بورتريه عبد اللطيف الطود.. ذاكرة أصيلة التي تمشي بشفتين

زايلا.. تلك التي تسكنه كما يسكنها، ليست مدينة فحسب.. هي أمه التي تتعطر بروائح البحر وتتكحل بزرقته. هي برج القريقية الذي يحرس سكان المدينة القديمة والحومات النائمة في أمان لا يعسكه سوى صفاء الأبيض والأزرق الذي يلون حواريها، والابتسامات العريضة التي يوزعها أهلها كلما التقوا عابرا.
من ذلك الشاب السبعيني الذي يذرع أصيلة من طول باب الحومر إلى عرض الحياة، ضاحكا مبتسما يوزع النكات، وينثر ورد الحكايات على الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء ويذكر الأماكن مقرونة بسجلها العدلي؟
حتما لن يكون إلا عبد اللطيف الطود. الفتى الضاحك دوما الذي ما أن يبدأ معه الحديث من السؤال عن الأحوال والمشاغل الصغيرة حتى ينزاح إلى الماضي، متنقلا من جرحنا البعيد فلسطين إلى ألمنا القريب في الريف. كيف لا وهو سليل أسرة آل الطود، الأسرة التي عرفت بالعلم وحب التحصيل والجهاد. فعمه المقاوم الهاشمي الطود رفيق درب المجاهد عبد الكريم الخطابي، ووالده محمد بن عبد القادر الطود ابن القصر الكبير، الإمام بالمسجد الأعظم بالقصر الكبير والعدل والموسيقي والشاعر، حيث الأجداد خاضوا معركة وادي المخازن ورسخوا اسمهم منذ خمسة قرون وتوصلوا بظهائر سلطانية كالسلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي قبل الانخراط في معركة التحرير ضد الاستعمار الاسباني بالشمال.
لعبد اللطيف الطود علاقة يشبه مفعولها السحر بأماكن بعينيها بأصيلة التي ولد بها دونا عن إخوته الذين ولدوا بالقصر الكبير، الحومة التي شكلت فضاء للعب والحكايات زمن الطفولة، وفتحت أحضانها لكل أبناء العائلات بدون حسابات طبقية، مقهى زريرق حيث جلس أدباء من الشرق والغرب بلا صدام للحضارات، المسيد حيث التنافس على حفظ القرآن والتباهي به أمام الأقران.
يفتح منتدى أصيلة أمامه كل النوافذ على الذكريات والصداقات التي يعتبرها رأسماله الحقيقي، صداقات كونها بالشرق والغرب، كان الإنسان خلالها يبحث عن الإنسان فقط بدون توصيفات عنصرية.
في مدينة صغيرة كأصيلة، يقول عبد اللطيف، يكون التواصل الإنساني قويا، فالكل يعرفك وعليك أن تعرف الكل. وهي علاقات توطدت بلقاء شخصيات أدبية وسياسية تعرف عليها خلال ترحاله وتجواله الطويل بين بلدان المشرق التي تابع بها دراسته في التعليم الثانوي منذ الخمسينات كالقاهرة التي التقى بها العقاد أول مرة بمقهى «كروبي»، ولم يصدق أن يحمل العقاد قفتين مليئتين بالكتب هو الذي كان يعتقد أنها لا تصلح إلا لاقتناء الخضر كما تعود في بلده، هناك أيضا التقى بيرم التونسي قبل أن يشد الرحال إلى سوريا التي يردد كلما سمع اسمها: «سوريا حبيبتي»، يقولها بانتشاء العاشق الولهان والمتحسر على ما آلت إليه اليوم، سوريا التي كانت حضنا مفتوحا لكل الطلبة العرب وبشكل خاص للمغاربة بدون اعتراف بالحدود ولا الجنسيات. هناك بدمشق التقى مغاربة آخرين بصموا حضورهم كالأستاذ الحبيب الطالب والطاهر جميعي وآخرين، قبل أن يحصل على إجازة التعليم العالي بجامعة دمشق، ليطير إلى كامبريدج البريطانية ثم إلى جامعة جورج واشنطن الأمريكية التي سيحصل منها على شهادة الماستر في فن التربية وعلم النفس ويعود كطائر إلى عشه المغربي، أستاذا بطنجة والقنيطرة، ثم مكناس قبل التقاعد الذي طلب التمديد بعده لفترتين ما استغربه الأصدقاء.
اليوم يبدأ تجربة جديدة في عالم مغاير، وهو يلقن الصغار كيف يكون الإنسان خلاقا ومبدعا ومحبا للجمال، من خلال إشرافه الشخصي على حضانة للأطفال، جعل شعارها الحرية والحوار والإبداع لأنها حسبه هي ما يصنع الإنسان المتصالح مع الذات ومع الآخرين.


الكاتب : أصيلة: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 25/07/2017

أخبار مرتبطة

روني شار يقول بأن على الشاعر أن يستيقظ قبل أن يستيقظ العالم لأن الشاعر حافظ وجوه الكائن اللانهائية.شعراء أساسيون مثل

رَفَحْ جرحٌ أخضرُ في مِعْصم غزَّةَ، وَنَصْلٌ في خاصرة الريحِ. ماذا يجري؟ دمُ عُرسٍ يسيلُ أمْ عروسُ نِيلٍ تَمْضي، وكأنَّ

– 1 – هل الرمز الشعري الأسطوري ضروري أو غير ضروري للشعر المغربي؟ إن الرمز الأسطوري، اليوناني، خاصة، غير ضروري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *