بين التعليمين .. المغرب يصطف عالميا في الصفوف الاخيرة : بين المدرسة العمومية و التعليم الخصوصي

 

كثر الحديث عن المدرسة العمومية،عن متناقضات المدرسة العمومية، عن تدني مستوى التعليم بالمدرسة العمومية، رغم ان اول معدل في امتحانات البكالوريا يحصل عليه تلميذ يدرس بالمدرسة العمومية . عن ظروف العمل  بالمدرسة العمومية، عن العمل على تجويد  التعليم داخل المدرسة العمومية، عن المجانية داخل المدرسة العمومية، عن الاكتظاظ داخل فصول المدرسة العمومية. فمن يدرس ياترى في المدرسة العمومية .
بالطبع انهم أبناء المغاربة .لكن من أي طبقة ؟
فمنذ بداية الاستقلال كان المنفذ الوحيد للتعليم هو المدرسة العمومية . التي ورثها المغرب عن فترة الحماية . ورثها بطاقميها الإداري و التربوي وببنياتها التحتية و اللوجستيكية . و كان مطلب الحركة الوطنية آنذاك  هو الوصول الى  مدرسة وطنية عمومية تستجيب  لأربعة اهداف رئيسية . – التعميم – التوحيد – التعريب – المغربة .
و بالفعل تم الاجتهاد للوصول الى الهدف الرئيسي المتمثل  في المدرسة العمومية  ذات تعليم عالي الجودة . من اجل مدرسة عمومية تخرج اطر قادرة على تسيير دواليب الدولة في جميع التخصصات، ثم الاجتهاد للوصول الى توحيد برامج التعليم في الشمال الذي كان تحت السيطرة الاسبانية و باقي الجهات التي كانت تحت المد الفرنسي . و تمت مغربة الأطر و لو بالتدريج حتى اصبح  الأستاذ الفرنسي عملة نادرة بالمدرسة العمومية . بعدما تم سد الخصاص بالتعاقد مع أساتذة الكتلة الشرقية و خصوصا رومانيا و بلغاريا .  و هنا يطرح السؤال :  كيف لفاقد لأبجديات لغة موليير ان يدرس أبناء المغاربة للمواد العلمية والتقنية بالفرنسية ؟
اجتهدت الإرادة الى ان وصلت الى تعميم التعليم بجميع المناطق، و وصلت الى البند الأخير من الأهداف حيث تمكنت من تعريب المواد العلمية ابتداء من سنة 1980 .و تم تعريب الفلسفة  و الاجتماعيات قبل ذلك أي في السبعينيات من القرن الماضي . لكن هل وصلت الى الهدف الرئيسي  المتمثل في انتاج الكوادر ؟ هل  تم  سد خصاص سوق الشغل من خريجي المدرسة العمومية ؟ وهل هناك تنسيق تام بين تكوين المدرسة العمومية و سوق الشغل ؟
المدرسة العمومية اليوم لا يلجها الا من لا يجد عنها سبيلا، لكونها تفتقر لشروط التعلم . فالعدد الكبير من الأساتذة يدخل حجرة الدرس و هو منهك من جراء الجهد الكبير الذي بذله في المدرسة الخاصة، و البعض منهم لا يحركه الضمير المهني، و البعض منهم نسي انه كاد ان يكون رسولا،و البعض منهم يعاني أزمات نفسية، و البعض منهم لا يقدر مسؤولية تعليم أبناء الشعب، و البعض منهم لا يهمه الا الاجر الشهري دون محاسبة نفسه عما اذا كان اهلا لهذه الأجرة أخلاقيا و دينيا و وطنيا. و البعض يعتبر أن مهمته هي تعليم أبناء الشعب بما يرضي الله، و البعض لا يحابي التلاميذ بالنقط فيتعرض للشيطنة التي تعرض مستقبله للإفلاس، و البعض يتعرض للسب من طرف التلاميذ دون ان يجد الانصاف من الإدارة، بل ان بعض الإدارات ممثلة في الحراس العامين و النظار تعطي الحق للتلميذ على حساب الأستاذ و العكس صحيح دون تقصي الحقائق،  الاكتظاظ غير المقبول رغم مذكرة الوزارة، نقط المراقبة المستمرة يحكمها الاقبال على الدروس الخصوصية،المرافق الصحية غير موجودة أصلا و حتى الموجودة في حالات غير صحية .
في بعض الأحيان على الأستاذ ان يدبر الامر كي يشتري أقلام الكتابة على السبورة المغناطيسية  و طبع أوراق الواجبات المحروسة  على حسابه.وبالأمس أساتذة يعنفون من قبل السلطات امام التلاميذ ،و اليوم أساتذة مياومون .  ظاهرة العنف من التلاميذ ومن الأساتذة . و الحديث عن المدرسة العمومية داخل الأوساط القروية يدمي الفؤاد . النتيجة هي ان المدرسة العمومية  تخرج العطالة. الشيء الذي دفع الطبقة المتوسطة والميسورين الى تدريس أبنائهم في المدارس غير العمومية. .
بالمقابل التعليم الخصوصي يتعاقد مع اجود أساتذة التعليم العمومي و بأقل مما يتقاضى الاستاذ بالمدرسة العمومية . و بعقد شفوي  يمكن ان يفسخ في أي وقت و من طرف واحد. الإدارة بالمدرسة الخاصة تتابع سكنات رجل التعليم المتعاقد معها .جمعية الآباء داخل المدرسة الخاصة تحدد مصير الأستاذ . المدرسة الخاصة تبحث عن الأستاذ الذي يعطي الإضافة لسمعتها، تبحث عن الأستاذ الذي يعطي الشهرة للمدرسة، المدرسة الخاصة لا يوجد بها أستاذ دائم . التركيز على إعطاء أهمية بالغة للغات و خصوصا الفرنسية، يوفر معدلات جد مرتفعة للتلاميذ في المراقبة المستمرة ،علاقة التعاون الوطيدة بين الاسرة و المؤسسة الخصوصية في تتبع مسار التلاميذ، نسبة النجاح بالباكلوريا قد تصل الى مائة  بالمائة في غالب الأحيان ،كل هذا يوجه التلاميذ الى الأقسام التحضيرية و بعدها الى المدارس  والمعاهد العليا ذات المستقبل المضمون . في حين ان البعض ممن يعيش بحبوحة الحياة يدرس أبناءه في مدارس البعثة الفرنسية التي تؤهله بعد البكالوريا الى الدراسة بالمعاهد الفرنسية التي تعتبر شواهدها اكثر جاذبية بالنسبة لسوق الشغل سواء بالمغرب او بفرنسا نفسها.
و بين التعليمين يصطف المغرب  عالميا في الصفوف الاخيرة الى جانب دول الى وقت قريب كانت تعاني الحروب الاهلية و المجاعة. فمن السبب في هذا التدني ؟ فالدولة تساهم  من جيوب دافعي الضرائب في التعليمين لكن النتائج كارثية . اما مسؤولو الوزارة الوصية  فيفتخرون بالحالات الخاصة للنوابغ المغربية التي تطفو بين الحين و الاخر .ليبقى الوضع المتردي لتعليمنا الذي  يعاني ازمة بنيوية في أسوأ حالاته مقارنة مع دول خرجت للوجود في العقود الأخيرة . ليس لها تاريخ و ليست لها موارد و لا إمكانيات . لكن جودة تعليمها بأقل مما توفره الدولة المغربية للتعليم جعلها تتجاوزنا و نحن نتفرج..


الكاتب : محمد الحساني  

  

بتاريخ : 17/10/2019