بورتريه : الباحث في مجال الهجرة واللجوء حسن عماري تجارب إنسانية ونضال من أجل المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء

إيمانه بالمثل القائل «مجبر أخوك لا بطل»، جعله يتعاطف بشكل كبير مع المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء، اغتصاب مهاجرة كونغولية بمدينة وجدة سنة 2001، وعدم تجاوب الجمعيات النسائية التي تم طرق أبوابها مع محنتها لكونها «مسيحية»، شكل صدمة قوية بالنسبة إليه، وهي الصدمة التي ستجعل منه الرجل المقرب من المهاجرين، ليصير بعد ذلك مرجعا للعديد من المنظمات الدولية المهتمة بملف الهجرة واللجوء، ومصدر معلومات بالنسبة للطلبة الباحثين والإعلاميين ، سواء داخل المغرب أو خارجه.
إنه حسن عماري، الباحث في مجال الهجرة واللجوء، استرعى اهتمامه تدفق المهاجرين من دول جنوب الصحراء على المغرب ابتداء من سنة 1998، في رحلات عبور تستغرق آلاف الكيلومترات بحثا عن مصير أفضل بعد أن أنهكتهم الحروب وظروف العيش القاسية، تطوع كفاعل حقوقي للتدخل وتقديم المساعدة لهؤلاء المهاجرين كلما تطلب الأمر ذلك، مراكما لتجارب عنوانها الإنسانية، أخرج مولودا إلى الوجود، منح هويات لأطفال «بدون»، ودفن موتى بأسمائهم في مقابر معروفة بعد أن كانوا يدفنون كأرقام في مقابر مجهولة…

حياة لـ «دينيس»
يوم 25 يوليوز 2014، حوالي التاسعة ليلا، تلقى حسن عماري مكالمة هاتفية من مهاجر نيجيري يخبره بأن «بليسينغ»، وهي مهاجرة نيجيرية مقيمة، جاءها المخاض. ولكونه كان مطلعا على وضعها ويعرف مكان تواجدها حيث كانت تشتغل رفقة زوجها بإحدى الضيعات بمنطقة «كالا» القريبة من المركز الحدودي زوج بغال، ربط الاتصال بـمنظمة «أطباء العالم» بوجدة آنذاك وطلب سيارة إسعاف قبل أن ينطلق إلى عين المكان.
وصل عماري ولم تكن سيارة الإسعاف قد وصلت، تضاعفت آلام الأم وأبى المولود إلا أن يخرج قبل وصول الإسعاف فاضطر إلى التدخل لإنقاذ حياة الأم والجنين بناء على توجيهات طبيب مختص كان قد ربط به الاتصال، متبعا جميع الخطوات إلى أن أطلق المولود صرخته الأولى وقطع الحبل السري لتنتهي عملية التوليد بسلام.
رغم إنجاب «بليسينغ» لجنينها، استمرت معاناتها مع سيارة الإسعاف التي رفض سائقها الوصول إلى مكان تواجدها بدعوى صعوبة المسالك، ليتم حملها رفقة مولودها من طرف زوجها وبمساعدة مجموعة من سكان المنطقة، إلى المكان الذي توقفت فيه سيارة الإسعاف ومن ثم إلى مستشفى الفارابي بوجدة.
أطلقت الأم اسم «دينيس إميكا» على مولودها الذي رأى النور على يدي المناضل الحقوقي حسن عماري، ليبدأ هذا الأخير «رحلة» تقييد المولود في سجل الحالة المدنية قبل أن ينهي أسبوعه الأول، وهنا اصطدم مع واقعة تتعلق بالحدود، رفض طلب التسجيل بالمقاطعة السادسة بوجدة التي كانوا يظنون بأن الولادة وقعت في نفوذها الترابي، وتم توجيههم إلى جماعة أهل أنجاد، إلا أن الطلب رفض في هذه الأخيرة أيضا.
بعد ثلاثة أيام من الذهاب والإياب من مقر المقاطعة إلى مقر الجماعة، اكتشف حسن بأن «بليسينغ»، العابرة للحدود، وضعت مولودها على حدود فاصلة بين المقاطعة السادسة بوجدة وجماعة أهل أنجاد، ولفض هذا الإشكال تم الاتصال بولاية جهة الشرق، وبتدخل من الكاتب العام للولاية تم تسجيل الطفل في المقاطعة السادسة.
هوية لمواليد
المهاجرات المنحدرات من دول جنوب الصحراء خلال رحلة العبور من بلدانهن الأصلية غالبا ما كن يصلن إلى المغرب في حالة حمل – يقول حسن عماري- إما عبر علاقة زوجية عادية أو عبر علاقة عبور تربطها المرأة مع رجل يوفر لها الحماية، أو على إثر اغتصاب أو محاولات الاغتصاب المتعددة التي تتعرض لها المهاجرات، سواء على الحدود المالية – النيجيرية أو المالية – الجزائرية أو الجزائرية – المغربية.
بعد وضع الحمل، كانت المهاجرات تواجهن مشاكل في تقييد مواليدهن، خاصة الذين بلغوا ثلاثة أو أربعة أشهر، وحتى لا ينشأ في المغرب جيل من «البدون»، بادر حسن عماري وطرق باب القضاء بحثا عن حل، فاهتدى بعد نقاش مع أحد القضاة إلى إمكانية تسجيلهم بواسطة حكم قضائي.
المسألة لم تكن سهلة، فإصدار حكم قضائي بالتسجيل في الحالة المدنية كان يتطلب مجهودا جبارا قصد الحصول على وثائق تخص الأم، ترفق بطلب التسجيل الموجه إلى رئيس المحكمة الابتدائية وشهادة من المصالح الطبية، الطلب صاغ نموذجه حسن عماري وبمساعدة «أطباء بلا حدود»، آنذاك، كانت تحصل المهاجرات، اللواتي لم تنجبن بالمستشفى، على شهادة الولادة، وبقي الإشكال في وثائق الأم نظرا لكون غالبية المهاجرات كن يفقدن وثائقهن أثناء رحلة العبور، وأمام هذا الوضع ربط عماري الاتصال بجمعية «تجمع المهاجرين» بالرباط، التي كانت تساعدهم في الحصول على الوثائق المطلوبة من قنصليات بلاد المعنيات بالأمر، كما كانوا يتوصلون ببعضها من عائلات المهاجرات في بلدهم الأصلي عن طريق البريد إلكتروني.
وبعد تقديم الملف مستوف لجميع الشروط، كانت الأحكام القضائية تصدر بعد شهرين أو ثلاثة أشهر يسجل بموجبها المواليد في المقاطعة الحضرية الأولى بوجدة، وهي المدة التي تقلصت مؤخرا وأصبح الحكم يصدر خلال شهر واحد من تقديم الطلب، وبهذه الطريقة تمكن حسن عماري شخصيا من تسجيل 17 مولودا ومولودة.

قبر لـ «أغوستو»
«أغوستو جوشوا» مهاجر نيجيري قاده حلم العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط إلى مدينة وجدة، إلا أن القدر شاء غير ذلك، ففي شهر فبراير من سنة 2012، توفي بمستشفى الفارابي بوجدة متأثرا بإصابات نجمت عن حادثة، تضاربت الروايات بشأنها، قرب الحدود المغربية – الجزائرية، وفاة هذا المهاجر، جعلت حسن عماري يتذكر مهاجرين اثنين توفيا بنفس المستشفى وتم دفنهما مجهولي الهوية في مقبرة غير معروفة، وهنا بدأ التفكير في ضرورة حفظ كرامة المهاجرين الذين يفارقون الحياة بدفنهم وفق الشروط المطلوبة «لأنهم ليسوا مجرد أرقام».
«لم أكن أعرف اغوستو ولم ألتق به يوما، لكن وفاته طرحت عندي إشكالية» يقول حسن عماري، ولكي يحظى هذا المهاجر بقبر معلوم يحمل اسمه، بذل حسن مجهودا كبيرا وربط الاتصال، بمساعدة صديقة «اغوستو» وبعض المقربين منه، بشقيقه في نيجيريا وأخبره بوفاته مقترحا عليه نقل جثمانه إلى بلده إذا كانت لديهم إمكانيات مادية، وأمام تعذر ذلك طلب منه إرسال وكالة باسمه لإتمام الإجراءات القانونية لدفنه.
توصل حسن عماري بوكالة من شقيق «أغوستو جوشوا»، وبعد 22 يوما، وهي المدة التي تطلبتها الإجراءات الإدارية اللازمة، جرت مراسم دفن أول مهاجر غير نظامي بملف وشهادة وفاة بالمقبرة الأوربية (قبور النصارى) بوجدة ترأسها «الأب جوزيف»، قس كنيسة سان لويس بوجدة الذي وافته المنية السنة الماضية، بحضور مجموعة من الفاعلين الحقوقيين إلى جانب عدد من المهاجرين والطلبة الأفارقة، وتم توثيق عملية الدفن بصور وفيديو أرسل إلى عائلة المتوفى بنيجيريا…
هذا فقط غيض من فيض التجارب والتدخلات الإنسانية التي راكمها الباحث في ملف الهجرة واللجوء، حسن عماري، الذي تمكن بفضل عمله الإنساني مع المهاجرين من زيارة 15 دولة أوربية و5 دول إفريقية، متعاونا مع مجموعة من الشبكات والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان ويشتغل حاليا ضمن مجموعة «هاتف الإنقاذ» البحر الأبيض المتوسط، ومنسق مشروع «هاتف الإنقاذ» في الصحراء الذي يروم إنقاذ المهاجرين الذين يتيهون أو يتعرضون للاعتداءات أو الموت جوعا وعطشا وسط فيافي ما أصبح يعرف بـ»مثلث الموت»، أكاداز بالنيجر، كاو بمالي وتامنراست بالجزائر…


الكاتب : سميرة البوشاوني

  

بتاريخ : 18/06/2018