باحثون دعوا خلاله إلى إعادة بناء الصورة الكاملة للزاوية الدلائية

«ملتقى روافد للتراث» بخنيفرة يختتم أشغاله بقراءة جديدة
لتاريخ المراكز الدينية وأسئلة الزوايا بالمغرب

أوصى المشاركون في «ملتقى روافد الأول للتراث»، بخنيفرة، ب «التأكيد على أهمية ملتقى يختص بالتراث، والحرص على استمراره»، مع «دعوة جمعيات المجتمع المدني بخنيفرة، التي تعنى بالتراث المادي واللامادي، إلى الانخراط في صياغة تصور شامل وإنجاز مشاريع مشتركة انطلاقا من النسخة الثانية للملتقى»، فيما شددوا على ضرورة»اعتماد مقاربة تنموية تستند على السياحة الجبلية والدينية والرياضية لتأهيل مدارات تجعل الزوايا -بالمجال الزياني- محط اهتمام فئات عديدة»، و»القيام بمسح عام للأضرحة والمزارات والآثار وتوثيقها ضمن إصدار خرائطي وتأريخي»، وفق التوصيات.
وفي ذات السياق، أوصى المشاركون في أشغال الملتقى، المنظم تحت شعار «معا من أجل تثمين التراث المحلي»، بالعمل على «إعادة بناء الصورة الكاملة للزاوية الدلائية استنادا للمصادر التاريخية والهندسة التراثية بدءًا من الصور الثلاثية الأبعاد، في أفق البحث عند داعمين لإعادة بنائها على الواقع»،مقابل «الانفتاح على المؤسسات الجامعية ومختبراتها وطلبتها»، والحرص على «جمع المادة العلمية للملتقى وطبعها وتوزيعها خلال المحطات الموالية»، وهي التوصيات التي لقيت استحسانا وتفاعلا ملحوظين لدى المهتمين والمتتبعين.
ومعلوم أن»الملتقى الأول للتراث المحلي» قد تم تنظيمه في خنيفرة، على مدى يومي السبت والأحد، 23 و24 نونبر 2019، من طرف «مركز روافد للأبحاث والفنون والإعلام»، واختتم بندوة علمية تحت عنوان «المراكز الدينية في المجال الزياني: فضاءات متقاطعة الوظائف»، بعد افتتاحه بورشتين شارك فيهما عدد من تلاميذ المؤسسات التعليمية وممثلي الأندية التربوية، حيث تمحورت الورشة الأولى حول «منهجية توثيق التراث المادي»، بتأطير من المديرة الإقليمية لوزارة الثقافة بخريبكة،ذ. خديجة برعو، والثانية حول «جوانب من تاريخ مدينة خنيفرة»، بتأطير من الفوتوغرافي الاعلامي، ومؤطر ورشة صوت صورة لمؤسسة الإبداع الفني والأدبي بخنيفرة،ذ. محمد أباحسين.
ومن خلال الورشتين التعليميتين، استعرضت ذ. خديجة برعو عدة معطيات ودروس حول مفاهيم التراث بمختلف أشكاله ومجالاته وصنوفه، والطرق الناجعة لقراءته وتوثيقه وتدوينه بأساليب علمية تستند للمرجعيات القانونية والأدبية، في حين ركز ذ. محمد أباحسين على الجانب التاريخي لمدينة خنيفرة، وما يكتنزه من موروث ومآثر وتراث مادي ولامادي، مذكرابتجربة»نادي التربية على التسامح»لثانوية الأمير مولاي عبد الله،والذي نجح في تنظيم زيارات ميدانية للمآثر والمعالم التاريخية بالإقليم بغاية قراءتها والدعوة لحمايتها، من خلال تعريف الناشئة بتاريخ المنطقة وتراثها الأيكولوجي والتاريخي في سبيل تعزيز الوعي بأهميتها.
وبخصوص الندوة العلمية التي تصدرت الملتقى، فقد اختيرت لتقديمها الشاعرة ذة. نعيمة قصباوي، وتنشيطها بوصلات موسيقية لمجموعة ذ. يوسف الرشيد، قبل افتتاحها بكلمة الشركاء، بينهم مديرة المركز الثقافي، ذة. منية الفيلالي، التي ذكرت بما تزخر به المنطقة من تراث غني، داعية المهتمين بميدان التراث، بحثاً وتحليلا، إلى توثيقه وحمايته، في حين لم يفت رئيس مصلحة الشؤون التربوية بمديرية التربية الوطنية، سيدي محمد النوري، اعتبار الندوة فرصة لربط الماضي بالحاضر وترسيخ الثقافة التاريخية لدى الناشئة، مذكرا بالكتيب الذي انتجه نادي التسامح بثانوية الأمير مولاي عبدالله حول ما يزخر به الاقليم من مآثر ومواقع أثرية.
