تداعيات فيروس كورونا على التجار الصينيين بـ «درب عمر» : هل تراجعت وتيرة الرواج لدى الصينيين بـ «درب عمر» بسبب إدراك الزبائن المغاربة لخطورة فيروس كورونا وتوجسهم من العدوى المحتملة؟

هل اتخذت العلاقة بين تجار «درب عمر» والزبائن المغاربة خصوصا، والمغاربة في أماكن أخرى بوجه عام، مسافة حيطة وحذر؟

 

استطاعت طائفة من الشركات الصينية الاستثمار بالمغرب بوصفه بوابة أوروبا وافريقيا، وتهافت الصينيون على اقتناء متاجر في الواجهات وفي الأحياء، بل قيساريات بأموال طائلة، بمدن مثل فاس وطنجة والدار البيضاء، عاصمة المال والأعمال، هاته الأخيرة التي استوطنوا أكبر أحيائها التجارية، أقصد «درب عمر»، الذي يتميز بدينامية لافتة : شارع وأزقة وسيارات وشاحنات ودراجات و مارة لايراعون ممرا وحمالين و»فراشة» على قارعة الطريق…وقد جلبوا  إليه كل ما يخطر أو لا يخطرعلى بال الإنسان المغربي من آخر وأحدث صيحات الموضة ، وتوجهوا إلى سائر الطبقات الاجتماعية، بمنتوج مقلَّد بثمن زهيد ، يستنسخ المنتوج الذي يضاهي الماركات العالمية ، ساحبين بذلك، البساط من تحت أقدام التجار المغاربة(سواسة واليهود والفاسيين)، حادين من حركة التجار الأجانب(مثل الأتراك ..)، بفضل استراتيجية الماركوتينغ،التي تقتضي دراسة السوق ومعرفة ما يحتاج له الزبون بشدة في استخدامه اليومي ومعرفة قدرته الشرائية وعقليته وطبيعته وكيفية التواصل معه،فالصينيون عموما، يمكن أن نصفهم بالرجل المحارب، الذي خُلق لمجابهة التحديات والأزمات، كيفما كانت.وفي الآونة الأخيرة، ظهر تحدٍ خطير أو حدث فجائي، استهدف وجودهم وتجارتهم ، تمثّل في ظهورفيروس كورونا، تفوق خطورته فيروسات أخرى مثل ساراس وإيبولا وزيكا وميرس..ولكن التجار الصينيين أدركوا خطورة الفيروس الذي ظهر بأرضهم وانتشر في أرجاء العالم، مخلفا ضحايا، خالقا لديهم أزمة،  يُنكَبّ حاليا على إدارتها، فلم يسمحوا لأبناء جلدتهم من التجارالذين زاروا الصين لقضاء عطلة السنة الصينية الجديدة، بأن يعودوا إلى استئناف تجارتهم، إلا بعد مرور مدة معينة على مكوثهم في بيوتهم، ومتابعة أحوالهم الصحية، تقدر بأربعة عشر يوما، أو أربعة وعشرين على أكثر تقدير، وهي فترة حضانة كورونا، وظهور أعراضه.
ولتسليط الضوء على هاته الأزمة التي خلقها فيروس كورونا، وتداعياتها على تجار «درب عمر»،زرنا المركز التجاري الصيني، الذي يطلق عليه «تشينا طاون»، أو المدينة الصينية المغربية،وطبعا كل زائرهو محط العيون، لايمكن أن يُشهر كاميرا أو هاتفه علنا لأخذ صور تحت أي ذريعة، ولقد منع صحافيون من قبلُ من القيام بالتصوير داخل القيسارية، ولايسعِف أي ترخيص في ذلك.قلت ولَجنا المدينة الصينية، فأبصرنا صينيين مختلفي القامات والسحنات، بعضهم منشغل بالهاتف، ولايدعوك لاقتناء البضاعة إلا مساعد مغربي، والبعض يقابلك بالبشاشة والتحية الصينيتين.
لما علم بعض التجار برغبتي في معرفة تداعيات فيروس كورونا على التجارة الصينية بدرب عمر، اعتذروا وأعرَضوا، رافعين راحة اليد في وجهي.وواصلت سيري، وسألت تاجرا آخر في الموضوع، فاستمع إليّ جيدا.وتجار درب عمر الصينيون يتميزون بثقافة الإصغاء لأجل مخاطبة المتكلم على قدر عقله، ولكنه أجابني باقتضاب وبرودة بدارجة مترهلة. واستمررت في طريقي، ودخلت متجرا به تاجر منكب على هاتفه وبجواره امرأته وطفلها فيما أعتقد، فجابهني على التو شاب مغربي يعمل لديه مساعدا.قدمت نفسي طبعا وسألته «لماذا لا يريد أحد أن يحدثني عن تأثير كورونا على التجارة الصينية ب»درب عمر»، فرد علي»آش نقول لك آخويا.الشّانوا ناس اخرين، حاضيين راسهم اكثر من القياس.الحاجة اللي مافيها ربح لِهُم، ما تيصدعوا بها راسهم.هما خدامين ديما، يْكون كورونا ولاّ ما يْكون.وإلى سولتيني على الحركة، نقول لك، هبْطات وخفّت الرْجْل، ما بقات كيف مّا كان، قبل هاد الفيروس.»
وواصلت طريقي، ورأيت سيدة صينية، وبعد أن قدمت لها نفسي، سألتها عن تأثير وتداعيات كورونا على التجارة الصينية، فقالت» فيروس كورونا، نعتبره أزمة ليست قصرا على الصينيين وحدهم .صحيح أن كورونا أزمة حادة وعنيفة وجارفة، ولكن بثباتنا وشجاعتنا ووعينا بخطورتها وعمَلنا على مواجهتها وتحديها،نواصل حياتنا ونستمر في تجارتنا، فقبل فيروس كورونا كانت ثمة فيروسات أخرى لا تقل خطورة عنه علاوة على الأزمة العالمية، لم نستسلم، لم نقل إنها القيامة، بل واجهنا».وسألتها، وماذا عن التجار الذين شدوا الرحال للصين ، حيث يرتع فيروس كورونا..فردّت أن الذين ذهبوا لجلب السلع، منهم من لم يسمح له بمغادرة البلد كإجراء احترازي.ومن عادوا إلى المغرب، وطبعا من غير بضاعة، حتى تقرر الجهات المسؤولة متى، خوفا من انتشار الفيروس- فقد طُلب منهم أن يبتعدوا عن مقر تجارتهم مؤقتا.

ماذا عن الزبائن المغاربة الذين يتبضعون من «سوبير ماركيت الصيني، درب عمر»، هل لا حظوا معاملة مغايرة من التجار الصينيين؟ هل يستحضرون عدوى فيروس كورونا وهم يقْبلون على التجار الصينيين؟

ونحن نتحرك بـ «تشينا طاون»، سألنا طائفة من الزبائن.علقت السيدة»م.ح» قائلة» كورونا فيروس خطير، وخطورته، أن أعراض المرض لا تظهر على المصاب حتى لا قدر الله يصيب غيره بالعدوى من غير أن يشعر.هنا في «درب عمر»، الناس، ما بقات تَتْجي كيف مّا كان من قبل.
ومن جهتها، أوضحت السيدة (ف.ن) أن «الهضرة كْثيرة، وفيروس كورونا بحالو بحال فلوانزا الخنازير أو فلوانزا الطيور..كلها إشاعات. ولله حتى شرينا الدجاج بخمسة الدراهم للوحدة وكلينا وشبعنا، وما كاين والو، غا الإشاعة، وبالنسبة للتجارة بدرب عمر، كلشي عادي.الشانوا تيبيعوا ويشرييوْا مع راسهم.كُنْ غير حتى هما دارو لينا تخفيض ف السلعة»
وبالنسبة لشاب مساعد، طلب عدم ذكر اسمه، فإن «التجارة بدرب عمر تأثرت من هاد الفيروس.
والملاحظ هو إقبال بعض – أقول بعض – الشانوا على الخصوص – خوفا من عدوى كورونا التي تنتقل عبر رذاذ سعال مصاب بكورونا – على شراء الكمامات الطبية من متاجر أخرى مجاورة لمغاربة،أو من صيدليات ونقط بيع شبه طبية، ولا يتعدى ثمنها درهمين اثنين.
ويردف هذا المساعد، أن تاجرا مغربيا بالجملة، جال المحلات التجارية الصينية عارضا عيّنة(شانطيو) من «الماسكات»، لكن لا صيني وافق على عرضه. وعن سؤالنا: وما يمنعه هو من لبس هذا الماسك، أجاب» أخويا الأعمار بيد الله، حنا خدامين عند الشانوا بـ 70 درهم والمخيّر فينا 100 درهم.وما كاين غير هز وحط من الصباح للعشية وراقب المحل مزيان. الشانوا ما تيتساهلو.خْدم.. أو سير ف حالك.
وبالمقابل، سألنا تاجرا مغربيا بدرب عمر عن موقفه من كورونا الطارئ الذي لم يحسب تجار «شينا طاون» لتداعياته حسابا؟ فكان رده:» هاد الشينوا شدوا أحسن المراكز التجارية وبلوكاو كل منافس ليهم.وغرقوا السوق ببضاعة بلا فواتير، وهلكوا الصناعة المحلية. بالشكل اللي ما يديرو كورونا،منافستهم غْلقت محلات تجارية مغربية وبالتالي تأثرت عائلات.. نزلوا «غشاء البكرة» بالنسبة لِلِّي ضيْعت عذريتها، و»المونيكات» اللي تتشجع المراضْ نفسيا وشبابنا على عدم الزواج، على عينك آبن عدي، والسخانات ديال الماء اللي زهّقت روح…..كورونا خطير، وأخطر منو هذا التطاول على ديننا وتقاليدنا وحضارتنا وتجارتنا المحلية.والخدامة الشباب المغاربة اللي تيتعاملوا مع الزبائن مباشرة، ومْنهم يْفرغوا حمولات كبيرة من (كونطونيرات) أو يعمرو شاحنات(كاميووات) ويْراقبوا المتجر..خْلصتهم ما بين 1400 درهم و2000 درهم، ولا جهة تنظم قطاع هاته العمالة، فلاعطلة سنوية ولا تغطية صحية ولا تعويض عن المرض أوحادث شغل ولا أي شيئ.فمن اشتغل تقاضى، ومن لم يحضر، يفقد عمله نهائيا..واش كاين شي كورونا اكثر من هذا؟
وأخبرنا مساعد آخر، أن التجارة ب»درب عمر» عادية جدا، والسبب ماشي فيروس كورونا، أبدا..الحركة عيّانة في شهر يناير وفبراير من كل سنة ماشي غير عند الشانوا في «درب عمر»، ولكن حتى فْ جميع القطاعات بالمغرب.هذا واقع معروف.

كيف أصبحت علاقة المغاربة مع تجار «درب عمر»؟

كان جواب تاجر صيني من «درب عمر»، لما سألناه عن العلاقة بينه كتاجر وبين الزبائن المغاربة، أن الأمور عادية جدا، ولم يلاحظ فزعا على محيا أحد، وأشار إلى أن الذي يخدم الزبون، في هذه الظرفية وغيرها،هم مساعدون مغاربة.

هل لفيروس كورونا من تأثير
سلبي على سلوك المغاربة تجاه الصينيين عموما؟

وقريبا من «قيسارية الشانوا» سألنا رجلا صينيا، فكان رده: المغاربة شعب طيب، يحترم نفسه، ولايؤذي أجنبيا كان صينيا أو غير صيني، لا بالهمس أو بتوجيه إشارة أصبع، أو إظهار تخوف فاضح من أحد بسبب كورونا أو غير كورونا.سلوك المغاربة الفعلي والقولي،لا يمكن القول عنه سوى أنه حضاري.وأعتقد أن عدم تغيّر المغاربة إزاء الصينيين في هذه الظرفية العصيبة، إنما بفضل إدراكهم لكورونا كأي فيروس يخلق واقعا مرا غريبا يتعيّن تكثيف الجهود لاحتوائه، وكذا بفضل دور وسائل الإعلام في دعوة الناس لأخذ الحيطة والحذر والوقاية منه والإبلاغ عن حدوث حالة إصابة شخص عند ظهور أعراض من قبيل الإسهال والغثيان قبل يوم أو يومين من حدوث حمى واضطراب نفسي وفرك العينين والأنف..بشكل مثير.


الكاتب : عزيز الحلاج

  

بتاريخ : 18/02/2020