تخليد الذكرى 103 لمعركة لهري في خنيفرة بمهرجان خطابي وافتتاح فضاء متحفي للذاكرة بمريرت

خلد قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بخنيفرة، يوم الاثنين 13 نونبر 2017، الذكرى الثالثة بعد المائة لمعركة لهري الخالدة، بحضور المندوب السامي، الدكتور مصطفى الكثيري، وقبل التوجه لقرية لهري، تم تدشين “الفضاء التربوي والتثقيفي والمتحفي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير” بمريرت، في أجواء احتفالية متميزة، وهو الفضاء 74 الذي تم افتتاحه على المستوى الوطني، في إطار الحفاظ على الموروث التاريخي والنضالي لأجل الأجيال الصاعدة بغاية تعبئتها وتحسيسها بالهوية الوطنية، وقد تميزت المناسبة هذه السنة بشاحنة عبارة عن “مكتبة متنقلة” لمجموعة من الأعمال الصادرة حول تاريخ الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير.
و تمت زيارة جماعية للفضاء المذكور، بحضور عامل الإقليم وشخصيات عسكرية وأمنية وقضائية، وفعاليات جمعوية وثقافية وتربوية وإعلامية، وسلطات محلية ورؤساء مصالح ومنتخبين، وعدد كبير من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ويضم هذا الفضاء، المنجز على مساحة 296 مترا مربعا، أجنحة متنوعة بين السمعي البصري والتكوين، التواصل والذاكرة التاريخية، الخزانة والمعلوميات، في حين يضم بهوه لوحة بصور قدماء المقاومين وجيش التحرير بكل من مريرت والحمام، ورواقا بصور ووثائق تاريخية وأدوات تم استخدامها إبان فترة الكفاح الوطني والمقاومة.
وعلى غرار كل سنة، انتقل الجميع إلى قرية لهري المعروفة بمعركتها الشهيرة، حيث تمت زيارة المعلمة التذكارية المخلدة لهذه المعركة، قبل إقامة مهرجان خطابي افتتح بكلمتين لرئيس المجلس القروي للهري، ونائب رئيس المجلس الإقليمي، تم فيهما استحضار ما حققته المقاومة الزيانية من ملاحم بطولية بمعركة لهري التي تتزامن ذكراها بذكرى المسيرة وعيد الاستقلال، وبعين المكان شاركت “جمعية أسود الأطلس للحمام الزاجل” بإطلاق 103 حمامة احتفالا بالذكرى وتكريما لقدماء المقاومين.
وفي كلمته، أشاد الدكتور مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بشجاعة أبناء الإقليم الذين لقنوا المستعمر، بقيادة الشهيد موحى وحمو الزياني، درسا تاريخيا في معنى التضحية والوطنية الصادقة، ولم يفته التعبير عن اعتزازه وافتخاره بمشاركة سكان إقليم خنيفرة وأسرة المقاومة وجيش التحرير في تخليد هذه الملحمة التاريخية الكبرى التي ستظل منقوشة في ذاكرة الأجيال، مذكرا بالمكانة التاريخية التي تحتلها ملحمة معركة لهري ضمن سجل المقاومة الوطنية، وما تحمله من دلالة في مواجهة التحديات وكسب رهانات التنمية المستدامة وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية.
وصلة بالموضوع، استدل المندوب السامي بشهادات اعترف فيها بعض القادة الفرنسيين بالهزيمة الثقيلة التي تكبدتها جيوشهم في معركة لهري، ومنهم “جيوم” الذي كتب قائلا: “لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل الهزيمة المفجعة بمعركة لهري”، إذ بعد أشهر من بسط الجيوش الفرنسية لنفوذها على مدينة خنيفرة، لم تتوقع أن تتكبد كل تلك الخسائر في الأرواح والعتاد بمعركة لهري، رغم التعزيزات العسكرية التي تم استقدامها من تادلة.
