تتوسط درب السلطان بالدارالبيضاء .. تهيئة ساحة «سيدي محمد بنعبد الله» مشروع مقبر إلى أجل غير مسمى !

رغم مرور أكثر من 5 سنوات على اعتماد مشروع تهيئة ساحة سيدي محمد بن عبد الله بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان بالدارالبيضاء، الساحة الشاهدة على لحظات خالدة من إرث المقاومة وعلى تراكمات الذاكرة الجماعية، من الخزف إلى فضاء الحلقة، ومن محلات الجزارة إلى محلات الشواء بسوق البلدية أو التسمية القديمة «سوق الكلب»، إلا أن الأمور لاتزال على حالها، بل وتسوء يوما عن يوم في هذا الفضاء الذي يشبّهه البعض بساحة جامع الفناء بمراكش، الذي يحج إليه مواطنون مغاربة من ساكنة المنطقة ومن خارج مدينة الدارالبيضاء، إلى جانب سياح أجانب يجدون أنفسهم يتجولون بين ثناياه، بالرغم من المشاهد الشائنة التي يحتضنها من مخلفات الأزبال وغيرها، حين يزورون منطقة الأحباس.
«مشروع لم تتحرك سلطات العمالة ولا مجلس مقاطعة مرس السلطان من أجل الدفع بإخراجه إلى حيز الوجود، مما يؤكد على أن البعد التنموي للمنطقة وإخراج المشاريع المسطرة هو أمر لا يحظى بالأولوية عند القائمين على تدبير الشأن المحلي والمعنيين في هذه العمالة» تقول مصادر جمعوية بالمنطقة ، فهو « مشروع لايزال حبيس الرفوف بالوكالة الحضرية»، وفقا لمصادر «الاتحاد الاشتراكي»، وهو الذي تم تخصيص ميزانية له تقدر بعشرة ملايين درهم من مجلس الجهة، وتم قطع أشواط كبيرة من أجل إنجازه على عهد سلطات الفداء مرس السلطان السابقة، على أن يتم إنجازه في سقف لا يتجاوز 10 أشهر، لكنه افتقد لمن يدفع في سبيل إخراجه اليوم.
لساحة سيدي محمد بنعبد الله، التي تعيش مرحلة «أرذل العمر» اليوم، قصة عريقة ضاربة في تاريخ الذاكرة البيضاوية، التي لا يعرفها عدد كبير ممن يتحملون المسؤولية، فالمحلات التجارية المتواجدة بالساحة سلمها الجيش لأفراده من المعطوبين والمتقاعدين، لتباع بها الأواني الخزفية وذلك خلال سنتي 1940 و1942، ونظرا لانخفاض نسبة الرواج التجاري بسوق الأحباس للجزارة، فقد انتقل مختلف الجزارين إلى المحلات التجارية الممنوحة لـ «العسكر» الذين تخلوا عنها لفائدتهم بداية الخمسينات، حوالي سنة 1955. أما الساحة المقابلة التي تحتضن فضاء يوصف بكونه حديقة حاليا، فقد كانت ساحة تزاول بها رياضة كرة القدم، ثم احتضنت فن الحلقة التي كان ينشطها كل من المرحوم «البهجة ونعينيعة « و «عين الميرنة، الجعيبة»، اللذين كانا رفقة الحسين السلاوي»، وكل من «كلاباطا والبوهالة»، كما كانت فضاء للملاكمة وألعاب السحر، والألعاب البهلوانية والحكايات المختلفة للأزليات وروايات «سيف ذو اليزن» و»هَيْنة».. وشهدت الساحة أيضا مقتل الصويري من طرف أحمد الطويل الذي كان شرطيا ذات يوم في الساعة الخامسة والنصف إبان فترة المقاومة (لاختلاف التقدير بينهما في أبعاد المقاومة)!
ساحة سيدي محمد بنعبد الله عرفت في فترة الستينات عملية بيع الكلاب، مما أدى الى تسمية السوق بسوق «الكلب»، وشهدت بيع الحريرة والشوربة (صوبة السمك)، وباعة الخبز، إذ كانت الخبزة تباع بـ «الرباعية»، كما عرفت المنطقة خلال السبعينات مواجهة بين سكان الحي والدلالات اللاتي قدمن على مراحل إلى المنطقة، وحاولن احتلالها لممارسة أنشطتهن التجارية إلا أن السكان واجهوا الظاهرة وطردوهن، وبيعت فيها ما بين 1950 و 1960 رؤوس الأغنام مبخرة قرب باب الخيرية، إضافة الى باعة التمور والجوز والكركاع، في حين كان يصنع الحصير ويباع أمام الطاحونة القديمة.
أحداث متعددة من تاريخ الساحة يتذكرها البعض ولا يعلمها البعض الآخر، من قبيل مقتل الدكتور «كركانو» من طرف الفدائيين ورجال المقاومة سنة 1954 بينما كان ممتطيا سيارته المكشوفة من نوع «أوستين» برصاصة في رأسه، ومستوصف «النصارى» المشكل من الخيام، وسكن المستعمرين.
إنها حقيقة منطقة غنية بالأحداث، والتي تعد معلمة تاريخية وسياحية من معالم الدار البيضاء المعدودة على رؤوس الأصابع، تجاور حي الأحباس وتحاذي القصر الملكي، وبإمكانها أن تشكل قبلة للسياحة الداخلية ، كما هو الشأن بالنسبة للسياحة الخارجية لو توفر لها شرط العناية والاهتمام بما يليق وتاريخها وذاكرتها، إذ من العيب أن يظل العديد من الحمقى والمتسولين وغيرهم يلتجئون إلى الحديقة المقابلة للسوق بغرض النوم أو معاقرة الكحول أو استنشاق علب «السلسيون» في غياب أي احتضان لهم واعتناء بهم، كما أن الأزبال والنفايات المتراكمة على جنبات زنقة مولاي اسماعيل تعد هي الأخرى من المظاهر الشائنة القاتمة. وجدير بالذكر أن المشروع الذي تم تسطيره على الورق يسعى إلى ربط الساحة بحي الأحباس لتشكل امتدادا له، على المستوى الهندسي والمعماري، على أن يتم هدم «براريك» محلات الشواء والجزارة التي من المفترض أن يتم نقلها إلى حيث توجد «الحديقة» ويتم تشييدها بمواصفات معينة، في حين يصبح الفضاء السابق عبارة عن ساحة بهندسة خاصة، مع تغيير حركة السير صوب وجهة أخرى وإحداث موقف للسيارات.
مشروع ظل ورقيا، إلى أجل غير مسمى، لأنه لم يجد من يرافع عنه، وفي انتظار ذلك ستظل الساحة بمثابة نقطة غير مضيئة على مستوى منطقة الأحباس، تحبل بالمتناقضات الصارخة، التي يمكن لأي زائر أن يقف عند حجمها وأن يلامسها.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 30/01/2019