بمناسبة اليوم الوطني للمرأة المغربية، أما آن الأوان لتعديل مدونة الأسرة؟ : 100 ألف حالة طلاق سنويا تنذر بتفكك الاسر وانهيار المجتمع وتعجل بتعديل قانون الاسرة

بعد 14 سنة من تنزيل مدونة الاسرة، أصبحت الاسرالمغربية اليوم ،وفي كنفه ، تعيش حالة خطيرة من التفكك ، تندر بانهيار مجتمعي وقيمي كبير ،وهو الوضع الذي أثبت بالملموس أن هناك اشكاليات في تطبيق هذا القانون، خيبت آمال اللجنة التي اشتغلت عليه آنذاك ،والتي حرصت على تنزيل قانون يحمي الاسرة والأبناء .
كيف زاغت المدونة عن أهدافها؟ وما هي مواطن الخلل و الثغرات التي كشف عنها التطبيق العملي للنص التشريعي؟ وهل الوضع الاجتماعي والقانوني الراهن لا يفرض و بإلحاح مراجعة أو تعديل عاجل لقانون المدونة ؟
قضاة ومحامون/ت وحقوقيون/ت وممثلو/ت جمعيات المجتمع المدني ، يتطارحون في هذه الصفحة، اشكالات التطبيق ويقترحون بدائل تضمن ممارسات سليمة للحقوق و الواجبات .

 

ازهور الحر:   رئيسة الجمعية المغربية لمساندة الاسرة

قانون الاسرة زاغ  عن أهدافه، والقاعدة القانونية يجب ان تستجيب لتحولات المجتمع

 

