تحتضنها مناطق عديدة بالإقليم … مآثر تاريخية بالجديدة في حاجة إلى تثمين

على هامش تخليد اليوم العالمي للمعالم والمآثر التاريخية، والتي ظلت تقاوم الزمن على مدى عقود من الزمن، تعيد جريدة الاتحاد الاشتراكي فتح ملف الإهمال الذي تعرفه بعض الآثار التاريخية بمنطقة دكالة في غياب اهتمام جدي ودائم بآثار مصنفة تراثا عالميا وأخرى لا تنتظر سوى التفاتة بسيطة تقودها حتما إلى التصنيف العالمي.

مآثر استثنائية

تتوفر منطقة دكالة على العديد من المآثر التاريخية التي تعتبر من بين الأهم على الصعيد الوطني كالحي البرتغالي بالجديدة وأزمور، قصبة بولعوان، مدينة المجاهدين، عين الفطر أو تيط الغربية ومغارات الخنزيرة، مآثر تزخر بها منطقة دكالة التي تضم، اليوم، كلا من عمالتي الجديدة وسيدي بنور، إلا أنها تعرف وضعية تثير التساؤلات بشأن أعمال الصيانة والإصلاح، مما أدى ببعضها إلى التلاشي والاندثار فيما ما زال بعضها صامدا في وجه التعرية البشرية والطبيعية.
عدد من المسؤولين بالوزارات المعنية يتذرعون بغياب الإمكانيات المادية، للقيام بالواجب في ما يخص عمليات الترميم والإصلاح، فيما الجماعات المحلية لا تخصص أي مبلغ مالي للصيانة رغم أن بعضا منها هو من تقدم بتصنيف هذه المآثر التاريخية؛ وبالتالي تشكو عدد من المواقع الأثرية والسياحية، بمنطقة دكالة، من إهمال وتهميش صارخين يشكلان القاسم المشترك بينها.
أبو القاسم الشبري المختص في التراث والباحث التاريخي يؤكد بشكل مستمر، وفي كافة تدخلاته إن على المستوى المحلي أو المركزي، أن تراث دكالة غني ومتنوع ومواكب لكل مراحل تاريخ المغرب من عهود ما قبل التاريخ إلى اليوم. فالمواقع الأثرية والمآثر التاريخية، عديدة ومتنوعة، وتتوزع بين مدن ورباطات وقلاع وحصون وأبراج وزوايا ومساجد ومغارات.. وكلها تشمل المدينة كما القرية. وهذا الغنى والتنوع لم تواكبهما، بما يلزم من عناية، الدراسات والأبحاث، إذ يسجل أن هناك شحا في الدراسات والتوثيق كلما كان الأمر يتعلق بدراسة تراث دكالة، ولا تتوفر أية مدينة بالإقليم على متحف ولا على خزانة متخصصة تعنى بتاريخ وتراث وأعلام المنطقة.
وقد عمل الاستعمار الفرنسي على تصنيف غالبية المباني التاريخية والمواقع ضمن التراث الوطني بنصوص قانونية. كما عرفت فترة الحماية بعض الحفريات الأثرية وأوراش ترميم المباني التاريخية وكما هائلا من الدراسات والنشريات. وبعد ذلك تجمدت تلك الحركية بشكل أقرب إلى الشلل. ويؤكد أبو القاسم الشبري، في تصريح للاتحاد الاشتراكي، «أن حالة التراث المغربي بدكالة اليوم، ليست معزولة فيما يتهدد التراث من نسيان وإهمال وغياب إستراتيجية واضحة لدى الأجهزة المعنية الحكومية والمنتخبة، لأن كل مشاريع الترميم التي عرفها الحي البرتغالي من 1994 إلى حدود أشغال 2008 أنجزت بدون استراتيجية. وإذا كانت قد أعطت نتائج حسنة تقنيا، فإنها لم تنعكس على إشعاع القلعة البرتغالية وعلى حياة ساكنتها، اللهم حدوث تغيير طفيف في الوضعية العقارية الذي انعكس إيجابا على بعض العائلات، لكنه ينعكس سلبا على النسيج السوسيولوجي لهذا الحي ذي الميزات الخاصة والمتفردة، وهو ما سيمس -من دون شك- الخصوصيات المعمارية والعمرانية للحي البرتغالي، ولم يشفع للقلعة تصنيفها في لائحة التراث العالمي» يقول المتحدث.

الحي البرتغالي ..
تاريخ استثنائي

تحت ضغط المقاومة الشرسة لأهل البلد، غادر البرتغال مدينة مازغان مجبرين، وقد ابتدأت أولى المحاولات من طرف السلطان مولاي عبد لله السعدي، وصولا إلى المجاهد العياشي الذي عمل على تجميع وتأطير السكان الأصليين، ليهاجم بعد ذلك القلعة سنة 1639م، انطلاقا من حصن الفحص الجنوبي وحصن تكني الشمالي، إلا أن ساعة الحسم لم تكن إلا على يد السلطان محمد بن عبد لله سنة 1769م. وأمام الحصار المفروض على ملك البرتغال، أمر بإخلاء المدينة، والتوجه إلى البرتغال قصد البحث عن آفاق آمنة، فقرر أن يمارس سياسة الأرض المحروقة بعده وهو ما جعله يدفن 25 برميلا من البارود في السور الموالي للمدينة، أي قرب برج سانت أنطوان وغادروها عبر باب البحر قرب برج الملائكة، فهدموا البنايات الداخلية وأتلفوا ما بقي من المؤونة وذبحوا القطيع وكسروا أرجل الخيول، وتركوا رجلا مسنا كلفوه بإشعال فتيل البراميل، وما كاد الجنود المسلمون، يلجون البوابة الرئيسية، حتى دوى انفجار هائل، أتى على جزء كبير من السور وتسبب في قتل العديد منهم قدر آنذاك بحوالي 5000 فرد، توفي أغلبهم تحت الأنقاض، حيث ظلت المدينة شبه خالية، أسوارها مهدمة وأزقتها مهجورة إلى حدود 1820م/1240ه، حيث يشير الناصري في كتاب الاستقصاء، إلى أن سيدي محمد بن الطيب، أمر بإعادة إعمارها، وعمل على استقدام اليهود الذين كانوا مقيمين بمدينة آزمور، خاصة أنهم كانوا يتقنون التجارة والحرف اليدوية منذ مغادرتهم لمزاغان، ظلت المدينة/الحي البرتغالي تتعرض يوما عن يوم لتآكل المباني والمنازل. ولم يفلح تسجيله في 30 يونيو 2004 ضمن التراث العالمي في رد الاعتبار إليه.
وتتعايش داخل القلعة البرتغالية إلى حدود اليوم، معالم الثقافة المغربية والبرتغالية والإيطالية والإسبانية منذ القرن السادس عشر، كما تعايش فيها المسلمون واليهود المغاربة منذ بدايات القرن التاسع عشر، وتعايش معهم الأوربيون الوافدون من كل دول أوربا من أجل التجارة والأعمال في مدينة الجديدة ومينائها النشيط.
ويؤكد أبو القاسم الشبري أن قلعة «مازاكان» شكلت أول تمظهرلتلاقي البرتغال وأوروبا-النهضة مع إفريقيا، وأول تطبيق لفلسفة النهضة في المعمار في إفريقيا.. ولهذه الاعتبارات التاريخية والعلمية والثقافية والعمرانية، أقدمت منظمة «يونسكو»، في دورة سوزهو في الصين، يوم 30 يونيو 2004، على إدراج «مازاغان» ضمن لائحة التراث العالمي.

تفويتات تضر بالمآثر

تحتضن «القلعة البرتغالية»، بين أسوارها، حوالي 400 منزل، منها حوالي 40 منزلا صار يمتلكها أجانب أو تحولت إلى «رياضات»، منها المصرح به كفندق قانوني ومنها التي تمارس أنشطتها في استقبال السياح بطريقة سرية. ويضم الحي البرتغالي، كذلك، أزيدَ من 50 بزارا و أربع زوايا دينية ومسجدا واحدا وخمسة معابد، إضافة إلى عدد من الفضاءات الأخرى..
إلا أن الحي البرتغالي، منذ سنوات، يعرف ركودا في عدد الزوار، وحتى من يزورونه بشكل دائم أصبحوا مع مرور الأيام من سكان الحي، بعد أن اشتروا منازل من أصحابها بأثمنة بخسة وحولوها إلى «رياضات» يستقبلون فيها أصدقاءهم من حين إلى آخر، وعلى طول السنة دون أن يستفيد منهم الحي أي شيء..
وقد جلبت القلعة البرتغالية، منذ تصنيفها كتراث عالمي، العديدَ من المستثمرين الذين اقتنوا مجموعة من الدور لاستغلاها في مشاريعهم السياحية أو للاستقرار فيها بشكل نهائي. وأكد بعض سكان الحي البرتغالي أنهم استبشروا خيرا بمبادرة أشغال الترميم التي كانت السلطات المحلية قد بدأتها في فضاءات الحي البرتغالي، وراهنوا على إمكانية إعطائها دفعة جديدة للحي، إلا أنهم فوجئوا بتوقفها دون أن يعرفوا الأسباب.. وكانت ساكنة الحي تعتقد أن تلك الترميمات ستشمل واجهات منازلهم بالنظر إلى كون أغلب ساكنة الحي هم من بسطاء القوم.


الكاتب : إعداد : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 27/03/2020

أخبار مرتبطة

دعت وزارة الداخلية ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات لإصدار توجيهاتهم لممثلي الإدارة الترابية وحثهم على دعم ومواكبة المصالح

    اهتزت ساكنة حي بني امحمد هذه المرة على وقع جريمة قتل أخرى راح ضحيتها الشاب عبدالرحمان .ب يبلغ

في لقاء احتضنته مكناس وشهد المطالبة بتسريع إحداث مركب رياضي كبير   أسفر الملتقى الثاني حول الرياضة بمكناس المنظم من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *