» بامتياز.حيث توطد هذا المارد الرقمي، وبسط نفوذه ضمن القنوات التفاعلية النشيطة والحيوية، فرادى أو جماعات على مدار الساعة بل على مدار اللحظة، هذه حقيقة لا تقبل الشك.
لكن، هل هذا يعني أن الواتساب منذور للتقاسم فقد دونما رادع أو وازع؟ فكيف السبيل إلى ميثاق أخلاقي ينظم هذا الفعل التواصلي النبيل الذي فرضته التحولات المسرعة لعالم اليوم؟هل نتقاسم كل شيء، وأي شيء،متى شئنا وفي أي وقت؟ وماهي الإضافة النوعية التي يمكن أن يحدثها هذا الطوفان من الفيديوهات وهذه السيول الأوديوية «الرسائل الصوتية « وما مضاعفاتها سلبيا أو إيجابيا على الذات والمجتمع وعلى الحياة برمتها.
لابد إذن من خط ناظم لهذه الوظيفة التواصلية الرائعة .ولعل أخطر المنزلقات التي يطرحها هذا التقاسم الشرس للمعلومات هو السخاء المريح، في الترويج لها على نطاق واسع من دون التحقق من مصادرها، وفيما إذا كانت صادرة عن جهة موثوقة، أو مجرد تدوينة لأحدهم في لحظة انشراح أو انكسار، أو خروج عن الطبيعة، من هنا تنهض الحاجة جديا، للتأكد من صحة المعلومة المراد تقاسمها ومدى دقتها ومجاراتها للواقع، حتى يتسنى توظيفها على نحو مفيد في الحياة، ما يساعد على تعزيز الترسانة المعرفية والعلمية والمهنية لتحقيق النجاح المنشود.
الحقيقة، ما نشاهده اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي لا يعكس هذا التصور الناضج للدوري الوظيفي الناضج لهذا التطبيق مطلقا، إنها أكبر عملية تكديس معلوماتي على الإطلاق، إيقاع سريع للترويج العاجل والمستعجل للمعلومة بكل أشكالها، لا سيما البئيسة والفضائحية والتافهة والسافلة والمغرضة والمقيتة، يجعل من التقاسم فوضى عارمة، بركان يقذف سحبا ودخانا على مدار الوقت، ووتيرة الاحتراق والقذف تسير بإيقاع مدهش ومريب، ما يرفع منسوب النشاط إلى مستوى القلق.ويرفع ساعات الحذف والتحديث والتنظيف والكنس إلى زمن مفروض وضاغط.
وإذا كان من أدبيات شروط المعلومات المراد تقاسمها حتى تكون موثوقة وقابلة للاستخدامِ كمصادر صحيحة ودقيقة، أن تكون صادرة من جهة راسخة وعالمة في مجال اللغة أو الطب أو هيئات اقتصادية، هياكل قانونية، محامون، قضاة، أطباء، باحثون، جامعيون، ناطقون رسميون، فإن الترويج لها اليوم لا ضفاف له ولا حدود، فلكل من هب دب نحو التقاسم مهرولا.
وهي مصادر موثوقة وضامنة لها من الوسائل، والطرق، والأدوات التي يتم من خلالها الحصول على المعلومات سواءً بطريقة مكتوبة، أو مرئية، أو مسموعة. ولكن ليس بالضرورة أن تكون كل المعلومات الواردة في هذه المواقع صحيحة، إلا إذا كانت مواقع مُتخصصة. وبالعودة إلى الإيقاع المهول والوتيرة المجنونة للتقاسم الذي لا يحترم هذه القاعدة، والذي يتجسد في عدد من المجموعات التواصلية، حيث تجد لدى المبتدئين كل شيء قابل للتقاسم، ما تطفح به الشرائح المحدودة الاستيعاب، وتصبح الهواتف مشلولة وعاجزة عن التخزين. وفي حاجة ماسة للتنظيف على رأس كل ساعة بسبب التدفق الهائل للمعلومات السمع بصرية، والأنكى عدم المهارة في التحديث وإعادة الوضع إلى سابق عهده.
وإذا سلمنا باعتبارالمعلومة سواء كانت- نصا- وثيقة أوخبرا- إحدى أهم مكونات المعرفة عند الإنسان، ليس لكونها تساعده على التمييز بين الغث والسمين الخطأ والصواب، فحسب، بل لكونها تعزز معارفه وتقويها في مجال معرفي تخصصي معين.
فإن الأمرهنا يتعلق بمجموعة من المعلومات والمفاهيم التي يتم استيقاؤها من مصادر محددة، وقد يكون الإنسان في حاجة ماسة لاستخدامها أو توظيفها في العديد من المجالات سواء ما تعلق بالجانب الخاص في حياته مثل الدراسة الكتابة أو الإبداع بصفة عامة أو العمل الإداري والمهني.
ومن شبه المؤكد أن التفاعل الموضوعي مع هذه الحزمة من الأسئلة من شأنه أن يعبد الطريق نحو ميثاق أخلاقي لأفضل توظيف لهذا التطبيق الكوكبي الرائع. وعلى الرغم من كون تجويد توظيف هذه الخاصية رهين بمستوى وعي المستعملين، وإدراكهم لخطورة ما ينشرون، ومسؤوليتهم المباشرة عن جودة أو رداءة الاستعمال تقول الدكتورة فتيحة عبد الله. فيما تعتبر الأديبة فاطمة الزهراء العلوي اللباقة والمسؤولية عنصرين أساسيين في كل تدوينة لتجنب الانتقادات العقيمة والتشنجات المملة.»
هل من «فيلتراج» دقيق وتصفية دؤوبة لإزالة الشوائب وجعل المنتوج لائقا رائقا مؤدبا ويفي بالغرض؟كيف نجعل من هذه الوظيفة الحيوية عملا تواصليا هادفا لبناء الإنسان وتنمية الذوق والجمال والارتقاء به وعيا وممارسة ؟ما العمل وكيف السبيل لتفادي هذا الدفق المدهش بوفرة وغزارة من المعلومات؟ وكيف نجعل حدا لهذا الإسهال اللئيم الجميل النبيل السافل المقتحم ؟الهاتك للحرمات؟ وكيف نرسم لتقاسم المعلومة صورة وصوتا، شكلا رادعا وإطارا وازعا ينهل من القيم والأخلاق النبيلة يفيد الحياة والناس؟


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 04/04/2020

أخبار مرتبطة

“ناقشت الطالبة الباحثة فاطمة الزهراء الأمراني أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه في الآداب أمام لجنة أساتذة و خبراء تتكون من محمد

  افتتح الكاتب والصحفي المصري كرم جبر رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فعاليات الدورة الـ 58 للصحفيين الأفارقة، بالتعبير عن

يخلد 21 أبريل من كل سنة يوم الإعلام العربي بموجب القرار الصادر عن الدورة 46 لمجلس وزراء الإعلام العرب، وذلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *