“تجفيف منابع الإرهاب” للدكتور محمد شحرور 31- مفهوم البشر من الناحية البيولوجية ومن الناحية الإنسانية

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ، هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان. 

يواصل  المفكر العربي الدكتور محمد شحرور تقديم  رؤيته التي بسطها في كتابه “تجفيف منابع الإرهاب”، ويعود  ليفسر الآية الكريمة “وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا”، ويرى أن البشر في الآية قسمان، ذكور وإناث من الناحية البيولوجية بشرا، وذكور وإناث أيضأ من الناحية الإنسانية في قوله تعالى “ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا  وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند لله أتقاكم إن لله عليم خبير “ولاحظ  الدكتور محمد شحرور، عندما قال بشر  قال نسبا وصهرا، وعندما قال الناس، قال شعوبا وقبائل، أما العلاقة التي تربط الذكر بأسرته وعشيرته، يوضح المفكر السوري، فهي صلة الدم التي سماها سبحانه وتعالى، نسبا، وأما علاقة الأنثى بذلك كله، فهي صلة الرحم التي سماها صهرا. وهاتان الصلتان، صلة الدم بالنسب وصلة الرحم بالمصاهرة، هما العمدة والأساس في كل الأسر التي تقوم عليها  المجتمعات من الناحية الإنسانية.
وبالنسبة لإطلاق لله سبحانه وتعالى، على صلة الرحم اسم الصهر، يقول إن الصاد والهاء والراء أصل صحيح في اللسان له معنى واحد هو التذويب بالحرارة الشديدة، والصهر-بفتح وسكون ثم راء معجمة- في الكيمياء هو تحويل المعادن الجامدة إلى سوائل، أما الصهر-بكسر فسكون ثم راء معجمة – فهو صلة قربى بالزواج:زوج ابنته أوابنة  أخيه، أو زوج أخته أو ابنة أخته، وكذلك الأمر بالنسبة لصهر المرأة، وهذا من المجاز  يقول محمد شحرور، فكأن رحم  المرأة  مصهرا  -بوتقة- تنصهر فيه البويضات مع المنويات وتذوب فيه مورثات الذكور والأنوثة لتعطي جنينا يحمل صبغيات والديه.
ويضيف المفكر محمد شحرور، أما الثاني، فليسوا كذلك، ولهذا  أمر لله تعالى، بتصحيح نسبهم  وربطهم بالأب الوالد في حال وجوده أو معرفته، كحالة زيد بن حارثة، الذي كان يعلم بأن له أبا ومن أبوه، وذلك في قوله تعالى “ادعوهم  لأبائهم هو أقسط عند لله”، ومن ثمة يرى  الدكتور محمد شحرور، أن المسألة مسألة تصحيح مفاهيم ووضع النقاط على الحروف، أما من رأى آيتي الأحزاب تحريما للتبني، كما هو شائع عند جميع العلماء، يقول محمد شحرور، ننصح بإعادة قراءة كتاب لله تعالى وخصوصا قوله تعالى “وإذ تقول للذي أنعم لله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق لله وتخفي في نفسك ما لله مبديه وتخشى الناس ولله أحق أن تخشاه “، فالمخاطب، يري، محمد شحرور، في الآية هو النبي صلى لله عليه وسلم، والمشار إليه فيها باسم الإشارة وبضمير المفرد الغائب هو زيد بن حارثة، والآية تتحدث عن زواج نكاح مطلقات وأرامل الأولاد بالتبني، وقد ورد هذا واضحا في قوله تعالى، في محارم النكاح “وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم”، ومن ثمة يقول الدكتور محمد شحرور، هذا هو الحكم الذي يتميز به الابن بالتبني عن الابن من صلب الرجل.
أما الإرث والبر والحرمة والنسب،  فهو للأب  غير الوالد كما هو للأب الوالد، وهذا يرى  الدكتور محمد شحرور، ينسجم تماما مع التوضيح الذي بينه سبحانه وتعالى  في الآيتين الرابعة والخامسة من سورة الأحزاب، ولايتعارض معه مطلقا.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 01/06/2020