«من المؤسف أن نشهد سنويا 100 ألف حالة تطليق للشقاق ،في ظل مدونة جاءت لحماية الاسرة والأطفال» تقول ازهور الحر، العضو السابق في اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بتعديل بنود مدونة الاسرة ، ورئيسة جمعية مساندة الاسرة، لم نكن نهدف ونحن نضع القانون أن تنهار الأسر المغربية بهذا الشكل المريب الذي هي عليه الآن.
لقد اصبح الطلاق وخصوصا التطليق للشقاق، الوسيلة السهلة التي يمتطيها الازواج عند أول عقبة تعترضهم لإنهاء العلاقة الزوجية، في ضرب تام لروح وفلسفة قانون الاسرة.
ففي الوقت الذي اصبح 17 فقط من الازواج يصلون للصلح واكثر من 84 في المائة يذهبون للطلاق، فهذا دليل قاطع على ان الشقاق اصبح مسطرة طلاق وليس مسطرة صلح، بل ان الشقاق غطى على باقي انواع الطلاق الاخرى، واصبح حتى الرجال يتوجهون إليه مباشرة.
والسؤال الذي يلح علينا طرحه ،تضيف ازهور الحر، هو لماذا نتوفر في المدونة على مجموعة من أنواع الطلاق ولا نمارسها، مثل الطلاق الرجعي والطلاق للضرر اذا ثبت ،الطلاق الاتفاقي ثم الطلاق للشقاق ،وانا هنا أقول يجب ان نوحد المصطلحات ،فهناك خلط واضح بين الطلاق والتطليق.
ففي القانون القديم، الطلاق هو الذي يكون بطلب من الزوج، والتطليق يكون بأمر من المحكمة، ولكن الآن كل أحكام الطلاق اصبحت تصدر من المحكمة. وهناك أيضا من يقول ان الطلاق هو الذي يطلبه الرجل والتطليق تطلبه المرأة، ولكن اليوم اصبح الرجل أيضا يطلب طلاق الشقاق،إذن لماذا مازلنا نستعمل هذه المصطلحات التي لم تعد تؤدي معناها، لماذا لا نوحد المصطلحات ونقول الطلاق لجميع المساطر، إما أن يكون اتفاقيا او بطلب من الزوج او بطلب من الزوجة وتحدد الاسباب إما ضرر أو شقاق. وهذه مسألة اساسية تستدعي مراجعة الشقاق وبعض فصول المدونة.
نقطة اساسية أخرى يجب أن نقف عندها بقوة اليوم وهي الصلح أمام المحاكم، هناك صعوبة كبرى في تحقيق الصلح بين الازواج في المحكمة. فبالرغم من كفاءة القاضي وتكوينه يصعب عليه أن يفصل ويحكم ويصدر حكم ويتدخل كمصلح في نزاع له خصوصية وله عمق، لأن فيه جانب اجتماعي ونفسي واقتصادي وفيه موروث ثقافي يتطلب من الوسيط ان يكون عنده وقت وسعة صدر وإمكانيات ووسائل، لكن الواقع أثبت و بالملموس أن الصلح اصبح عبئا على المحكمة ويجب أن نخرج به خارجها.
من بين الاشكالات الكبرى والمطروحة اليوم أيضا على المدونة ويجب إعادة النظر فيها ،ولها جانب كبير من الاهمية هي المتعة ، فقد كانت تعطى للمرأة بعد الطلاق ، لكن جاء اجتهاد 2010 وحصرها في طلب الزوج للطلاق فقط . أنا اقول أن انعكاسات هذا الاجتهاد دفعت الرجل الى اللجوء الى اساليب تحايلية من هجر وعدم انفاق وعنف وغيرها من الاساليب كي يدفع المرأة الى طلب الطلاق حتى يتهرب من المتعة. هذا ليس عدلا ، قلنا عند وضع قانون الاسرة، المتسبب في الطلاق والذي ارتكب الخطأ يجب أن يعوض للآخر، كنا ثلاث نساء في اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بتعديل بنود مدونة الاسرة، وطالبنا بحذف مصطلح «المتعة» واستعمال مصطلح «تعويض عن الضرر» الذي يتسبب في انهاء العلاقة الزوجية، فكانت مواجهتنا بقوة بأنها ذكرت في القرآن.
في استعراضها لإرهاصات تنزيل قانون الاسرة وما اعتراه من سلبيات في التطبيق، اعتبرت الاستاذة الحر أن صدور مدونة الاسرة كان أعمق إصلاح عرفه المجتمع المغربي، وانه كان نقلة نوعية في تطوير العلاقات الاسرية وإقامتها على اساس من الانصاف و المساواة بين اطراف العلاقة و حماية حقوق الاطفال ، كما ان المسار الذي سلكه هذا الاصلاح كان متميزا و شكل منهجية فريدة، مكنت من تجاوز الكثير من العقبات للوصول الى قانون توافقي يعمل على رفع حالات من الحيف و التعسف و يقر نوعا من التوازن بين الحقوق والواجبات ويزاوج بين المرجعية الوطنية والدولية.
فالتطليق للشقاق جاء كرد فعل للواقع الذي كانت تعيشه المرأة من قبل، حينما كانت تمنع نهائيا من طلب التطليق، فكل طلب كانت تتقدم به كانت المحكمة تواجهه، لسبب من الأسباب بالرفض ،وكانت الوسيلة الوحيدة هي الخلع ،لقد عثرنا على أحكام كانت فيها المرأة تعاني من ضرر جسدي بالغ وضرر مادي أيضا أدين فيها الزوج وحكم بالسجن،ولكن عندما تقدمت المرأة بطلب التطليق للضرر، رغم الشواهد التي تثبت ذلك، أجابتها المحكمة «انه لم يثبت للمحكمة أن هذا العنف والضرب لم يكن بسبب ذنب جنته المرأة». وفي حكم آخر قضت المحكمة «أن الضرر كان بينا ولكنه لم يلحق بها عاهة».
لكن الاشكالات التي برزت بشكل مهول بعد مرور 14 سنة من العمل بالمدونة، في ما يخص التطليق للشقاق، بينت بالملموس أن هذه المسطرة اصبحت مسلكا سهلا يلجأ اليه الازواج ايضا وليس الزوجات فقط، كبديل عن المساطر الاخرى،خصوصا بعد ان اصبحت مساطر الصلح عاجزة عن اصلاح ذات البين. واصبح الوضع الحالي يحز في النفس ويدق ناقوس الخطر لكارثة اجتماعية محدقة تستدعي الاسراع لتعديل أو مراجعة قانون الاسرة، وأيضا البحث عن آليات جديدة للحد من ظاهرة الطلاق.
لهذه الاسباب تقول ذة .ازهور الحر ،يجب فتح حوار وطني حول مدارسة جوانب من هذا القانون لتثمين المكتسبات و تقييمها وكذلك لوضع الاصبع على مواطن الخلل والثغرات التي كشف عنها التطبيق العملي للنص التشريعي .حيث ان التقنين يعتبر آلية من آليات ضبط سلوك الافراد في المجتمع و نشر ثقافة القيم الانسانية المتعارف عليها، وأن القاعدة القانونية يجب ان تكون مواكبة ومستجيبة لكل التحولات والتغييرات المؤثرة في المجتمع، فإن عمليات المراجعة والتعديل للتطوير نحو الاحسن تبقى شيئا مطلوبا سواء على مستوى صياغة النص أو على مستوى تطبيقه وتنزيله على أرض الواقع.