أشغال الندوة العلمية، التي سجلت حضورا متميزا للغاية، من شتى الفعاليات الثقافية والعلمية والتربوية والجمعوية والإعلامية،وجرى تسييرها من طرف الباحث الأستاذ المصطفى فرحات، فتمت بمشاركة عدد من المهتمين والباحثين، هم الباحث الدكتور المصطفى عربوش، الجامعي الدكتور عبدالرحمان قوبي، الباحث في التاريخ الأستاذ لحسن رهوان، ثم الباحث في تاريخ المقاومة والتراث المحلي الأستاذ حوسى جبور،حيث لم يفت المسير الأستاذ المصطفى فرحات وضع الحضور في صميم موضوع هذه الندوة وأرضيتها، ومستعرضا بعض المحطات التاريخية، والزوايا بالمغرب، ومناهجها وأدوارها، وعلاقة بعضها بالسلطة المخزنية.
من جهته، انطلق الدكتور المصطفى عربوش، في مداخلته الغنية، من قوله: «من ليس تراث ليس له تاريخ، ومن أنكر تاريخه أو حضارته فقد أنكر جذوره ووطنيته»، ليرحل بالحضور في تاريخ خنيفرة وأمجاد الزاوية الدلائية التي «يحتاج عرضها لكثير من الوقت»، مركزا على «علاقة تادلة بهذه الزاوية من خلال اسمي «الدلاء» و»التادلاء» الذي تلاشى مع المفاهيم المنقرضة»، فيما لم يفته استعراض ما جاء به بعض العلماء والمؤرخين في هذا الموضوع، قبل انتقاله لتشريح تاريخ الزاوية الدلائية، وعلاقة أبي بكر الدلائي بشيوخ بعض زوايا ضواحي بني ملال، وظروف علاقة زاويته بعدد من الزوايا المنتشرة بالمغرب، وما كانت تزخر به من علماء وخزانة شهيرة.
ولم يفت الدكتور عربوش، تقاسمه مع الحضور ما دار بينه وبين بعض الباحثين عندما سألوه حول معنى وصفه للزاوية الدلائية ب «الجامعة» فأجابهم بأنها «الجامعة التي تخرج منها الآلاف من الطلبة في فترة تاريخية استثنائية»، ولما سألوه عن خلفية تسميتها ب «أندلس المغرب» لم يتردد في الإجابة عن كونها «أندلس مغربية»، من حيث «تشابه مصير الاندلس بمصير الزاوية الدلائية، التي ما زلنا ندرس أدبها وأسرارها إلى حدود اليوم»، بينما تمكن المتدخل من جر الحضور للتفاعل مع ورقته الغنية بالمستندات العلمية و ب»الشهود» من المؤرخين القدامى والعلماء والشيوخ الذي استند Yليهم في مداخلته.
أما الدكتور عبدالرحمان قوبي، فاستهل مداخلته بإبراز مفهوم العلاقة بين «الرباط» و»الزاوية»، مقسما معنى الزاوية إلى ماهو متعارف عليه ك «مكان لإيواء المحتاجين، وكملجأ للفقه والفكر والدراسة بشكل مجاني»، فيما اعتمد على عدد من الأبحاث المغربية التي تناولت بالبحث والتحقيق في موضوع الزوايا، والمقومات التي «جعلت الزاوية الدلائية تكتسب اشعاعا واسعا على كامل التراب المغربي كمنارة علمية»، وتصير»قبلة للعلماء والطلبة الباحثين عن المعرفة والعلم»، وما لعبته من أدوار حكيمة في الحفاظ على مكانتها «رغم الفتن والاضطرابات ومظاهر الاقتتال على السلطة» التي كانت تعيشها البلاد.
وفي ذات السياق، لم يفت الدكتور قوبي الابحار في تاريخ الزاوية الدلائية، وما تخرج منها من علماء، لا يقلون عن العلامة الحسن اليوسي الذي درس بها لمدة عقدين من الزمن، إلى جانب ما ذكره عنها عبدالله كنون حول هذه المعلمة، وما قاله عنها حسن أوريد في «رواء مكة»، علاوة على ما اشتهرت به من كرم الاستقبال والضيافة، وما كانت تحتوي عليه من كتب «تفوق عشرة آلاف كتاب، وهو عدد لم تبلغه أية خزانة في ذلك الوقت إلا خزانة بإحدى جامعات الأندلس»، يضيف المتدخل.
وبدوره ركز الأستاذ لحسن رهوان، على ملف الزاوية الناصرية، الواقعة على بعد خمسة كيلومترات من مدينة خنيفرة، معتبرا اشتغاله على هذا الملف ب «مثابة مغامرة»، رغم شح المعلومات الكافية التي يمكنها تسليط ما يهم من الضوء في شأن تاريخها العريق، وربما يعود ذلك الى «ما يعرفه الجميع حول أجزاء المغرب المنسي الذي لم ينل حظه من البحوث والقراءات، فضلا عن الحملات العسكرية الاستعمارية التي ساهمت في تدمير كل نافع للدراسات التاريخية»، حيث لم يفت المتدخل التوغل بالحضور في تاريخ الزاوية الناصرية، وما تناوله الباحثون في شأنها وربطهم سبب انتشارها بوفاة شيخها الناصري.
ومن خلال مداخلته، تطرق ذ. رهوان لفترة وفاة الشيخ أبوعبدالله محمد الكبير بن امحمد بن ناصر لبدرعي، والسياق التريخي لميلاد الزاوية الناصرية (تمسكورت) ووصاية الشيخ امحمد بن ناصر بالشيخة لتولي ابنه الأصغر شؤون الزاوية ما كان سببا في نشوب خلاف بين هذا الابن وأشقائه الثلاثة ممن انتشروا بعدة مواقع ومناطق مختلفة على مستوى البلاد، وعلى رأسهم الابن البكر محمد الكبير.
أما الأستاذ حوسى جبور فشارك بمداخلة قيمة حول شخصية أبا يعزة، وما نسج حولها من كرامات وأساطير، ومن أبحاث ودراسات، والظروف والسياقات التاريخية التي برزت فيها هذه الشخصية التاريخية، وما أخذه أبا يعزة من الأولياء والشيوخ، علاوة على أدوار أبا يعزة في تاريخ منطقة «تغيا»، السياسية منها والاجتماعية والدينية، والمناقب التي طبعت شخصيته داخل المجتمع، على ضوء المصادر التاريخية والدينية، وكيف أقام في البلاد وهو يحيا الزهد ويقتات النبات ويستأنس بالحيوانات، فيما لم يفت المتدخل استعراض نماذج من «كرامات» الرجل التي لا يتقبلها العقل أحيانا، والتي كانت حديث الناس، إلى حين وفاته عن عمر 130 سنة.
ومن خلال مداخلته، ذكر ذ. جبور بما تناقلته الذاكرة الشعبية من «معجزات» الشيخ أبا يعزى، ومنها اليوم الذي «قصده فيه أهل فاس يشكون إليه الجفاف والقحط الذي ضرب أرضهم، فخرج رافعا كفيه إلى ربه وهو يبكي، فنزل الغيث على فاس»، إلى جانب ما ورثه الأجيال من حكايات لا تقل عن «تمكن الولي المذكور من معالجة العميان ببرنسه»، إلى جانب احسانه مع الفقراء عندما كان يحرث الأرض ويخصص لهم كل الغلة، فيحتفظ لنفسه بالعشر الواحد فقط من ذلك، ولم يفت المتدخل بالتالي الاستناد لعدد من المؤرخين والعلماء الذين تحدثوا عن الشيخ أبي يعزى، مثل ابن الزيات التادلي في «التشوف» والصومعي في «المعزى»، وغيرهم.
ضيف الملتقى، الإعلامي والحقوقي، ومدير «ملفات تادلة»،ذ. محمد الحجام، فتح باب المناقشة بكلمة انطلق فيها من أن «المغرب مغربان، مغرب ما قبل التاريخ ومغرب ما بعد التاريخ»، وكيف «أن التاريخ أساسي لمعرفة ما جرى بالأمس، وغايات الزوايا وجبروت بعض المتسلطين باسم هذه الزوايا»، مؤكدا «أن الدول العظمى رجعت لقراءة حضارتها القديمة، ولا يمكن لنا في المغرب معرفة الحاضر دون معرفة تفاصيل التاريخ المغربي»، وبعد ذ. محمد الحجام تناوب على «منصة المناقشة» عدد من الحاضرين بمقترحات وتصورات وانتقادات مهمة، بناء على أوراق المشاركين في ندوة الملتقى الأول للتراث.


الكاتب : خنيفرة: أحمد بيضي

  

بتاريخ : 03/12/2019