كما استعرض المندوب السامي حجم الهزيمة التي منيت بها القوات الفرنسية، من خلال سقوط أكثر من 580 جنديا فرنسيا، و33 ضابطا، وقائدهم الكولونيل لافيردور، علاوة على أزيد من 170 جريحا، بينما غنم المقاومون أسلحة وذخائر حية كثيرة. ولم يفت المندوب السامي التذكير بوثيقة تاريخية للجنرال ليوطي يرى فيها بلاد زيان منطقة لا تصلح الا كسند لكل العصاة، وكيف تحدث بعدها عن بسالة وشجاعة المقاومين الزيانيين، كما توقف المندوب السامي لاستعراض بعض الشهادات المكتوبة في الموضوع، ومنها شهادة وردت في كتاب “تاريخ بلدة خنيفرة” للمؤرخ المغربي أحمد بلقاسم الزياني.
وذكر المندوب السامي بشخصية موحى وحمو الزياني الذي ظل يواجه المستعمر الأجنبي إلى حين استشهاده، صباح الأحد 27 مارس من عام 1921، بأزلاك نزمورت بجبل توجكالت، بعد إلحاقه بالجيوش الفرنسية أقسى الخسائر رغم تفوقها عدة وعتادا. كما استعرض ومضات من حياة هذا البطل الشهيد والمعارك التي شارك فيها، وتمكنه بفطرته وحكمته من توحيد صفوف المجاهدين والرفع من معنوياتهم إلى أن استطاعوا إرباك حسابات المستعمر، مشيرا لما كانت تشكله خنيفرة لدى السلطات الاستعمارية كقلعة عنيدة، ولظروف معركة لهري وما سبقها من محاولات فاشلة كنهج بعض القادة الفرنسيين، ومنهم الجنرال هنريس، سياسة إغراء تجاه موحى وحمو الزياني الذي ظل صامدا قائدا لرجاله بالجبال.
ومن جهة أخرى، تحدث الكثيري عن جهود المندوبية في إطار صيانة الذاكرة التاريخية، مجددا إشارته للفضاء التثقيفي والمتحفي للمقاومة وجيش التحرير الذي افتتح بمريرت، ضمن 74 فضاء مماثلا على الصعيد الوطني، والذي تطلب إنجازه تكلفة بمبلغ مليون و400 ألف درهم، بموجب اتفاقية تعاون وشراكة تجمع بين المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ومجلس جهة مكناس تافيلالت (سابقا) والمجلس الإقليمي لخنيفرة بالإضافة إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمجلس البلدي لمريرت.
وعقب كلمته، أعلن المندوب السامي عن إصدار جديد عملت المندوبية على إنجازه، بقلم جامعيين ومؤرخين وباحثين مغاربة وجزائريين (22 مغربيا و20 جزائريا)، ويحتوي على أكثر من 730 صفحة، وقد تم وضع نسخة منه بين يدي جلالة الملك، في ذكرى 20 غشت المنصرم، في حين تم إيصال نسخة أخرى لمسؤولي الدولة الجزائرية، ويتضمن “الذاكرة التاريخية المشتركة المغربية الجزائرية”، ويوثق للكفاح المشترك بين البلدين، ومدى الدعم المغربي للثورة الجزائرية من أجل حريتها واستقلالها، انطلاقا من المساندة المغربية لكل حركات التحرر في المغرب الكبير وإفريقيا والعالم.
وبذات المناسبة، تقدم رئيس المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والحكامة الترابية، الضابط المتقاعد محمد فتحي، بعرض علمي وتقني تناول فيه الجانب العسكري والجيواستراتيجي لمعركة لهري، وشخصية موحى حمو الزياني ومنهجيته الدقيقة التي مكنته من هزم القوات الفرنسية، ولم يفته انتهاز فرصة المناسبة لتوجيه خطابه للمسؤولين على المستوى المركزي من أجل الاهتمام بأحوال وأوضاع قرية لهري، وانتشالها من التهميش والإقصاء.
وقد تخللت المهرجان الخطابي مراسم تكريم 17 من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير المنتمين للإقليم (8 من مريرت)، 11 منهم انتقلوا إلى جوار ربهم، ألقيت في حقهم جميعا كلمة مؤثرة، كما سلمت لوحات وشهادات تقديرية مع توزيع إعانات مالية.


الكاتب : خنيفرة: أحمد بـيضي

  

بتاريخ : 16/11/2017