 

حسن ابراهيمي: باحث في القانون الدولي والخاص وقانون الاسرة 

اصبحنا أمام نظرية جديدة يمكن ان نسميها نظرية الشقاق الاسري

 

أمام هول الاحصائيات المتعلقة بالتطليق للشقاق ،اصبحنا أمام تبلور نظرية جديدة يمكن ان نسميها نظرية الشقاق الاسري . اصبح التطليق للشقاق وسيلة لمن لاوسيلة له.
لقد كانت غاية المشرع من هذه الوسيلة رفع الصعوبة التي كانت تعانيها الزوجات من إثبات الضرر، فجاءت المسطرة من اجل تيسير العلاقة الزوجية . فمواد القانون من 94 الى 97 تتحدث عن الصلح ،إلا المادة الاخيرة التي تتحدث عن الطلاق .فكيف انتقلت الغاية من هذه المسطرة واصبحت مسطرة الشقاق وسيلة لهدم العلاقة الزوجية.
قد يعتقد البعض ان النساء اكثر طلبا للشقاق من الرجال .فإحصائيات وزارة العدل والحريات لسنة 2015تفيد ان النسب متقاربة، فمابين 78.865 حالة طلاق للشقاق، كان طلب الزوجات 44.854 طلبا، في حين وصل طلب الازواج الى 34.107..فالنسب إذن متقاربة مما يفيد ان الزوج أيضا اصبح يلجأ الى مسطرة الشقاق، لما فيه من يسر مقارنة مع الطلاق الرجعي، فكيف يتم استغلال هذا التحايل؟
لأنه لم يكن هناك نوع من التجانس بين تحديد الضرر في المسطرة المدنية 212 وعلاقته بمحددات الاختصاص في الطلاق الرجعي في مدونة الاسرة.
الطلاق الرجعي في مدونة الاسرة ينص على ان رفع الدعوى من طرف الزوج يجب ان يحتل الترتيب. وفي الفصل 212 من قانون المسطرة المدنية والذي اتى لاحقا على قانون الاسرة ،اعطى مهلة في الاختيار بين محل ابرام عقد الزواج وبيت الزوجية او موطن الزوجة .اي يختار الزوج مايشاء، بينما في الطلاق الرجعي يحترم الترتيب :موطن الزوجة، بيت الزوجية، ثم محل ابرام العقد الزواج.
وفيما يتعلق بالمستحقات، فأبرز مستحق هوالمتعة . المادة 97 صريحة في حالة تعذر الاصلاح تحكم المحكمة بالتطليق وبالمستحقات طبقا للمواد 83.84.85 وهي المواد المرتبطة بمستحقات الزوجة بموجب الطلاق الرجعي.
فعلى مستوى ست سنوات من التطبيق القضائي، كانت المحاكم تطبق هذا النص في هدوء تام وبتحديد سلطتها التقديرية فيما يتعلق بالمتعة التي يمكن ان تحكم بها لفائدة الزوجة، فقد يكون التعويض مرتفعا او منخفضا حسب مجموعة من العناصر منها دخل الزوج ومدى تعسف الزوج او الزوجة قي اللجوء الى هذه الوسيلة . إلى ان جاء تعديل 2010 بعد القرار الشهير لمحكمة النقض الذي احدث انقلابا جوهريا في المساطر التي كانت تعتمدها المحاكم، والذي اثار نقاشا بين المهتمين حول ما اذا كان الزوج هو طالب للشقاق المحكمة تحكم بالمتعة ، فهل يمكن الجمع بين المتعة والتعويض ؟بعض المحاكم اتجهت نحو الجمع بينهما على اعتبار انه لا يحكم بالتعويض في مسألة مرتين.اقول ان هذا الموقف لا يستقيم مع فلسفة المتعة وفلسفة التعويض .لأن العناصر المرتبطة بتحديد المتعة هي مدى تعسف الزوج ،والمتعة يحكم بها سواء كان ضررا او لم يكن ضرر للزوجة ،والحال ان البعض يعتبره ركنا جوهريا في الحكم بالتعويض .يجب ان تكون هناك علاقة سببية للجمع بينهما ،فلابأس الجمع بينهما اذا كان هناك لزوم وشروط مرتبطة بهذين التعويضين.هناك نوع من التشدد في اعتبار مدى الافعال التي تشكل خطأ من طرف الزوج .اعتقد انه يجب التعامل بنوع من المرونة في هذا الجانب، لأن صعوبة الاثبات المرتبطة بالخطأ في العلاقة الزوجية قد تفتح الباب للاستعانة ببعض المتخصصين في علم النفس من اجل التثبت من مدى وقوع الضرر.
هذا التعديل طرح أسئلة كثيرة جدا .إذا تجاوزنا بأن هذا الجانب مسطري ننتقل إلى الجانب الموضوعي،فهل نحن امام اجتهاد فقهي؟أم هل نحن أمام بلاغ تشريعي حتى يمكن لمحكمة النقض ان تجهز عليه.فلا يمكن للتشريع أن يتميز بنوع من التكرار. فالمادة 97صريحة ،أحالت على المستحقات الواردة في المواد 83.84.85 وضمنه المتعة .فكيف نتصور ان محكمة النقض سوف تجتهد في وضوح الوصف ووضوح الاحالة.
التساؤل الثاني،نعلم ان دور محكمة النقض هو توحيد الجهاز القضائي، فإن يكن خلاف حول موضوع ما تأتي محكمة النقض لتوحيد الاجتهاد القضائي . لكن في هذا القرار وقع العكس .محكمة النقض هي التي خلقت الجدل بالنسبة لمحاكم الموضوع ،ولما صدر القرار وبإكراه معنوي انصاعت المحاكم اضطرارا .
هذا التوجه يضعنا امام انقلاب في المفاهيم المرتبطة بحقوق الدفاع في استعمال المكنة التشريعية. وكان المقابل لطلب الزوجة هو حرمانها من المتعة ،وهذا يتناقض مع الحق في اللجوء للعدالة .كيف يمكن ان تسلب الزوجة أهم حق الذي هو المتعة بمجرد استعمال مكنة واردة في النص القانوني .
إن المحاكم هي من تبسط السلطة التقديرية ،هي الضمانة في تقدير حق المتعة والقاضي بحكم الخبرة هو من يميز من هو المتعسف في طلب انهاء العلاقة،لكن يبدو أن هذا النص تم افراغه من محتواه.لقد كانت ارادة المشرع واضحة في النص، ثم أن هذا خيار مجتمعي واضح والنص القانوني كان واضحا ولا يحتاج لأي تعديل او اي اجتهاد.
على مستوى التعويض المادة 97 في الفقرة الثانية تحدثت عن امكانية التعويض، لكن أبرز إشكال قد يعيق الزوجات في ظل تعديل 2010هو الحق في المطالبة بالتعويض، لأنه مرتبط بأداء الرسوم القضائية حسب النسبة المطالب بها، وهذا قد يشكل عائقا امام الزوجة .فلايجب ان تؤدي الزوجة الرسوم القضائية لأن أغلبيتهن في وضعية هشاشة .

 

عبد اللطيف وردان، نائب رئيس المحكمة الابتدائية المدنية بالبيضاء

فضاء المحكمة يحكم نفسية المتقاضين بالتشنج والوساطة ضرورية قبل الوصول للمحكمة

 

يقول الاستاذ وردان أن هناك إشكالا كبيرا في فهم التطليق للشقاق، كما نص عليه قانون الاسرة،للأسف لم يفهم بشكل سليم ، ولم يتم توضيح هذا الالتباس من طرف المهتمين بهذا الشأن ،فزاغ عن فلسفته التي أوجد من أجلها وهي الصلح، فالمشرع لم يقل في حالة طلاق، بل قال «في حالة نزاع تتدخل المحكمة بين الزوجين للتطليق اذا فشلت في التوفيق بينهما «.
المشرع المغربي عندما لجأ لمسطرة للشقاق ،فذلك من أجل رفع الضرر الذي كانت تعانيه المرأة في صعوبة التطليق للضرر، لأن محكمة النقض كانت تشترط اعتماد أحكام الفقه المالكي بأنه يجب أن يشهد شهود اللفيف بأن الزوج يضر بزوجته دون ذنب جنته.والذنب هو الخطأ والزلة في علاقة المخلوق بخالقه، وكأن الزوج أصبح رقيبا على زوجته في علاقته بربها .لهذا عانت الزوجة كثيرا ولتخفيف هذه المعاناة عنها جاء المشرع بقانون التطليق للشقاق من المادة94 وما يليها .
لكن ماحدث بعد سنوات من تطبيق المدونة، هوعكس لهذه المفاهيم، ولم يعد التطليق للشقاق يحقق المقصود منه وهو حل المشكل، وتم فهم المادة 94 من المدونة فهما خاطئا، وهذا الالتباس كان على المشرع ان يوضحه ويعرف الشقاق أولا كما نصت عليه روح وفلسفة المدونة. فالمادة 94 تنص بوضوح « إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق، وجب عليها أن تقوم بكل المحاولات لإصلاح ذات البين».
فمهمة الصلح أسندت للقاضي ، لكن رغم مكانة القاضي الكبيرة ،فهو لايتوفر على تكوين يؤهله للقيام بالصلح ،لأن الوسيط يجب ان يخضع لتكوين ودراية بمجموعة من العلوم منها علم الاجتماع وعلم النفس وغيرها ..حتى يستطيع أن ينفذ إلى أصل المشكل القائم بين الزوجين ويبدد الخلاف ،إضافة إلى الظروف التي يشتغل فيها القاضي بين ضغط الملفات التي تتراوح من 35 الى 40 ملفا كل يوم في فترة زمانية محددة و إكراه الفصل 118 من الدستور الذي يقول ان المحكمة او القاضي يجب ان يبت في الملفات داخل اجل معقول وإلا سيتعرض للمساءلة التأديبية .فكيف يمكن للقاضي أن يوفق بين كل هذا. طبعا هناك إكراهات اخرى منها عدم تحديد شروط الحكمين اللذين يصبحان طرفين في النزاع، ويزيدا من تعقيد مسطرة الصلح . كما أن فضاء المحكمة يحكم نفسية المتقاضين بالتشنج في مواقفهما ،لإحساسهما بأن المحكمة هي نهاية الطريق في العلاقة. لهذا يجب أن تكون مسطرة الوساطة ضرورية قبل الوصول للمحكمة على يد اشخاص ذوي تكوين في الوساطة الأسرية حتى إذا ما تعذر الصلح لجأوا إلى المحكمة لإتباع مسطرة الطلاق.

 

نادية امزاوير : رئيسة المحكمة الاجتماعية بالبيضاء

يجب أن يتم الصلح خارج فضاء المحكمة، لأن العقلية المغربية لا تستسيغ اللجوء الى المحاكم

 

