اليوسفي وردة الاتحاد وعطره

 

خلف اطلاق اسم المجاهد عبد الرحمان اليوسف من طرف الملك محمد السادس على فوج الضباط المتخرجين سنة 2019 ، بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش، سيلا كبيرا من ردود الفعل في وسائط التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، وبتعليقات مرحبة ومنوهة بالمبادرة واعتبارها اعترافا متجددا بدور سي عبد الرحمان، كما اعتاد إخوتنا أن ينادوه داخل حزب الاتحاد الاشتراكي وخارجه.
وذهب الكثيرون إلى اعتبارها مبادرة تتجاوز الطابع الإنساني والعلاقة الرفيعة التي جمعت الملك والوزير الأول الأسبق، إذ أن ما رجح، على الأقل، من الصور الثلاث الأولى حين اطلاق اسم سي عبد الرحمان على أكبر شارع بمدينة طنجة والثانية أكثر رمزية وتحديا للبروتوكول المحافظ، حين قبّل الملك رأس المجاهد خلال عيادته أثناء المرض، وأخيرا اطلاق اسمه على فوج الضباط وتوصيته لحماة العرش بأن يقتدوا بخصال الرجل .
قد يكون لنا، وبشكل متفاوت، وبحسب زوايا نظرنا، التعليق على الصور الثلاث، لكننا نتفق على أنها مبادرات نبيلة وإنسانية عميقة واعتراف بدور تاريخي لسي عبد الرحمان في المغرب المعاصر، وفي نقل المغرب من مرحلة السكتة القلبية والاضطرابات الكامنة إلى محطة سير القطار على سكة آمنة، رغم اختلافنا في تقييم سرعته، وما الذي تحقق، في الوقت الذي نجد رئيس الدولة نفسه ينتقد أداء المنظومة السياسية والاقتصادية اليوم، ويطالب بأقصى سرعة مع النجاعة والمسؤولية والمحاسبة، وتأكيد الملكية الوطنية والمواطنة، والتي أفهم منها شخصيا أن المواطنة هي صلب الحقوق والواجبات والانضباط للقانون الأسمى للبلاد، وهي بكل اختصار مفيد الملكية البرلمانية، مع التأكيد أن لا ملكية برلمانية بدون ملكيين برلمانيين، على شاكلة لا ديموقراطية بدون ديموقراطيين.
ما أثارني في كل النقاش الذي سبق هو بعض الكتابات، على ندرتها، والتي تنهل من محبرة واحدة بمداد ظل ملازما لهامش وضِل يحاول أن يكون بديلا عن الحقيقة، لأن الضل يبقى ضلا..
هاته الكتابات تحاول أن تعزل سي عبد الرحمان عن محيطه وأصله بل واقتلاعه من جذوره دفاعا عن الذين لا جذور لهم، وكأن اليوسفي سقط من السماء، والحال أن الرجل وطني ناضل داخل الحركة الوطنية وفي صفوف القوات الشعبية، من داخل المغرب وخارجه، وهو رفيق وفي للشهداء والمناضلين الأحياء منهم والأموات، وهو اليوم اتحادي ولم يسبق أن قال بغير ذلك، وهو يحضر أنشطة حزبه وكان آخرها المهرجان التاريخي بوجدة ولقاء فاس والرباط، وغيرها بكل ربوع الوطن وفي رحاب الاتحاد، ويحيي ذكرى الشهداء، وهو رغم حالته الصحية لا يتورع عن الحضور، حتى ضد تنبيهات أطبائه، فلماذا يراد اليوم، وعبر مثل هاته الخربشات، فك الارتباط الأبدي لسي عبد الرحمان بحزب القوات الشعبية؟
إن الاعتراف بسي عبد الرحمان من طرف الملك ومن طرف الشعب المغربي هو اعتراف بمسيرة من الدم والشهداء والآلام والمعتقلات ومجهولي المصير والميتمين وسنوات الرصاص، وأي مقارنة لا تصمد، والتاريخ كتاب مفتوح لإعادة القراءة لمن يجهل، أما من يتجاهلون فذلك اختيارهم، وأشير أخيرا إلى أن بعض المقارنة بين سي عبد الرحمان وغيره، ولو من باب الانتصار له،لا تليق، لأننا يجب أن نقرأ الأشخاص من خلال فعلهم في التاريخ وهل ظلوا ملتزمين أم أن كل “الممانعة” من أجل تقاعد. فالرجل لو كان له مشروع فردي لاغتنى من “تجارة السلاح” دوليا، لأن السلاح عنده عنوان لقضية اسمها التحرر والدفاع عن الإنسان من حيث هو إنسان في كل جغرافيا الكون وامتداد الزمان… اليوسفي رمز وقضية ومشروع وطن تحقق منه ما تحقق، والرسالة تحملها الأجيال من جيل إلى جيل عنوانها التحرير والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، وهي رسالة بلا عنوان.
لست هنا بصدد مدح لرجل زهد في الدنيا ونال رضا الشعب والملك واحترام العالم، وزهد حتى فيمن كانوا بالأمس يتبارون في الإساءة إليه.
لم توجد بعدُ ممحاة لمحو التاريخ !


الكاتب : محمد الطالبي

  

بتاريخ : 05/08/2019