المشرع كان يهدف من خلال مسطرة الشقاق إلى الصلح بالأساس، وهنا لابد أن نميز بين الفرق بين مسطرة الطلاق والتطليق للشقاق، لنبرز بأن المشرع أوجد مسطرة الشقاق للصلح ، لكن في التطبيق تتناثر الاشكاليات..
فبالرجوع إلى المادة 95 نجد أن هذه المسطرة يلجأ اليها كل من الزوج والزوجة والمحكمة وجب عليها القيام بكل محاولات الصلح طبقا للمادة 82 .حيث نلاحظ أنها جاءت ضمن المواد التي تنظم الطلاق الرجعي و المشرع في الفقرة الثانية نص على أن المحكمة عليها القيام بإجراءات الصلح بانتداب حكمين ،لكن بالنسبة للمتقاضي/ة عندما يحضر الى المحكمة يأتي في حالة هيجان، لا يمكن ان يسمع من أحد أي شئ إلا حكم الطلاق، خصوصا الزوج الذي يكون في حالة غضب شديد لأنه لا يستسيغ أن تقاضيه الزوجة ويتم استدعاؤه إلى المحكمة .غالبا ما نسمع كلاما من قبيل «والله ما تكون لي امرأة جرجراتني في المحاكم «. رغم أن القانون ينص على أن من حق أي طرف اللجوء الى المحاكم في حالة الضرر.هنا تتعقد الامور وتبدأ الصعوبة في اصلاح ذات البين ، ومما يزد الطين بلة أن الحكمين يصبحان ايضا طرفين في النزاع لتبنيهما مواقف المتقاضين ، فما ثبت أن حضر حكم من العائلتين وحصل صلح. الحكم يتقمص النزاع ويصبح طرفا كما أن المحامي أيضا يعد من بين الاشكاليات، حيث يأخذ الموكلين للشقاق لمرونة المسطرة في التبليغ وتحديد المستحقات ….الخ
هذه بعض الأسباب والدوافع لانتشار ظاهرة التطليق للشقاق، الذي طغى على باقي أنواع الطلاق الأخرى وفسح المجال للشقاق الاتفاقي الذي أصبح اليوم أيضا شائعا .
بالنسبة للقضاة ، بكل جرأة أقول إن القضاة لايقومون بمسطرة الصلح بالشكل الذي يجب أن تكون عليه، وذلك لاكراهات عديدة منها كثرة الملفات، مايقارب 40 ملفا في فترة زمنية محددة (من 9صباحاإالى 12 زوالا) وغيرها بعد الزوال داخل أجل محدد للبت في الطلبات .فكيف للقاضي/ة أن يعطي الوقت الكافي للطرفين المتنازعين ويستمع إليهما ويبحث معهما عن حل للنزاع وهو متابع بإفراغ القاعة وأمامه 40 ملفا. وبهذا يكون الصلح الذي راهن من خلاله المشرع على استقرار الأسرة، لا يقوم به قاضي المحكمة بشكل سليم في ظل الظروف التي يشتغل بها حاليا. أضف إلى هذا أن المشرع لما جعل مسطرة الصلح جوهرية وضرورية لم يحدد للقاضي الطريقة التي يشتغل بها في هذه المسطرة، كما أنه لم يحدد الوسائل التي يجب ان يستعين بها .
فالحل يكمن في إيجاد وسيط يساعد الطرفين على إيجاد حل للنزاع القائم بينهما ، يقترح عليهما الحلول ولا يفرضها عليهم، تكون مهمته تدبير النزاع ويجعل كل طرف ينصت ويسمع للطرف الآخر و يعبر عن حاجياته ولايتمسك بواجباته ،بهذه التقنيات سوف ننقل المتقاضي إلى مواطن يتفاوض ويؤسس للحق الذي يتطلع اليه .
الحل يكمن في تطبيق الوساطة الأسرية للقضاء على النزاعات الأسرية، لا اقول القاضي لايصلح ، ولكن أقول إن هذه التدابير يجب القيام بها خارج فضاء المحكمة إذا أردنا أن تعطي أكلها، لأن العقلية المغربية لا تستسيغ اللجوء الى المحاكم..

 

ملحوظة

 

المداخلات تم طرحها ومناقشتها في ندوة نظمتها الجمعية المغربية لمساندة الاسرة، بمقر غرفة التجارة والصناعة بالبيضاء حول «قانون الأسرة بين مسار التطبيق وطموح التعديل .. التطليق للشقاق نموذجا» التي تهدف الجمعية من خلالها فتح حوار وطني وتقديم قراءة علمية متأنية للمدونة بعد 14 سنة من تنزيلها ، للوقوف على اشكاليات تطبيق قانون الاسرة وانعكاساته الاجتماعية .


الكاتب : فاطمة الطويل

  

بتاريخ : 12/10/2018

أخبار مرتبطة

بمشاركة 1500 عارض من 70 بلدا تتقدمهم إسبانيا كضيف شرف   انطلقت أمس بساحة صهريج السواني بمكناس فعاليات دورة 2024

يرى خالد السراج، عميد كلية الطب والصيدلة بوجدة، أن ما تم تحقيقه اليوم بالنسبة للمسار التكويني الممهد لممارسة مهنة الطب،

بكثير من الانشغال، عبّر الأستاذ سعيد المتوكل، وهو يلتقي «الاتحاد الاشتراكي» حين إنجاز هذا الملف، عما يؤرق باله ويختلج صدره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *